محمد جبريل
من المحرر أجناس أدبية.. بلا حواجز
ليس المقصود بتحديد الجنس الادبي أن نقيم الحواجز. ونفصل تماماً بين الاجناس الادبية.
إن بين ساء الفنون نوعاً من التكامل في التعبير عن الذات الانسانية كانت وحدة الفنون قائمة في العصور اليونانية الاولي. ثم بدأت تلك الوحدة تذوي وتتلاشي بالتدريج نتيجة للنمو المتزايد الذي فرضه التباين الاقتصادي والاجتماعية في المجتمعات بعد العصور الأولي. وهو ما أدي إلي ظهور التخصص في الأنشطة الاقتصادية والانتاجية والاجتماعية فلما صار تقسيم العمل أمراً جوهرياً بالنسبة لانتاج السلع كان لذلك تأثيره المباشر في تحويل الادب إلي وظيفة وعمل متخصص تقوم به جماعة خاصة. منفصلة عن بقية الجماعات الاخري.
الصورة المتغيرة الان في الروافد التي تأتي من النبع الواحد وتتجه إلي المصب الواحد روافد متشابكة تشمل الشعر والرواية والموسيقا والتشكيل والمسرح والسينما والتاريخ والموروث الشعبي وعلم الاجتماع وعلم النفس وكما يقول الشاعر الانجليزي صمويل بيكر فإن فنون الموسيقا والتصوير والكتابة هي شيء واحد.
ان محصلة كل فن تأتي بتفاعله مع فنون أخري تفاعل بين الوسائط والادوات والاساليب الذاتية وإن كان من المهم ان نشير إلي ان عناصر علم النفس والتاريخ والاجتماع الي غير ذلك والتي يحتويها العمل في أحيان كثيرة لاتهمنا في حد ذاتها لكن ما يهمنا- والكلام لالكسندر سكافتيموف- هو الدفعة التي تحققها داخل وحدة الكل.
وحدة الفنون تعني كسر التخوم بين السرد الروائي وفنون الشعر والمسرح والسينما والموسيقا والفن التشكيلي وغيرها. بالاضافة إلي علوم مثل علم التاريخ وعلم الاجتماع وعلم النفس إلخ.
اسقاط الحواجز المفتعلة بين الفنون المختلفة- والعلوم المختلفة أيضاً- خطوة مهمة لتطوير فنوننا بعامة. سواء أكانت فنوناً سمعية أو بصرية. وكما يقول شاعر أفريقيا العظيم ليوبولد سنجور فلا يمكن تصور الموسيقا بدون حركة أو بدون رقص. وهذا ما نستطيع تسميته بالموسيقا التشكيلية.
كما ان الرقص لايمكن ان يعيش بدون رسم أو نحت. والحقيقة ان الرقص- علي الاقل في فترة الحماس الديني في العصور الغابرة- كان يعتبر دراما غيبية أو تمثيلية عن المعجزات ومهمة الراقص هي تجسيد الاسلاف أو الارواح الطوطمية وبعثها حية من خلال الزي الذي يرتديه. والاقنعة والشعر والموسيقا والرقص وإلي حين لم يعد الرسم مقدساً فقد احتفظ بالكثير من اصوله لاحظ كلمات: الموسيقا التشكيل الرسم النحت الدراما الشعر وبوسعنا ان نضيف إليها الرواية والسينما ليكتمل معني وحدة الفنون نحن نتحدث عن اللون في الموسيقا والايقاع في الرسم والنغمة في الشعر إلخ. ذلك لانه ليست هناك- كما يقول ميخائيل كيسيلوف- حدود فاصلة بين الفنون فالموسيقا توحد الشعر والرسم ولها معمارها. ويمكن للرسم أيضاً ان يكون له النوع نفسه من المعمار كالموسيقا ويعبر عن الاصوات بواسطة الالوان. لابد ان تكون الكلمات في الشعر موسيقا ويجب ان يولد ارتباط الكلمات والافكار صوراً جديدة ويذهب جبران إلي ان الموسيقا كالشعر والتصوير تمثل حالات الانسان المختلفة وترسم أشباح أطوار القلب وتوضح أخيلة النفس وتصوغ ما يجول في الخاطر "المؤلفات الكاملة لجبران"
تعددت الاحكام في تاريخ الفن قيل ان عصر الشعر انتهي وعصر المسرح انتهي وعصر الرواية انتهي وعصر القصة القصيرة انتهي.. لكن كل الاجناس بقيت وتداخلت.
ولعل أهم عوامل المفارقة بين الاجناس الادبية المختلفة ان كل جنس لابد ان يقيم عالمه الخاص به قد يفيد من جنس أو آخر لكنه يقدم في النهاية جنسه الخاص صورته المتميزة.