محمد صابرين
مصر وسياسة «الهجوم المتقدم» فى الساحة الأمريكية
أخيرا فعلتها القاهرة وبدأت سياسة «الهجوم المتقدم» فى الساحة الأمريكية، وتعلنها صراحة وعلى لسان رئيس مجلس النواب المصرى الدكتور على عبدالعال أن «تخفيض المساعدات» يتناقض مع العلاقة الاستراتيجية. والمهم هنا أن عبدالعال يعلن ذلك فى قلب العاصمة الأمريكية، وأن يبدى بوضوح تبرم مصر من محصلة العلاقة الممتدة ما بين القاهرة وواشنطن، وهنا لابد أن نسجل عدة نقاط مهمة تبلور الموقف المصرى الذى اختارت القاهرة أن ترفع صوتها بشأنه ـ: أولا: قرار تخفيض المساعدات الأمريكية لمصر يتناقض مع متطلبات العلاقة الاستراتيجية بين البلدين. ثانيا: يعطى انطباعا بعدم استقرار العلاقات المشتركة. ثالثا: ضرورة عدم ربط المساعدات العسكرية بشروط سياسية. رابعا: الربط بين المساعدات والشروط السياسية سيؤثر بشكل سلبى على جهود مصر الفعالة فى مكافحة الإرهاب. خامسا: الإضرار بالعلاقات الاستراتيجية بين البلدين (هذا أوضح تحذير لواشنطن). سادسا: مصر ترى أهمية تعزيز التعاون العسكرى والأمنى بين القاهرة وواشنطن للحفاظ على أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط. سابعا: لا يمكن فصل السياسة عن الاقتصاد فى التاريخ الطويل لعلاقات البلدين. ثامنا: مصر تتطلع إلى أن تلقى جهودها اهتماما قويا من جانب مختلف دوائر صنع القرار فى الولايات المتحدة بما يخدم متطلبات العلاقات الاستراتيجية بين البلدين. تاسعا: مصر بحاجة إلى مزيد من الاستثمارات المباشرة من الشركات الأجنبية وخاصة الأمريكية، فضلا عن «اتفاقية التجارة الحرة مع واشنطن» عاشرا: مصر قدمت وتقدم الكثير لتحقيق المصالح المشتركة فى المنطقة وأبرزها: مكافحة الفكر المتطرف، ومحاربة التنظيمات الإرهابية، والتدخل الفعال فى ملفات المصالحة الفلسطينية وعملية السلام، هذه رؤية مصر التى قدمتها خلال مباحثات الدكتور على عبدالعال، رئيس مجلس النواب المصرى والوفد المرافق له إلى العاصمة الأمريكية، ويبدو هنا أن القاهرة قررت أخيرا أن تتبنى سياسة «الهجوم المتقدم»، وأن تعمل ذلك ليس فقط فى مواجهة الإدارة الأمريكية، بل فى مواجهة الكونجرس. وأحسب أن «الهجوم المصرى» من قبل رئيس ونواب البرلمان المصرى هو أفضل وسيلة لتأكيد على 3 أشياء: أولها أن مصر تريد مقابلا أفضل لعلاقتها مع واشنطن، ثانيا: أن القاهرة لديها مطالب محددة. ثالثا: أن مصر الجديدة ترغب بل تضع فى قائمة أولوياتها «الجوانب الاقتصادية» فى علاقتها الاستراتيجية، وبوضوح لقد كانت السياسة مرتبطة بالاقتصاد فى علاقات واشنطن والقاهرة، ولا يمكن الآن فصلهما أو غض الطرف عن «التزامات واشنطن تجاه القاهرة»وبالتحليل المنطقى لا يمكن لواشنطن أن تنعم «بعوائد العلاقة مع مصر» دون أن تسدد ما عليها من التزامات. وأخيرا ولأول مرة ـ فيما أظن ـ يتم الحديث عن أن «سياسات واشنطن» الأخيرة يمكن أن تلحق الضرر بالعلاقات الاستراتيجية ما بين البلدين. ترى لماذا يحدث ذلك، ولم الآن؟!
وأحسب أن التوقيت مناسب للغاية لأن تبدأ القاهرة سياسة «الهجوم المتقدم» وأن ترفع صوتها خاصة أن القاهرة تخوض حربا ضد الإرهاب، وتدفع ثمنا غاليا من دماء شبابها، وتقدم الغالى والنفيس. وهنا لابد أن يساند المجتمع الدولى كله ـ وفى مقدمته الولايات المتحدة ـ مصر، والأمر الآخر أن الساحة الأمريكية لم تعد بعيدة عن ضربات الإرهاب. وفضلا عن ذلك فقد بات واضحا الآن كيف استخدمت إيران تنظيم القاعدة، وزعيمه أسامة بن لادن، وكيف تكشف الوثائق التى أعلن عنها أخيرا ـ وتربط جماعة الإخوان مع زعيم القاعدة، وهنا فإن أى سياسة أمريكية قد تفكر جديا فى عملية احتواء جدية لطهران لا يمكنها تجاهل مصر، وأحسب أن القاهرة هى الوحيدة التى حافظت على «سياسة واضحة» تجاه إيران منذ عام 1979، ولم تتراجع مصر عن «مطالبها المحددة» تجاه طهران لإعادة العلاقات معها، أو المساعدة فى إعادة دمجها فى الساحة الإقليمية والدولية، ولقد ثبت صواب الرؤية المصرية، ولن تتمكن واشنطن من الوصول إلى «وضع طبيعى» دون الأخذ بعين الاعتبار بالمصالح والمخاوف العربية، وبقدرات تحالف مصر والسعودية والإمارات والبحرين فى التصدى لأى تهديدات سواء من جانب إيران أو تركيا أو قطر.
النقطة الثانية الجديرة بالاعتبار تتعلق بتقرير «المجلس الأوروبى للشئون الخارجية»، فقد حذر المجلس فى تقريره الذى حمل عنوان «الصدام القادم: لماذا تعد إيران إلى شق أوروبا عن الولايات المتحدة» من أن المسار الحالى لسياسة ترامب يزيد من خطر حدوث سباق تسلح نووى، وزيادة فى التصعيد العسكرى فى الملعب الخلفى لأوروبا. ويذهب المجلس الأوروبى إلى أن من شأن المواجهة المباشرة أو غير المباشرة بين القوات الأمريكية والإيرانية أو المدعومة من إيران فى الشرق الأوسط أن تزيد من تأجج الصراعات الإقليمية . وهنا فإن الدور المصرى مهم للغاية، وذلك نظرا لأن القاهرة أعلنتها بوضوح أن «لا حلول عسكرية» ولابد من الحفاظ على وحدة وسلامة أراضى الدولة الوطنية العربية. وبالنظر إلى أن مصر لم تتورط، وتحظى باحترام وتقدير جميع الفرقاء، فإنها يمكنها أن تقوم بدور أكبر فى عملية البحث عن تسويات سلمية سواء فى سوريا أو العراق أو ليبيا وحتى إذا ما اختارات القوى الدولية الفاعلة الوصول إلى «تسوية شاملة» على جميع الأصعدة.
والنقطة الثالثة تتعلق بضرورة الوصول إلى سياسة واضحة فى التعامل مع دولة بحجم مصر، فليس من المقبول الشعور أو حتى التلويح بإعطاء القاهرة دروسا فى كيفية إدارة شئونها الداخلية، ولعل من النقاط الإيجابية التى يجب إبرازها هى ما ذهب إليه السيناتور أورين هاتش الرئيس المناوب لمجلس الشيوخ الأمريكى من أن «هناك بعض الاختلافات فى وجهات النظر المشتركة، ولكن يمكن حلها من خلال الحوار». ولقد أشاد هاتش والسيناتور تيد كروز. الذى قدم تشريعا يصنف الإخوان كمنظمة إرهابية ـ بجهود مصر فى مكافحة الإرهاب فى المنطقة. إلا أن القاهرة تأمل فى تحويل الكلمات الطيبة ومناسبات التقاط الصور التذكارية المعنوية إلى دعم مادى ملموس، وإلى تدفق«الاستثمارات الضخمة والكبيرة فى شرايين الاقتصاد المصرى» رابعا: ولعل أقوى أوراق مصر تتعلق بإشادات المؤسسات الدولية، وفى مقدمتها صندوق النقد الدولى بالإصلاحات الاقتصادية المؤلمة التى أقدمت عليها مصر. كما أن تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)يقول إن تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر لمصر عززت موقف إفريقيا. فقد ارتفعت هذه الاستثمارات إلى 8،1 مليار دولار خلال عام 2016، بزيادة 17%، وتأمل مصر فى تحقيق10 مليارات دولار بنهاية العام الحالى، وأن تجتذب ما بين 13 ـ 15 مليار دولار خلال العام المالى المقبل 2018، وأحسب أن مصر تستحق ما هو أكثر خاصة أن العالم كله يدرك أن رؤية مصر الشاملة لمكافحة الإرهاب هى الأكفأ، وآخر من اتفق مستشار رئيس الوزراء اليابانى كينتارو سونورا الذى قال إن تطوير التعليم ومكافحة الفقر أفضل الطرق لمحاربة الإرهاب.
ويبقى أن المفكرين الاستراتيجيين الصينيين لطالما قالوا إن «الحكمة تقتضى أن تظهر أقل قوة مما أنت عليه، وتفاجئ خصمك، إلا أن مصر هى التى تفاجئ الجميع بعمق قوتها وقدرتها على أن تفاجئ الجميع: الأصدقاء والخصوم بل وحتى نفسها. ولذا على الصديق الأمريكى أن يتنبه؟!