احمد عبد المعطى حجازى
شيرين.. إمام جامع كوبنهاجن!
يبدو أن الاسلام فى أوروبا لم يعد مجرد ديانة وافدة محصورة فى أوساط المهاجرين من العرب وغيرهم من المسلمين الأفارقة والآسيويين، وإنما أصبح ديانة متوطنة فى أوروبا أو هى فى سبيلها لأن تتوطن فيها وتصبح ديانة أوروبية.
والواقع أن المسلمين يعيشون فى أوروبا ويمارسون فيها شعائرهم الدينية منذ أكثر من مائة عام.، منهم من استوطنها وأصبح معدودا من الأوروبيين. ربما تجاوز مستوى المواطن العادى وأصبح يمثل الأوروبيين فى مجالسهم النيابية ويحتل فى بلادهم المناصب الرفيعة فى الحكومة والإدارة كما رأينا فى المسلم الباكستانى الذى انتخبه الإنجليز عمدة لعاصمتهم لندن، وفى المغاربة الذين انتخبوا فى البرلمان الهولندي، وفى المغاربة الآخرين الذين أصبحوا وزراء فى الحكومات الفرنسية.
لكن هناك فرقا بين توطن المسلمين وتوطن الاسلام. المسلم يتوطن فى البلد الذى هاجر إليه إذا وجد فيه العمل الذى يناسبه والتزم بقوانينه وحصل على جنسيته. وهذه أمور عملية يمكن اتخاذ القرارات السريعة فيها، أما الإسلام أو أى ديانة أو ثقافة أجنبية وافدة فى بلد له ديانته وثقافته فتحتاج إلى صيغة مشتركة تصل إليها وتوفق فيها على مهل بين عقائدها وقيمها الأساسية وبين حضارة البلد الذى انتقلت إليه وما فيها من أصول ومبادئ، ،هذا يحتاج لوقت ولا يتحقق دائما بسهولة. لأن الناس لا يتفقون دائما فى فهمهم للدين، ليس فقط أصحاب الديانات المختلفة، بل حتى المنتمين لديانة واحدة. ونحن نرى أن الاسلام تحول عند بعض المسلمين إلى إرهاب دموي، وتحول بالتالى عند بعض الأوروبيين إلى خطر داهم يهددهم ويهدد حضارتهم. وأنا أكتب هذه المقالة من باريس. وكنت أتابع فى الأيام الماضية حوارا أجراه التليفزيون الفرنسى مع رجل فرنسى مسلم «جهادست» انضم لداعش وبقى فى صفوفها حتى تمكن السوريون من تحرير مدينة «الرقة» فعاد إلى فرنسا يحكى قصته لأن فرنسا هى وطنه الآن.
المسلمون فى أوروبا وهم يعدون الآن بعشرات الملايين فى طريقهم للاندماج والتوطن، لكن هل يستطيع الاسلام أن يتوطن فى أوروبا ويصبح ديانة أوروبية؟ الاجابة نقرأها فى حوار أجرته مجلة «هي» الفرنسية مع سيدة دنماركية مسلمة أصبحت إماما فى أحد مساجد كوبنهاجن. وهو حوار مثير ممتع يجب أن نقرأه. ولا أشك فى أنه سيثير اهتمام الجميع.
>>>
من هى هذه السيدة التى خطت هذه الخطوة التى لم يعرفها الاسلام من قبل؟ وهل نعتبر هذه الخطوة عملا من أعمال التجديد والاصلاح يمكن للاسلام فى أوروبا ويفتح الباب لخطوات مماثلة عندنا وعند غيرها؟ أم نعتبرها بدعة كما نفعل مع كل تجديد واجتهاد، ونرى أنها ضلالة، وأن كل ضلالة فى النار؟...
السيدة التى أحدثكم عنها امرأة دنماركية فى الثالثة والأربعين من عمرها. أم لأربعة أطفال وهى ذات وجه صبوح، وليست محجبة فى الصورة التى نشرتها لها المجلة وهى على سجادة الصلاة، لأنها لا تضع الحجاب إلا حين تؤم الناس فى المسجد، ولأن الاحتشام كما تقول سلوك وليس قطعة قماش!.
اسمها شيرين خانقان. وأمها فنلندية مسيحية، وأبوها سورى مسلم مقيم فى الدنمارك منذ سنوات. وقد تخصصت شيرين فى الطب النفسى النسائى وأنشأت مركزا لحماية المرأة من العنف الذى تتعرض له حتى الآن، ومنذ عام خطت خطوتها الجريئة فتولت الامامة فى مسجد مريم بكوبنهاجن. امرأة تؤم المصلين الرجال والنساء فى المسجد؟ كيف كان ذلك؟...
الإجابة تقدمها لنا شيرين خانقان فى كتاب بديع صدرت ترجمته الفرنسية أخيرا فى دار النشر الشهيرة «ستوك» بعنوان «المرأة ومستقبل الإسلام» وهو يفتح كل الأبواب التى نعتقد أنها مغلقة على هذا الموضوع.
تقول فى كتابها انها اعتنقت الاسلام وهى فى التاسعة عشرة من عمرها. لم تأخذه وراثة عن والدها وإنما نظرت فيه وفى غيره فى تلك السن التى يبحث فيها الإنسان عن نفسه ويختار طريقه وفى تلك السنوات التى كان فيها قرن ينتهى وقرن يولد، وفيها توالت الأحداث الدرامية التى جعلت الاسلام والمسلمين فى أوروبا موضوعا للبحث. فإذا قررت شابة دنماركية أن تعتنق الإسلام فالاسلام بالنسبة لها ليس أمرا واقعا وإنما هو موقف من الأمر الواقع وهو إرادة واختيار. ولأن شيرين شابة مثقفة ونصيرة للمرأة ولحقوق الإنسان فاعتناقها الاسلام يعنى اقتناعها بأن الإسلام فى حقيقته التى قد تكون غائبة عند كثير من المسلمين لا يقر التمييز بين البشر لأى سبب، بل يحض على مقاومة التمييز سواء بين المرأة والرجل أو بين المسلم وغير المسلم. والحضارة الإنسانية الحديثة تستطيع أن تجد نفسها فى الاسلام كما تجد نفسها فى كل العقائد والديانات والفلسفات التى عبرت عن حقوق الإنسان وآماله وأحلامه. ومن الواضح أن شيرين خانقان تعلمت الكثير من التصوف الإسلامى وتتلمذت على محيى الدين بن عربى بالذات. وهى تنسب نفسها لكل البشر فتقول «أنا الشرق والغرب، القرية والمدينة، المؤمنة والعلمانية». وهى تلخص فهمها للإسلام فى كلمتين هما «القلب المتفتح». أما حلمها فتعبر عنه كما يلي: «بيت لله بثلاثة مداخل وساحة واحدة للصلاة تجمع بين أبناء الديانات الثلاث».
هذا الفهم للاسلام ليس هو الفهم الذى يتبناه العنصريون الأوروبيون من ناحية والمتطرفون المسلمون من ناحية أخري، لكنه هو فى نظرها الفهم الصحيح، وهى تتحدى به هؤلاء وهؤلاء وتستطيع أن تقدم ألف دليل عليه، فأين تقف المراجع الإسلامية من هذا الفهم؟.
شيرين خانقان تحدثنا عن امام جامع جاكارتا عاصمة اندونيسيا الذى يستقبل كل جمعة مائتى ألف من المصلين ويعد واحدا من أكبر جوامع العالم فتقول إن هذا الإمام الأندونيسى بارك خطوتها واعتبرها اضافة واجتهادا لأن الاسلام فى الفهم الصحيح له يسوى بين المرأة والرجل فى كل شيء. فإذا كان هناك من يعترض على هذه الخطوة أو يتحفظ إزاءها فى الوقت الحاضر فالمستقبل معها. لأن المستقبل مع الاسلام الحقيقى ومع المرأة. «وأنا قانعة بمن يؤيدونني».
زوجى يرى انى على حق. وابنتى عائشة تقول لي: «ماما. أنا فخورة بك!».