الأهرام
د . أحمد عاطف
الثقافة والفنون فى «منتدى الشباب»
تبدأ اليوم فى مصر فعاليات «منتدى شباب العالم» الذى يعد أهم مؤتمر دولى ضخم تنظمه مصر منذ المؤتمر الدولى للسكان عام 1994. وتطرح جلسات المؤتمر العديد من الأفكار والموضوعات المهمة والحيوية فى عالم اليوم بحضور نخبة من الشخصيات المصرية والعالمية اللامعة. «اختلاف الحضارات والثقافات: صدام أم تكامل» هو على رأس القضايا التى يناقشها المؤتمر. ولهذا نقول للشباب: أحلم مارس فنا، انهل من التنوع الثقافى فى العالم. فكلما تعرفت وأحببت أعمالا فنية من ثقافات مختلفة، اندمجت فى المعادلة العصرية التى تجعلك أكثر إنسانية فى عالم اليوم وأكثر قدرة على إجابة أسئلة الحاضر والمستقبل. ولهذا نجد إحدى جلسات المؤتمر تتحاور هى الأخرى عن صناعة المستقبل. يبدو المستقبل بالفعل غائما كمتاهة مليئة بالطرق الملتوية والانحناءات التى قد لا تستطيع ضبط بوصلتك فيها أمام عشرات بل آلاف الاختيارات. ماذا ترتدى، كيف تتكلم، كيف تفكر، إلى أى أفكار تنحاز؟ نحن نعيش فى عالم ملىء بثورة هائلة فى المعلومات، فيصبح مهما لأى إنسان ان يكتشف الثقافات المتنوعة والمختلفة لكى يكون قناعاته ويطورها ويخضعها للبحث والتحليل.

إن العولمة التى نعيش فيها اليوم تصبغ فئات كبيرة من البشر بأشكال ثابتة أقرب للسجون: تنمطهم، وربما تجعلهم أكثر حدة واستقطابا. البشر الذين يمارسون الشتائم والتشويه لغيرهم على الفيس بوك وغيرها من وسائل التواصل، ربما يكون السبب الرئيسى فى ذلك إنهم يواجهون شاشة كمبيوتر او تليفون محمول. ربما لو كانوا أمام من ينتقدونهم وجها لوجه لكانوا أكثر رحمة وأكثر رقة فى مناقشة الاختلافات. نحن «نتشيئ» بسبب التكنولوجيا التى تجعل العديد منا كأنما يرتدون زيا موحدا ويتكلمون لغة متشابهة فى الافكار وربما تثبت فينا طموحات متقولبة. لقد فطر الخالق البشر على ضرورة سماع أصوات متعددة لكى يكتمل جهاز السمع بداخلك. وكذلك الوجدان يحتاج هو الاخر للاحتكاك والتحاور مع مختلف الثقافات والأفكار. إن الأمل فى نفس رحبة ومشرقة يبدأ بإتاحة الفرص أمام وسائل الإعلام الكبرى والمؤثرة لعرض فنون من مختلف الدول والثقافات. طبعا كل ثقافة أو حضارة تتأثر بثقافات أخرى احتكت بها كمثل تأثير الثقافتين المسيحية والإسلامية فى الحضارة المصرية المعاصرة. اللغة الإسبانية مثلا تحتوى بضعة آلاف من الكلمات ذات الأصل العربى بفضل الوجود الاندلسى فى إسبانيا لثمانية قرون وكذلك استمرار العديد من العادات والتقاليد بفعل تلك الفترة. الان العولمة وثورة الانترنت وقبلها السينما الامريكية كسرت الكثير من التميز الثقافى والتعددية مما أثر على هوية الشباب وأفقدهم الكثير من عوامل تمايزهم وخصوصيتهم. إن التعددية الثقافية ليست متلخصة فقط فى الحفاظ على المهن التراثية و فنون الفولكلور بكل بلد، لكن الحفاظ على اللغة المحلية والكثير من العادات التى يفيد الحفاظ عليها وتطويرها تعضيد الهوية الثقافية فى مختلف مناحى الحياة.

ان ممارسة الفنون وتلقيها سحرى بحق، لأنها أحد الروافد الاساسية التى طورت الانسان من البدائية حتى مختلف درجات التحضر. لقد اثبتت الفنون فعاليتها فى تكوين الانسان بشكل أسرع وأكثر وعيا. إن ممارسة اللعب الجماعى فى جو يحيطه الموسيقى يساعد الطفل على التعلم ويساعده على تثبيت القيم الانسانية الكبرى بداخله وإبعاد اى موجات سوء سلوك عنه قد تسببها تأثيرات خارجية من الاقران او وسائل الإعلام. ويستطيع الفن الواعى القائم على أساس مبادئ احترام حقوق الطفل ان يصلح مما قد تفسده احيانا التربية الخاطئة. لقد تم إدخال الفن فى برامج اصلاح طبى واجتماعى كثيرة واثبتت فعالياتها. لقد تحسنت صحة أطفال مصابين بالسرطان بعد ممارستهم الفن او بعد دخولهم فى اداء ممارسة عمل فنى مع فنانين. وكذلك تغيرت حالة مساجين أو أطفال شوارع لسلوك افضل عندما مارسوا الفن. ان الدعوة لكى يمارس كل الناس فن ما هى دعوة إنسانية اصيلة تحتاج إن تصب فى كل المشاريع الكبرى للثقافة. ويثبت التاريخ أن الانسان مارس الفن والرسم على الكهوف قبل الكثير من الأنشطة الإنسانية الأخري. وكذلك مارست كل الشعوب الفنون بأشكال جماعية مثل التعبير بالرقص او عزف الطبول او حتى التعبد من خلال الفن فى بعض الحضارات. تحتوى كل الثقافات كذلك على ملاحم وأساطير دائما ما يزيد فى خطوطها الدرامية البشر العاديون لتصبح دليلا على ابداعات جماعية غير مسبوقة تطورها الشعوب بنفسها مثل السيرة الهلالية فى المنطقة العربية وكذلك سلسلة الف ليلة وليلة. ولهذا نثمن فى المؤتمر المحور الذى يناقش : كيف تصلح الفنون ما تصلحه الصراعات والحروب؟ ان الكثير من البرامج التى تبناها الاتحاد الاوروبى مؤخرا فى مجال السمع بصريات وورش التدريب كانت تجمع بين الصرب والكروات، وكذلك بين الهوتو والتوتسى فى إفريقيا. وهو ما نحتاجه فى منطقتنا العربية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف