محمد الرميحى
الخليج وتحديات غير مسبوقة
على مر خمسين عاما أو يزيد قليلا افرزت مجتمعات الخليج نخبا جديدة، قد يتخطى النظر اليها العابر السريع، و قدر للكاتب ان يرى هذا التحول فى السنوات الاخيرة، من خلال حضور المنتديات والاختلاط بمخرجات التعليم، وقراءة طموحات الاجيال الجديدة من نساء ورجال. ففى الوقت الذى حصلت معظم المجتمعات العربية على تعليم أقدم من بدء تاريخ التعليم فى الخليج، الا ان كثيرا منها ابتليت بما يمكن ان يسمى تطهير النخب، أى عزل النخب المتعلمة قسريا، بسبب ما تم من انقلابات أو ثورات اطاحت بالنخب او عوقتها عن أداء دورها، بل وحتى اضطر بعضها الى الهجرة فى المنافي. النخب الخليجية، ان صح التعبير، بقيت فى أرضها، ربما بعض النشطاء منهم لم يحصلوا على مساحة كافية للتعامل مع مشكلات أوطانهم، ولكنهم بقوا فيها وأثروا فى المشهد الخلفى للتطور، أما الباقون فقد ساهموا فى التطور بجدية ، سواء كانوا من الرجال او النساء، لا أريد ان يفهم البعض ان التعليم فى الخليج بصفة عامة كان نوعيا ومتميزا، بل لقد أصاب بعضه ما اصاب المنظومة التعليمية العربية من هزال، الفرق ان بعض النخب الخليجية أصابت من التعليم الغربى أو قل من المجتمعات الصناعية بعضا من الجودة، كما كان لعدد أكبر منها دوافع شخصية للتجويد كونهم قادمين من مجتمع شحيح الموارد.
وفى وسط العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين أصبح هناك نحو خمس وسبعون جامعة فى دول الخليج الست، نصفهم على الاقل أو أكثر قليلا جامعات خاصة, حتى أصبحنا الان فى مرحلة النضج النسبي، فهناك من القيادات الشابة فى مجالات عديدة فى كل دول الخليج، قيادات من الجنسين على علم وثقافة و على معرفة بالعالم ومتطلبات الانطلاق الى العلمية وشروطها. لعل عددا من المؤشرات تظهر علنا منها (مع حفظ الألقاب) تسلم محمد بن سلمان فى المملكة العربية السعودية دفة الإدارة، ومشروعه التنموى الذى عرف بـ2030، ومنها مرة اخرى مع حفظ الألقاب (ما يفعله المحمدان، بن زايد وبن راشد) فى الامارات من قيادة التطور الذى فى بعضه يفاجئ الاقربين قبل الأبعدين .
أين تلقى السمع او البصر فى الخليج سوف تجد قيادات شابة فى سلم الادارة تحمل افكارا جديدة و نظما إدارية متطورة وتتطلع الى المستقبل.
ولكن وهنا لكن كبيرة، التحديات أيضا غير مسبوقة، ففى الخمسين سنة الماضية ارتفع دخل الفرد الخليجى تدريجيا حتى اصبح على ما هو عليه اليوم، ربما فى بعضه يفوق دخل المتوسط للفرد فى البلاد الاكثر تقدما فى الصناعة، كما تعود النسيج الاجتماعى على ما يمكن أن يعرف ب (ثقافة الدولة الريعية) فى الحصول على الكثير من الخدمات، اما مجانية او شبه مجانية، على رأسها الاسكان والرعاية الصحية والتعليم، فظهر ان هناك تراكما من ثقافة الاعتماد قد آن وان مراجعتها، وهى ثقافة تدعو المستجدات فى الخليج الى إعادة النظر فيها وبسرعة، لان هناك تطورا مهما حصل، وهو بقاء أسعار النفط (التى تعتمد عليها دول الخليح) بقائها فى خط مستقيم ولا يتوقع ان تعود الاسعار الى ما كانت عليه، كما دخلت اقتصاديات الخليج فى مرحلة شبه الركود، تلك حقيقة لا يمكن ان يخطئها من يتابع اسعار الطاقة فى العالم، والتطور الحاصل فى الطاقة البديلة، كما لا يمكن ان تخطئها عين متابع سياسات (الترشيد) القائمة فى دول الخليج، الامر ذاك يحتاج الى قرارات قد تكون مؤلمة للبعض، وقد تسبب ضيقا فى مجالات مختلفة، اليوم أسعار العقار فى الخليج غيرها فى الاعوام الماضية، هى فى تراجع، واسعار الخدمات أيضا فى تصاعد، وثقافة الاعتماد على اليد العاملة من الخارج تدفع بسياسات اقتصادية تتوجب إعادة النظر فيها، ولكن الظاهرة الاعم ان هناك اعتمادا على اليد العاملة من الخارج بشكل كبير، خاصة فى النشاطات الاقتصادية، وهى عمالة القليل منها عالى التدريب والكثير منها قليل او منعدم المهارات، الاستغناء الذى يتم الان عن بعض نسب العمالة يذهب الى العمالة المدربة، لان سياسة الاستغناء لم تدرس وأصبحت تهدف بشكل غير مباشر المجموعات الاكثر حاجة لهم فى دول الخليج (المعلمين، الاطباء، المهندسين) حيث رفعت عليه نسبة الرسوم المباشرة وغير المباشرة، من خلال مشاركة لهم اكبر فى تكاليف الخدمات المقدمة، تلك السياسة أرسلت شعورا بالقلق بين الفئة المنتجة وقد تضر على المدى المتوسط بالاقتصاد.
الامر الاخر ان التوجه الى قيام صناعات حديثة يحتاج الى مساحة ارض، تفتقدها بعض دول الخليج صغيرة المساحة، كما تحتاج الى مياه تتصاعد تكاليفها وشحتها، فحتى افتراض وجود رأس مال بشرى محلى مدرب، وهو افتراض تنتابه الشكوك، فان بقية العناصر التى تجعل الاقتصاد حيويا ومنتجا، تحتاج عاملين الاول توفير القاعدة الاساس من مياه و اراض، والثانى تحتاج الى انفتاح لسوق واحدة بين دول الخليج الست، الذى قد يحقق لها قدرة معقولة على المنافسة، فالسوق المحلى لكل دولة وان كبر، فهو صغير نسبيا، بمقارنته مع دول التنافس الرئيسة، وربما السوق الموحد يحقق شيئ من السبق لتنافس حقيقى مع الدول الاقليمية المجاورة. التحديات التى تواجهها دول الخليج بقياداته الشابة، غير مسبوقة، الى تحد أساسه هو العبور من النموذج النفطى الى النموذج الانتاجى، هو عبور يتطلب التخطيط السليم (على مستوى الاقليم) والجهد الذى يبذل، خاصة فى تغير المفاهيم الاجتماعية المعطلة والراكدة، وثالثا الوقت، الذى تضيق مساحته، الا ان التحدى الأكبر هو تغيير ثقافة فى الغالب بالغة التشوه بعضها ذو بعد واحد وخرافى يحتاج الى إعادة تشكيلها شجاعة.