خيرية البشلاوى
الزواحف العربية في "صناديق" التمويل الغربية
كثير من العرب والمصريين الباحثين عن مساحة للتواجد وسط المجتمعات الغربية مستعدون لعمل أي شيء لتحقيق هذا الحلم بعيد المنال.
فالأمر ليس سهلاً بكل تأكيد ويزداد صعوبة جداً لو ارتبط الحلم بالعمل في "الميديا" أو أي من وسائل التواصل الجماهيرية.
وقد يصبح أقرب إلي المستحيل إذا كانت "السينما" ضمن الأمل المنشود. حيث التمويل مشروط بفروض تعني الانصياع التام والتسليم المطلق "للصناديق" الممولة لمشاريع الأفلام.
الرحلة صعبة وشاقة وتستحق التضحية ولو أننا درسنا الحالات التي فتحت لها الأبواب سنجد المواصفات الآتية عند أغلبهم أعني أغلب الذين اشتغلوا في مجال السينما.
الاستعداد الكامل للأنسلاخ عن الجذور والثقافة الأصلية والمجتمع الذي جاء منه ويفترض أنه ينتمي إليه. مع توجيه كل "إنتمائه" إلي توجهات جهات التمويل وأغراضها سياسياً وثقافياً حتي لو كان ذلك يعني التشويه والحط من الثقافة والمجتمع ورموزهما.
ولا يحدث ذلك قصراً بطبيعة الحال. ذلك لأن السمات الشخصية "للمهاجر" الطامح إلي التماثل مع المجتمعات التي يتطلع للوصول إليها وربط مستقبله وحياته العملية بالحياة فيها ووسطها وبشروطها وعاداتها متجاوزاً نظرتها العنصرية. هم في العادة أناس علي استعداد لدفع فواتير الغربة. ومن نجحوا وصعدوا وحققوا الحلم المنشود ليسوا استثناء بالتأكيد. فالمهاجر بطبيعته ليس منتمياً و"ثائراً" علي الأوضاع في بلاده ومشحون بمشاعر الإحباط ويحمل شعار "يا روح ما بعدك روح" وبالذات الفئة المثقفة والطموحة.
وبعض من حققوا الحلم وبلغوا قدراً من الشهرة في مجال السينما خصوصاً. اتجهوا إلي الدول الغربية وهم يحملون رصيداً من الشهرة في بلادهم ويصلحون لأدوار "الآخر" النقيض أو الآخر "الشرير" أو "الهمجي". أو الفاسد أو الرافض للأحوال في بلده الأم وفي كل الحالات العاشق المبهور والمنسحق أمام ما تمثله الثقافة الغربية "الليبرالية" ولا مانع لديه من توجيه وتصدير الصور التي تكرس توجهات هذه "الصناديق" التي تمولها الدول الغربية تحت شعارات براقة وبعيدة جداً عن الكلام النظري المكتوب.
علي سبيل المثال ما الذي يدفع أربع دول غربية "السويد والدنمارك وفرنسا وألمانيا" إلي تمويل فيلم لمخرج مصري مهاجر ويقيم في السويد يعيد إنتاج جريمة قديمة راحت ضحيتها امرأة ساقطة ورجل أعمال شهواني فاسد حوكم وعوقب وانتهي أمره وقد تشبعت الصحافة والميديا المرئية من كثرة تداولها؟!
وما الذي يدفع المخرج وعناصر أخري من هذه البلدان المشتركة في تمويل الفيلم إلي العودة لنفس الجريمة بهدف تحويرها وإعادة صياغتها لتصب في التيار المعادي لمصر داعماً حملات الدعاية الغربية التي تنال من صورتها وصوره جهازها الأمني وتصوير المجتمع الذي يعاني حالياً من حرب ضروس ضد الإرهاب الدولي. باعتباره مجتمعاً فاسداً وخانقاً وغارقاً في العنف والفساد؟! وما هو الفرق بين تجارب سينمائية غربية بهذا التوجه وبين "قناة الجزيرة" مثلاً؟!
الفيلم بمحتواه وتوجهه هذا تم عرضه في المهرجانات الغربية. ينال من الجوائز ما يحقق لمخرجه "مساحة" التواجد المنشودة ويسعي بفيلمه هذا أو كان يسعي للدخول من أبواب "المهرجانات" إلي العرض علي الجمهور المصري لعله يحرك التيار المحلي المعادي الرافع لرايات "الليبرالية" و"حرية التعبير" و"الديمقراطية"... إلخ هذا اللغو المغرض والفارغ عديم القيمة. لأن الشجاعة والحرية ان تنتقد المجتمعات التي تمولك أو المجتمع الذي تعيش فيه ولا تفعل مثل ما تفعل "الجزيرة" التي لا تجرؤ أن تقترب من السياسات القطرية ولا من أساليب العبودية والفاشية التي تمارس فوق أرض قطر علي الغرباء.
إن توقيت إنتاج الفيلم وعرضه يثير الريبة بالتأكيد فما معني تشويه وإدانة جهاز أمني وطني يسقط من أفراده عشرات المئات في حربه ضد الإرهاب؟!
وما معني أن ندين مجتمعاً وأجهزته بالفساد بينما يخوض تجربة قاسية في ملاحقة فساد استشري طوال عشرات السنين وفي وجود فاشية دينية متأصلة ومدعومة من هذا الغرب "الليبرالي" ذاته.
إن الفيلم من وجهة نظري المتواضعة يمثل جزءاً ولو تافه وضئيل من الحرب الدعائية ضد مصر. وعملية اختياره أو عدم رفضه من الأول ضمن أفلام "البانوراما الأوروبية" يعني وجود آخرين من "الخوارج" المناهضين لمسيرة المجتمع وكفاحه للخروج من قبضة القوي المناوئة لمسيرته.
علي أي حال رسالة الفيلم أو مجموعة الرسائل التي يتضمنها موجهه إلي الخارج وجماهير بعيدة. أما الداخل فقد أصبح محصناً ضد هذه الإساءات. ورفض الفيلم من قبل الرقابة هنا مجرد تعبير عن رفضنا للإساءة وعدم القبول بتحويل دور العرض إلي "مسرح" لعرض التجارب المغرضة والمسيئة للمجتمع المصري عن عمد وكان الأولي أن يتم رفض الفيلم بإرادة الجهة المنظمة للبانوراما.. بدلاً من التصريح في مؤتمر صحفي أن "رفضه لأسباب خارجة عن إرادتنا"!!