هل اقتربت الحروب الضروس فى سوريا الحبيبة من النهاية؟ وكيف ستنتهي، وقد أصبحت المعادلات التى تحكمها مستعصية على الحل؟ السوريون يصرخون، أن يستيقظ الوعى العربى الغائب، ويصحو الضمير الإنسانى الذى سكت على هذه المجزرة البشرية الأفظع سبع سنوات كاملة، تحولت إلى جريمة متكاملة، لا يشترك فيها السوريون البسطاء، ولكنهم وقودها وضحاياها. فالعالم كله يقاتل هناك! الجيوش الرسمية (الأمريكية - الروسية - الأوروبية)، والميليشيات الدينية المتأسلمة من كل فج عميق، وكل دعاة الإرهاب (إيران وتركيا وقطر)، والدول الكبرى تتقاسم سوريا بحثا عن النفوذ والمواقع الإستراتيجية لما بعد السقوط!
ما يجب أن نعرفه أن المعركة الفاصلة بين من يقفون مع الاستقرار والسلم، وبين من يواجهون التكفيريين، يجب ألا تكون على جثة سوريا بعد أن دمرت السوريين! وأن الصراعات العربية/ العربية، والصراعات الإقليمية والدولية للإمساك بمصير المنطقة يجب ألا يغيب عنها البعد الإنساني. فالسوريون دفعوا ثمنا أكثر مما يحتملون، لأن موقع وطنهم كان معركة فاصلة مع التيارات التكفيرية، وإذا غابت الحلول، واستفحل الشر، فلا يمنعنا ذلك من أن نبكى ونحزن على الراحلين والمصابين والمشردين وعلى المدن المهدمة والتاريخ المهدر.
لا شك أن هزيمة داعش فى سوريا بعد هزيمته فى العراق، كان سقوطاً مباشرا للتيار الأكثر تشدداً وإرهاباً فى تاريخ المنطقة، وكان ذلك مفرحاً للعرب وللسوريين، ولكن سياسة الأرض المحروقة التى تركتها التيارات الإسلامية المتعاونة مع داعش حولت مدينة الرقة وعمرها آلاف السنين إلى مدينة أشباح! وكانت ثلاث سنوات، تحت حكمهم ودولتهم المزعومة، قادرة على تغيير ملامح المدينة، وتدمير بنيتها التحتية، وتشريد أهلها، لتتحول من أراض خصبة وغنية بالآثار، وتنتمى إلى حضارات شتي، إلى خلاء مهجور خرب، يبعث فى النفس الإنسانية الجزع والخوف والأسى على مستقبل سوريا والعرب. فلم تكن الرقة، عاصمة الخلافة، وسلة غذاء أهل الشام، أول وآخر المدن المهدمة، فقبلها كانت حلب الشهباء، وجاءت مشاهد النازحين لتعكس حال سوريا العزيزة. فهل مسحت عودة الرقة دموع السوريين التى نزفت دما طوال سبع سنوات من العنف والقتل، فى أكبر مجزرة أو جريمة جرت فصولها على أرض العرب، راح ضحيتها أكثر من نصف مليون قتيل وثلاثة ملايين مصاب، وأكبر عملية تهجير جماعى فاقت أعدادها 12 مليون سورى تشردوا فى بقاع الأرض؟ يا للأسف، فسوريا الهادئة الوادعة تغيرت، والسوريون، أكثر شعوب العرب عملاً واجتهاداً وهدوءاً، ضاعت بلادهم ومدنهم، وتبددت ثرواتهم، وأصبحوا مشردين فى كل ركن من أركان الدنيا، ويتجمعون فى مخيمات إيواء، ينتظرون مساعدة من هنا أوهناك!!
الحرب أنهكت سوريا والسوريين! فهل اقتربنا، بعد هذه الكارثة العربية المفزعة من الحل؟ وهل تسمحون لنا أن نبكى السوريين، ونبكى الضحايا ؟ لأننا كنا جميعا ننتظر كارثة بعد كارثة، فقد مات الناس، وانهارت المدن، وأصبحت الأوطان والدول فى مهب الريح، فماذا فعلتم بنا يا من تدعون الإسلام وتتشدقون به، وأنتم تسعون إلى السلطة؟! هل بعد هذه الحرب المريرة يمكن أن نقول إن سوريا انتصرت؟ أم أنكم تركتم الأرض محتلة؟
يا عرب إن سوريا محتلة بالكامل، والأخطر أننا لا نعرف عنوان المحتل! فهناك:سالاسرائيلى والروسى والإيرانى والتركى والأمريكيس ولم يعد ممكنا أن نسحب أحدهم، أو حتى نقلص نفوذهم، وهذا غير الأحزاب والميليشيات، فسوف تجد نفوذ الحرس الثورى الإيراني، وحزب الله اللبنانى الإيرانى يفوق الاحتلال، فهو يمارس القتل والتهجير الطائفى المقيت، ويخلق كراهية بين الشعوب تتجاوز حدود الزمان والمكان والطوائف، ويستحيل معالجتها!.
والكارثة السورية لم تفجر قضية السنة والشيعة فقط، بل فجرت خوف العربى من العربي، فهناك احتلال قطرى لبعض أجزاء سوريا، باستخدام التيارات المتأسلمة، ولا نعرف كيف ستقدم قطر لنفسها، هل هى راعية التيارات المتأسلمة أم راعية الإرهاب؟ أم دولة احتلال جديدة تستخدم النفوذ البترولى والمالى والجماعات المسلحة والميليشيات الإسلامية المختلفة؟
وجاء دور الهويات الإثنية ليفتح الباب أمام ولادة الكيان الكردى والكيان العلوى الذى تقاتل تحت رايته الدولة القديمة بطائفتها التى لا تشكل إلا 10% من سوريا، أما باقى الأقليات فقد اندمجت معها دفاعاً عن الحاضر، وخوفا من المستقبل!
سوريا الحبيبة تم تقسيمها بين جميع المحتلين! الروس حافظوا على نفوذهم عبر قواعد على البحر، والأمريكان احتفظوا لأنفسهم بالشمال والشمال الشرقي، وبعض الجنوب، طبعا لحماية مصالح إسرائيل غير البعيدة عما يحدث، وإذا كان للروس موقعان استراتيجيان فى حميميم وطرطوس، فإن لأمريكا أربعة مواقع ومطارات عسكرية متفاوتة الأحجام، إضافة إلى الأتراك على طول الحدود!.
سقط الدواعش، ولكن سوريا نفسها سقطت ولم تعد على الخريطة، والدولة التى نعرفها غير موجودة، فهى تدافع عما تبقى لها من وجود، وتحاول أن تحمى طائفتها. والمسألة الآن ليست فى وجود بشار الأسد من عدمه، فمن المصلحة أن يكون موجودا حتى يحافظ على وحدة التراب السورى. وأقول صراحة إن القبول بما يحدث فى سوريا لهو الكارثة على الجميع.
فهل سيُترك السوريون يذهبون وحدهم إلى مؤتمر روسيا للشعوب السورية، كما سمته روسيا، فى منتصف هذا الشهر؟ وهل السوريون قادرون وحدهم على تقرير مصيرهم فى سوريا أو الأستانة أو جنيف؟ وهل يمكن أن نسأل عن النظام العربى القديم؟ هل مازال موجودا؟ وهل هو قادر على التدخل؟ وإذا كنا قد فشلنا فى ظل نظام إقليمى يجمعنا، سواء فى الجامعة العربية أو مجلس التعاون الخليجي، وإذا كنا قد فشلنا فى التعاون معا، فلماذا الحرص على أنظمة نتقاتل فيها معا؟ فى ظل هذا الوضع الشائك، فإن السوريين فى حالة من اليأس، ونحن العرب جميعاً نراقب أحوالهم، ونرسل من هنا رسالة لكل عربى ومسلم وإنسان فى هذا العالم، نقول فيها: هل يمكن وقف القتال والقصف البشع على المدن بكل أنواع الطائرات الأمريكية والروسية والإسرائيلية والتركية والإيرانية على شعب أعزل بلا جيش يحميه، وأمته ضائعة ممزقة، لا تعرف مع من تقف، ولكنها تقف على جثة الشعب السورى؟!