الأخبار
رجائى عطية
مدارات خلط الأوراق: هل صار العدو هو الإسلام ؟! «٦ ـ 6»
زواج المسلمة من غير المسلم
علي مدي نيف وأربعة عشر قرنًا، والمسلمات والمسلمون، علي معتقد واحد لا يريم، أن الإسلام لم يقر ـ بل حظر ـ زواج المسلمة من غير المسلم .
وتعبير » غير المسلم »‬ هو التعبير الأدق الذي يفهم من مجمل الآيات القرآنية التي حَرَّمَتْ مثل هذا الزواج، أو ناقشت ما نُسب كذبًا إلي السيد المسيح عليه السلام، ومن المؤسف أن بعض الأقلام المنبرية اتخذت من بعض الألفاظ أداة للإحراج وفتح أبواب المسكوت عنه التي تراعي حسن العلاقة بين أبناء الأديان السماوية الثلاثة .
فالعبرة فيما يقال، هي بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني، ولذلك فإن التوقف الحرفي عند لفظ دون استظهار غايته ومغزاه أو معناه، لا يتفق مع أصول الاستدلال الصحيح، ويتجاهل وجود اختلاف في المدلولات بينته المعاجم اللغوية، فلفظ الكفر ـ مثلاً ـ ليس مقابلاً في كل الأحوال للإلحاد الذي ينكر وجود الله وينكر الأديان، وقد يتخصص اللفظ بحيث لا يُحمل علي إطلاق، وإنما يُحمل علي شيء معين، فيبقي علي تخصيصه ولا يوري بمعني عام، فقد يخصص اللفظ بإنكار النعمة، كمثل قوله تعالي : »‬ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ » (النحل 72)، وقد يخصص اللفظ بإنكار دين معين ولا يعني الكفر بالله، بل وقد يوصف المؤمن بالكفر بشيء معين ـ علي التخصيص ـ غير إيمانه بالله، ولا يقال بداهةً إنه كافر بالله، بل يقال إِنْ كان كفرُهُ بالطاغوت ـ مع إيمانه بالله ـ إنه قد استمسك بالعروة الوثقي . يقول الحق تبارك وتعالي : »‬ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَيَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » (البقرة 256) .. فوصف الكفر هنا محمول علي »‬ الطاغوت » وليس كفرًا بالله أو كفرًا بإطلاق . ومن يتأمل في معاني الآيات، يدرك من معناها ومغزاها أنها حرمت زواج المسلمة من غير المسلم، وقد استقر هذا المعني في أفهام وأخلاد الناس والفقهاء بإجماع لأكثر من أربعة عشر قرنًا .
ومن الأدلة القاطعة علي أن التحريم ينصرف إلي غير المسلم، أيًّا كان دينه أو لا دينه، ما ورد بالآية العاشرة من سورة الممتحنة في شأن المؤمنات اللاَّئي يهاجرن إلي المؤمنين في المدينة، من أنه إن ثبت أنهن مؤمنات، لا يجوز ردهن إلي الكفار، فتقول الآية الكريمة : »‬ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَي الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ »
(الممتحنة 10)، ومن المقطوع به أن لفظ الكفار هنا لفظ عام ينصرف إلي كلٍّ من لا يدين بالإسلام، ذلك أن المهاجرات المؤمنات قادمات من مكة وما حولها من شبه الجزيرة العربية، ولم يكن المجتمع القادمات منه علي شاكلة واحدة أو ملة واحدة، فكان هناك المشرك، وكان هناك الكافر بكل دين، والوثني عابد الأصنام، والصابئ، والمجوسي، والنصراني، واليهودي، واللاديني الذي يبحث أو لا يبحث عن دين يعتنقه .. فإلي كل هؤلاء علي اختلاف مللهم ونحلهم، يتجه النهي عن رد المؤمنات المهاجرات إليهم، الأمر الذي يقطع بأن النهي إنما ينصرف إلي »‬ غير المسلم » أيًّا كانت عقيدته أو ملته، كتابيًّا كان أو غير كتابي .
وغني عن البيان أن لتحريم زواج المسلمة من غير المسلم، كتابيًّا كان أو غير كتابي، حكمة لا تفوت المتأمل الباحث عنها، ولذلك فإن مقارنة هذا التحريم بالإباحة التي وردت بالآية الرابعة من سورة المائدة، بإجازة زواج المسلم بالكتابيات من المحصنات، مقارنة في غير محلها، تتجاهل واقعًا يراه البصير ولا يغفل عنه .
قياس ومقارنة مع الفارق !
ذلك أن المسلم مؤمن بكافة الأديان السماوية التي نزلت قبل الإسلام، وتكرر بيان ذلك بأكثر من سورة من سور القرآن الكريم، منها علي سبيل المثال ما ورد بالآية (84) من سورة آل عمران، يقول سبحانه وتعالي آمرًا نبيه المصطفي عليه الصلاة والسلام : »‬ قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَي وَعِيسَي وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ »
(آل عمران 84)، وبنفس هذه الصياغة الآية (136) من سورة البقرة، ولم يتحدث كتاب من الكتب السماوية عن زكريا ويحيي ومريم والمسيح بمثل الحديث البليغ الرائع الذي ورد عنهم في القرآن الكريم، مثل الآيات من (35) إلي (39) من سورة آل عمران، ومثل قوله تعالي في ذات السورة »‬ وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَي نِسَاء الْعَالَمِينَ » (آل عمران 42)، وقوله عز وجل »‬ إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَي ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ » (آل عمران 45، 46) وعن موسي والمسيح عيسي ابن مريم عليهما السلام، جاء بالقرآن : »‬ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَي الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَي ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ » (البقرة 87) .
والحديث عن موقف الإسلام من الأديان الكتابية وتكريمه للأنبياء والرسالات السابقة يطول ولا يحتمله هذا الحيز، ولكن الواضح من ذلك أنه لا يأس ولا خشية علي الكتابية إذا تزوجت مسلمًا، لأنه مؤمن مصدق بما نزل به موسي والمسيح، ولن يصادر من ثم حق زوجته الكتابية في الإيمان بدينها والتعبد وفق طقوسه ومناسكه، والتردد علي دور عبادته.
علي أن هذا ليس موقف أصحاب الأديان السابقة من الإسلام، فهم لو آمنوا برسالته وصدقوا رسوله لاعتنقوا الإسلام باعتباره خاتم الرسالات السماوية، ومن المسكوت عنه أن يفصحوا أو يفصح المسلمون عن ذلك، ولكنه حقيقة معلومة تضع الزوجة المسلمة في وضع شائك وصعب إذا ما تزوجت كتابيًّا لا يؤمن بدينها ولا يصدق بنبوة رسوله، ومن المحتمل أن يضيق بتعبدها بدينها إن لم يصادر عليها باعتباره صاحب الكلمة العليا في بيته .
هو إذن قياس مع الفارق !
ومقارنة في غير محلها !
ولسنا بحاجة من قبل ومن بعد إلي إثارة الاحتقانات، ولا لاختصاص الإسلام بالحديث بينما الكنيسة لا تقر زواج المسيحية بالمسلم، وتقضي بحرمان المتزوجة بالمسلم ـ حيةً وميتةً ـ من التناول ونيل البركات والصلاة، بما في ذلك المراسم الدينية لتشييع جثمانها بعد وفاتها .
تهجم في غير قضية !
إن المنبرين يصبّون كل نعيهم علي الإسلام، وكأنه صار هو العدو الذي لابد من إزاحته لتحقيق مراد المتهجمين، وهم في تقديري لا يدركون أن هذا الحديث سراب لا طحن له، ومن المحال أن تزحزح هذه الكلمات أي مسلمةٍ مؤمنةٍ بدينها عن عقيدتها ألاَّ تتزوج بغير المسلم، فالطابع الديني للزواج مستقر في أخلاد النساء قبل الرجال، ومن المحال علي المؤمنة بدينها أن تخالف المستقر في الإسلام أربعة عشر قرنًا، وتجازف بعلاقة بينها وبين الزنا شعرة، فمهما قال المتقولون فإن المسلمة المؤمنة بدينها تعرف أنه لا يقر بل ويحرم زواجها بغير المسلم، وتعرف أن المخالفة تخرج بالعلاقة من إطار الشرع المباح، إلي إطار العلاقة الآثمة المحرمة، وأن الأمر لن يقتصر علي تضحيتها بإيمانها، وإنما سيمتد إلي ذريتها التي سوف تحرم من مشروعية النسب، وسوف تحمل اسم الأب الذي يدين بغير الإسلام، وتدين في الغالب الأغلب بما يدين به، فتخسر هي دينها ودنياها !!
ماذا أقول ؟!
دعهم يقولون !!!
فلا طحن ولا أثر لهذا اللغو
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف