المصريون
جمال سلطان
حوار ضروري مع الرئيس
تحدث الرئيس عبد الفتاح السيسي كثيرا أمس واليوم عن الشباب وعن الحوار وعن قبول الرأي الآخر وعن السلام والتسامح والتحضر ، وركز كثيرا على أهمية الحوار ، والذي على أساسه تمت الدعوة لمنتدى شباب العالم المنعقد الآن في مدينة شرم الشيخ ، واستجابة لهذه النداءات الرئاسية المتكررة والملحة ، والانفتاح الذي أبداه الرئيس ، رغبت في اغتنام الفرصة والتحاور مع الرئيس ومع ما قاله في هذا المؤتمر ، نظرا لأني لست من الإعلاميين المحببين إلى مؤسسة الرئاسة والأجهزة النافذة ، سيادية وغير سيادية ، ولا تتم دعوتي نهائيا لأي مؤتمر أو ندوة أو لقاء أو حوار داخل مصر ، بل يتم التحريض علينا وحتى حجب موقعنا حتى لا يصل صوتنا للناس ، وبالتالي لم يعد لي سوى هذه النافذة "المحاصرة" التي يمكن أن أوصل بها صوتي أو أتحاور مع المسئول أو الرئيس .
في حديثه أمس بالمنتدى قال الرئيس ما نصه : (التواصل مع الشباب أمر حتمي.. واللي ميعملش كده يعرض بلاده للاستباحة) ، وهذه أول مرة أسمع فيها هذا الاعتراف الصريح الذي يوضح إدراك السيسي لخطورة عدم التواصل الجاد مع الشباب وأن هذا يمثل تهديدا للأمن القومي للبلاد ، وهو ما عبر عنها بتعريض الوطن للاستباحة ، وهذا ما يجعلني أسأل الرئيس عن أسباب القطيعة التي يعيشها منذ توليه الرئاسة مع الشباب ، شباب مصر وليس شباب الأجهزة ، الشباب المهموم بالتغيير والإصلاح والمستقبل والديمقراطية وليس الشباب المهموم بحفظ "حصته" من كعكعة السلطة في مؤتمرات الصورة والاستعراض الإعلامي ، الشباب الذي صنع الواقع الجديد بتضحياته وبسالته ، وهو الواقع الذي أتى من خلاله السيسي نفسه ، ملايين الشباب الذين كان يراهم السيسي يغمرون شوارع مصر في مليونيات هادرة في ثورة يناير تنشد الحرية والكرامة والعدالة ، وليس بضعة مئات الشباب الذين تم انتقاؤهم "على الفرازة" من قبل أجهزة أمنية للتحلق حول الرئيس في الندوات التليفزيونية لالتقاط الصور ولزوميات التصدير .
كم مرة اجتمع السيسي مع ممثلين لهؤلاء الشباب ، كم مرة استمع لآرائهم وشكواهم وغضبهم ، لماذا يصدر لهم أجهزة الأمن وآلة القمع بمختلف صيغها القانونية وغيرها ، هل يمكن أن يجيبنا الرئيس أين ذهب ملايين الشباب الذين كان يمتلئ بهم ميدان التحرير وميادين الاسكندرية ومدن مصر المختلفة ، هل تبخروا ، أم أن أجواء "الخوف" التي فرضتها سياسيات رسمية وصلت إلى حد إطلاق الرصاص عليهم في الشوارع إذا تظاهروا سلميا ، أو أن يقضي أحدهم بقية عمره في السجون إذا فكر في النزول للاعتراض ، فهل هذه الأجواء وتلك السياسات وإدارة الظهر لهم هي التي تحقق التواصل مع الشباب ، هل هذا هو الحوار ، وإذا كنت ترى ما نراه الآن ، فهل تختلف معنا في أن تلك الأوضاع تعرض بلادنا لخطر الاستباحة ، خاصة وهي تخوض معركة ضخمة مع الإرهاب المستمر ، هل يمكن أن يجيب الرئيس عن السؤال عن سبب غلق ميدان التحرير حتى الآن وتحصينه باستنفار أمني دائم .
لقد أطلق الرئيس اليوم عبر صفحته الشخصية في موقع "تويتر" عدة تغريدات متتالية عن أهمية الحوار وخطورة تجاهله ، مما جاء فيها بالنص : (انحيازي لشباب مصر في إقامة منتدى شباب العالم نابع من يقيني بأن الحوار هو السبيل لمواجهة أي تحديات) وفي تغريدة أخرى قال أيضا : (التحدي الأول الذي واجهنا كان التواصل والتفاهم مع شباب مصر) ، فهل صحيح أن قناعتك الراسخة أن الحوار هو السبيل لمواجهة أي تحديات ، وهل صحيح أن التحدي الأول ، بما يعني الأخطر وصاحب الأولوية ، كان هو التواصل والتفاهم مع شباب مصر ، هل هذا صحيح ، وهل هذا ما عملت به أو عملت من أجله ، وهل هذا كلام يتفق مع ما جرى ويجري من سياسات وإجراءات على أرض الواقع في مصر ، أم أنه كلام للتصدير فقط لا غير ، ويتبخر مع أول خيمة يتم تفكيكها بعد انتهاء منتدى في شرم الشيخ .
السجون ، ومراكز الاحتجاز ، والمنافي ، وصفحات التواصل الاجتماعي ـ الرئة الوحيدة المتبقية لشباب مصر من أجل يعلنوا رأيهم ـ والبيانات المتتالية من منظمات حقوقية عالمية بما فيها الأمم المتحدة ، يمكن أن تعطيك الإجابة بوضوح أكثر ، وصراحة أكثر ، وأبواب الحوار أنت تعرفها ، وقد كنت حريصا على طرقها قبل 30 يونيه 2013 ، وكنت حريصا على التواصل مع أصحابها والتقاط الصور مع رموزها وشخصياتها ، من كل التيارات ، الأبواب أنت تعرفها وتعرف عنوانها جيدا ، لكن المشكلة الآن أن تكون هناك جرأة على طرقها من جديد ، إذا كانت قناعتك فعلا كما قلت اليوم أن غياب الحوار مع الشباب يعرض الأوطان للاستباحة .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف