المصريون
جمال سلطان
خالد علي مرشحا لرئاسة الجمهورية
من قبل أن يعلن خالد علي صراحة ، أو رسميا ، عن ترشحه لرئاسة الجمهورية أمس في مؤتمر صحفي ، والجدل منتشر حول الفكرة والخطوة ، بينما معارض بشدة ومتحمس بقوة ، ولا وسط تقريبا في الحالتين ، وهو تجاذب سياسي طرفي أصبح نمطيا في حياة المصريين الآن ، ربما يعود الأمر لتوترات اللحظة والثمن الفادح الذي يدفعه ملايين المصريين الذين يعيشون إحباطات فشل ثورة يناير وهزيمتها على أرض الواقع وتبخر أشواقها التي طالما حلموا به عن العيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة ، غير أن خطورة هذا التجاذب المتطرف والذي يصل تلقائيا إلى حد الاتهامات الصريحة من كل طرف للطرف الآخر بالخيانة أو العمالة أو التواطؤ ، خطورته أنه يحرمنا من رؤية كامل الصورة وأبعادها ، فضلا عن الالتقاء في منطقة وسط لحشد الطاقات واجتماعها ، ولذلك لا عجب أن ترى هذا التشظي والانقسام الرهيب بين جميع القوى الوطنية في مصر بمختلف اتجاهاتها رغم قسوة التحدي وعظم الثمن الذي يدفعه الجميع .
من يرفضون ترشح خالد علي أو ينتقدون خطوته أو يسخرون منها ، غالبتهم العظمى من أبناء التيار الإسلامي ، وخاصة الإخوان وأنصار الرئيس الأسبق محمد مرسي ، والمسألة عندهم في جوهرها أنه لا شرعية للوضع القائم وأن أي ترشح جدي للانتخابات سيضفي عليه الشرعية ، ويتمسك هذا الفريق بشرعية رئاسة مرسي حتى الآن ، وبالتالي فأي مرشح للانتخابات هو عدو للشرعية من وجهة نظرهم وينبغي إعلان الحرب عليه ، وهناك فريق آخر أقل عددا وغضبا ، يرى أن الأجواء القائمة لا تعطي أي مصداقية للانتخابات ، والمناخ كله قمعي ومخيف وخانق والمؤشرات كلها تعطي انطباعات بطرمخة الانتخابات المقبلة بصورة أو بأخرى ، وبالتالي فأي خوض لها هو مساهمة في خداع الشعب وإعطاء صورة كاذبة للخارج بأن لدينا ديمقراطية وانتخابات وحريات .
المؤيدون لترشح خالد علي يرون أن ترشحه سيضع السلطة الحالية تحت ضغط ، والضغط سيولد أخطاء والأخطاء ستولد نزيفا سياسيا للنظام ويضيف بالمقابل قوة للمعارضة ، كما أن الخطوة ستتيح مظلة شرعية للحركة في الشارع وتنشط الجهود الشعبية في العمل السياسي المثمر والواقعي وليس في العالم الافتراضي على شبكات التواصل الاجتماعي ، كما أنه يمكن أن تنتزع من خلالها حقوق تمت مصادرتها مع جذب انتباه العالم للحصار السياسي الذي نعيشه ، ويرى هذا الفريق أن التغيير السياسي في أعلى هرم السلطة لا يمكن أن يأتي فجأة أو بأسلوب الضربة القاضية ، وإنما بالنزال المستمر وكسب النقاط التي تفرض واقعا جديدا كل يوم وتطور الحياة السياسية ، وأن المقاطعة في هذه الحالة مع تجمد الحياة السياسية يعني عدمية سياسية واستسلام للأمر الواقع .
في اعتقادي أن ترشح خالد علي خطوة إيجابية بشكل عام ، فضلا عن كونها حقه الدستوري كمواطن ، أيا كانت التحفظات ، وفكرة التخويف من أن النظام يبحث عن مرشح ديكور لاستكمال مشهد انتخابات غير جدية ، هو خوف في غير محله ، لأنه في النهاية لن يعجز النظام عن إيجاد هذا المرشح وبالمقاس الذي يريده عندما تدور عجلة الانتخابات ، وليس هذا بالتحدي الذي يواجهه أو يربكه ، وإنما الذي يربكه أن ينزل مرشح جاد وقوي يعرض الرئيس والنظام كله للحرج ، حيث يتعاظم القلق من أن تفلت الأمور سياسيا من السيطرة ويصبح النظام أمام اختيارين أحلاهما مر ، إما أن يقبلوا بفوز المرشح المعارض أو يتم إلغاء الانتخابات أو تزويرها علنا ، كما أن فوز الرئيس في الانتخابات بنسب ضعيفة أو بنسب حضور ضعيفة سيشكل هزيمة سياسية له بدون أدنى شك ، وهو أمر يستحيل أن تحققه ما لم يكن لك مرشح أو أكثر وله آلاف المندوبين في اللجان .
تحفظي الوحيد على ترشح خالد علي أنه لم يظهر أي دليل على وجود كتل شعبية مهمة تدعمه ، ربما بعض النشطاء والأحزاب الضعيفة ، لكن الترشح الجدي وليس الرمزي للرئاسة يحتاج أن تعطي ملايين المصريين الثقة في أنك قادر على أن تفعلها ، وقادر على أن تحقق أحلامهم في التغيير ، وهذا يقتضي أن يكون هناك تنسيق مسبق مع كتل سياسية وشعبية ورموز وطنية كبيرة ما يسمح لك أن تنطلق من أرضية جماهيرية مقنعة ، وهذا ما لم أجده في حركة خالد علي ، كما أن بيانه الانتخابي بدت فيه لغة نخبوية وهو بيان مطول نسبيا ، ولا يناسب الجماهير العريضة ، وبدا فيه تردده وخوفه من التماس مع كتل جماهيرية عديدة يعرفها جيدا .
المقارنة بين خالد علي وحمدين صباحي مقارنة ظالمة ، فالشخصيتان مختلفتان ، في الصلابة السياسية وفي الأيديولوجيا وفي الانحياز للديمقراطية أيضا ، وتاريخ اليسار في مصر يختلف عن تاريخ "الناصرية" ، وهو أمر يطول شرحه ، كما أن الأجواء السياسية والشعبية التي صاحبت انتخابات 2014 تختلف بصورة شبه جذرية عن الأجواء السياسية والشعبية في 2018 ، وشراع مركب السيسي الذي كان معبأ بالكثير من الوعود في المرة الأولى أصبح فارغا ، وهناك رأي عام مصري واسع الآن يعارضه ويعاني من فترة حكمه ويبحث عن الأمل والإنقاذ في مركب آخر ، المهم أن يقنعه الآخر بجديته وقدرته على الفوز .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف