الوطن
رشا الشامى
الغُريبة ناعمة.. لكن الغالبية يفضلون الكحك
يحكى (جوزيف.ناى) فى كتابه «القوة الناعمة: وسيلة النجاح فى السياسة الدولية» الصادر عام 2004 أنه خلال مؤتمر صحفى شارك فى رعايته الجيش الأمريكى عام ٢٠٠٣ سأل أحد الحضور وزير الدفاع الأمريكى وقتها دونالد رامسفيلد عن رأيه فى القوة الناعمة، فأجاب: أنا لا أعرف ماذا تعنى.

ربما يقودنا ذلك إلى أنه ربما كان جزء من مشكلاتنا أن بعض قادتنا لا يفهمون الأهمية البالغة للقوة الناعمة، وكيف يستخدمونها.

تذكرت الكتاب بسبب ما أحدثته الوفود المرافقة لرئيس الجمهورية أثناء رحلته إلى ألمانيا والتى تعالى ضجيجها ربما على الزيارة ذاتها وهنا رأيت أن نتوقف إلى التالى:

- القوة الناعمة ليست أقل أهمية من القوة الصلبة، فقد تغيرت وحدة قياس الانتصارات من عدد الأعداء الواجب القضاء عليهم إلى عدد الحلفاء الواجب استقطابهم وكسبهم، وأنا هنا أتحدث حتى عن الداخل، ليت جميعنا يدرك.

- انشغال الكثير وتعليقهم على مدى جاهزية ولياقة الوفود المصاحبة للرئيس فى رحلته الأخيرة إلى ألمانيا وربما انصرافهم عن متابعة نتائج الزيارة نفسها لا ينتقص من شأنهم بقدر ما يؤكد النقطة السابقة عن مدى فعالية القوة الناعمة.

- الدولة ومؤسسة الرئاسة هى المسئول الأول عن اختيار الوفود المرافقة للرئيس وترتيب برنامجهم وأماكن وجودهم وكيفية ظهورهم وإن لم تكن هى من تحملت النفقات، فهى بطبيعة الحال تتحمل النتائج.

- التجربة هى أعظم سبل التعلم والتعثر هو أكثر الطرق تمهيداً للخطوات الثابتة المتزنة، وأولى عتبات التعلم إدراك أن ما حدث كان خطأ سنتداركه.

القوة الناعمة - التعريف

هى السلاح الذى يحقق الأهداف بالاستمالة والترغيب والجاذبية بديلاً عن الإلزام والإرغام أو بذل الأموال

مثال: كانت ستعتبر ألمانيا أن وجود مصريين ممن تعلموا وتخرجوا فى جامعات ومدارس ألمانية فى مواضع قريبة من الرئيس أو مصاحبين له فى الزيارة أمراً بالغ الأثر، لأن ألمانيا الدولة ستكون لديها كل الثقة أن هؤلاء يحترمون القيم والمؤسسات الألمانية، وبالتبعية سيكون تأثيرهم عظيماً، وربما غير ذلك مسارات مهمة، هذه قوة ناعمة.

مثال آخر: أن يأتى فى صدر الوفود المحسوبة على القوة الناعمة ممثلات وممثلون لا يكفى اسم أحدهم منفرداً لبيع مسلسل واحد أو تصدر «أفيش» فيلم أو مذيع أو صحفى سُموا أو سميناهم إعلاميين فاقدين للمصداقية بشكل واسع لدى غالبية الشارع المصرى أو محدودى الموهبة غير قادرين على التأثير والتوجيه، سيأتى ذلك بنتيجة عكسية، أقلها انصراف الجماهير عن متابعة الزيارة.

فكر فى شخص قادر على إثارة إعجاب الآخرين -إغرائهم- سيتبعونه ثم يعتنقون فكره واتجاهه دون حتى أن يدركوا ذلك ويسعوا لتقليده، هذا الشخص هو قادر على الإغراء دون مشقة ودون إنفاق أو اضطرار للإرغام الذى سيكلف الدولة الكثير بفعالية أقل.

إذا كان الخطر الأعظم اليوم هو الإرهاب، فلنتوقف عند عدد المواطنين الذين يعتقدون أن الإرهابى شخص لم يكمل تعليمه تشبه حياته مطاريد الجبل يقضى وقته ملثماً حتى أثناء نومه، رغم ذلك برع الإرهابى فى استخدام التكنولوجيا الحديثة فى توسيع دوائر اتصاله لاستمالة عدد أكبر من الشباب أو فى أقل تقدير تحيدهم لعدم إدانة أفعاله الخسيسة واستطاع عبر ذلك ترويج أفكاره، محققاً انتصارات تفوق ما حققها حملة السلاح.

أعود لمؤلف الكتاب الذى كان مساعداً لوزير الدفاع نقله عن رامسفيلد أنه قال الضعف يحرض عليك الآخرين -وهذا حق- ويكمل المؤلف أنه لا يمكن لأحد أن ينكر أهمية احتفاظنا بقوتنا العسكرية، لكن القوة ترتدى أزياء أخرى، فالقوة الناعمة ليست ضعفاً إنما يجب أن تأتى من مواردها الصحيحة لتدمج ضمن الاستراتيجيات.

ربما أحدهم يقول لماذا لا تحظى «الغُريبة» بذات الإقبال الذى يحظى به الكحك فى العيد رغم أن «الغُريبة» أنعم؟
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف