مدبولي عثمان
دائرة الوعي - التدين الشكلي .. وآفة الفهلوة !!
"تميز المصري بكونه ذكيا. متدينا. طيبا. فنانا. ساخرا. عاشقا للاستقرار" تلك صفات المصري الأصيلة التي سجلتها الباحثة عزه عزت في كتابها "التحولات في الشخصية المصرية" وتوسع علامة علم الاجتماع عبد الرحمن بن خلدون في مقدمته في تعديد هذه الصفات . فقال إن المصري يتميز بروح الفكاهة والنكتة والسخرية. الميل إلي الحزن. الانبساطية التي لا تميل إلي الفردية. البساطة والتعاون وحب الأسرة والأسلاف. التدين والنزعة الروحية والنزوع الديني. الغيبيات. التواكلية أو الاتكالية. الرضا .القناعة. الطاعة .الدِّعة والوداعة. الصبر. السلبية.
لا يختلف أحد علي أن هذه الصفات ترتبط بالشخصية المصرية ولكن بدرجات متفاوتة باختلاف العصور الزمنية . وخلال العقود الماضية تعرضت الكثير من تلك الصفات لتغييرات كبيرة من الصعب رصدها في تلك المساحة الضيقة ومن ثم سنركز علي التحولات التي طرأت علي صفتين اصيلتين ونشاهدها علي مدار الساعة في سلوكياتنا اليومية وهما التدين والذكاء.
فالتدين سمة مصرية أصيلة وقديمة قدم الأديان. بل سابقة للأديان. ويقول الباحث أحمد ابراهيم في مجلة "مصر المدنية" ان مصر بلد أول كتاب ديني كتبه الإنسان ..وهذا هو التدين المصري فعلي الرغم أنها غيرت شكل دينها عدة مرات لكن جوهر الدين في قلبها واحد عبر الاخناتونية والمسيحية والإسلام وهو توحيد يتمثل في توحيد الله ووحده الوجود.
وفي ايامنا هذه تحول التدين لدي الغالبية الي مجرد مظهر ليس له صلة بالسلوكيات والاخلاقيات وهي جوهر التدين الحقيقي . فالاقلية فقط تتذكر الحديث النبوي الشريف : من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له .فنجد بين من يصلون في الصفوف الاولي الغشاشون وآكلي حقوق الاخرين والنمامين.. الخ والمدهش أن النميمة يشتغل بها البعض بمجرد التسليم من الصلاة بالسخرية من الأمام أو من المجاورين لهم في صف الصلاة . فأصبح الدين لدي الغالبية مجرد طقوس لإرضاء الذات يتجلي ذلك بوضوح في الملايين الذين يتوجهون الي مكة المكرمة في مواسم العمرة سنويا وينفق أحدهم عشرات الالاف من الجنيهات خلال أيام بينما جيرانه وأقاربه في حالة عوز شديد ولو كان التدين حقيقي لكان سداد حاجة الجار وأولي القربي أولي وأكثر صوابا بل وأجدي في بناء المجتمع الاسلامي المتكامل والصلب. والأكثر غرابة وانتشارا. في نفس الوقت انفصال أقوال المتدينين عن أفعالهم حتي بين بعض الأئمة والعلماء مما أفقد الثقة لدي أغلبية البسطاء أما الاشد خطورة في مسألة التدين فيتمثل في استغلال الدين لتبرير حالات الظلم بزعم الصبر علي البلاء والرضا بالقضاء والقدر.
أما الذكاء الفطري المعروف لدي المصريين فقد تحول في أوقاتنا هذه لدي البعض إلي فهلوة. ورغم ان مصطلح الفهلوة ليس علمياً ولكن عرف بعض الخبراء الفهلوة بأنها الوسيلة المثالية لبناء جسر وهمي يتجاوز به المصري المسافة الفاصلة بين واقعه وأحلامه . أو بين قدراته وطموحاته . أما التعريف الاكثر دقة وأميل إلي تأييده حدده الدكتور حامد عمار عميد التربويين المصريين بقوله : "يعتمد الشخص الفهلوي علي إحداث أكبر قدر من الضجيج والتشويش وجذب الانتباه بتضخيم الذات لتفادي مواجهة الواقع بمشاكله المعقدة وخيوطه المتشابكة التي يتطلب حل عقدها الاجتهاد والجهد والفعل". وضرب علي ذلك مثلا بالشخص الذي يزعم أن لديه قدرات خاصة تمكنه من لف الفيل في منديل.. بينما هو لا يعرف من أين سيأتي بالفيل وليس في جيبه منديل وأجزم أن الإنجازات الحضارية التي تحققت في مصر قديما وحديثا ترتبط ارتباطا وثيقا بالتدين الحقيقي المخلص وبالعمل والانتاج .. فمتي تنتهي آفة الفهلوة والتدين الشكلي؟!