المصريون
جمال سلطان
سلطة متوترة تطارد لعبة أطفال ؟!
الخبر الصادم أمس كان تلك الحملة الأمنية التي قامت بها وزارة الداخلية من أجل ملاحقة باعة لعبة "البندول" التي انتشرت مؤخرا بين الأطفال والمراهقين ، لبساطتها وسعرها البسيط ، كما أنها تستخدم أحيانا من الكبار لتخفيف التوتر ، وهي لعبة بسيطة للغاية ولا تحمل أي رمزية لأي شيء ، وهي ليست جديدة على كل حال ، الحملة الأمنية المكبرة على باعة لعبة أطفال كانت مدهشة للغاية ، ومثيرة للنكات والتعليقات الساخرة ، وهي تستحق كل ذلك بدون شك ، ويبدو أن "التهمة" لم تكن محددة عند الحملة ، فقالوا في البداية أنها مراعاة للآداب العامة ، وكان التوصيف بالغ الغرابة ، فما دخل الآداب العامة في تلك اللعبة العادية جدا ، ثم تطورت التهمة إلى القول بأنها تشكل إزعاجا لبعض المواطنين وتهديدا للسلام الاجتماعي أو كلام من هذا القبيل ، وحتى الآن لا أعرف إلى أين وصلت التهمة ، ولا ما هو وجه الاتهام المحدد الذي وجهته النيابة العامة للباعة المقبوض عليهم ، وإن كنت أجزم أن النيابة سوف تطلق سراحهم جميعا وبدون ضمانات ، لأن الاتهام أقرب للهزل .
مشكلة لعبة "البندول" الوحيدة أن بعض النشطاء وآخرين من الذين يقضون أوقات فراغهم يتسلون على شبكات التواصل الاجتماعي ، أطلقوا على تلك اللعبة اسما سوقيا يحمل تلميحا غير لائق لرئيس الجمهورية ، وحمل الأمر على جانب الهزل والمزاح والكوميديا ، غير أن الحملة الأمنية ستحول هذا المزاح والهزل إلى كوميديا سوداء حقيقية ، أن يصل مستوى الفزع والتوتر لدى الدولة وأجهزتها إلى هذا الحد ، أو إلى هذا المستوى ، كما أن هذه الحملة ، أيا كان من أمر بها ، ستعطي الانطباع البديهي عن توتر النظام وقلقه ولا أقول ضعفه ، وخوفه من "خياله" كما يقول العامة في أمثالهم ، وبدون أدنى شك فإن الدلالة السياسية لهذه العملية بالغة السوء على النظام السياسي بكامله .
الخطير في تلك الواقعة أنه يمكن أن تعطي "مقياسا" لكل مشتغل بالهم العام ، السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي ، على "سقف" المتاح في البلد للنشاط العام ، وعلى مستوى التوتر والعصبية لدى أجهزة الدولة في التعامل مع الشأن العام ، فإذا كانت الحكومة تفزع من لعبة أطفال لمجرد أن بعض المازحين أطلق عليها اسما سوقيا ، وتقرر مصادرة اللعبة ومنع بيعها والقبض على باعتها ، فكيف هو حالها أو "سقفها" مع المعارضة السياسية الجادة أو التي تملك القدرة على إحراج النظام أو مزاحمته ، كما أن تلك الواقعة تطرح شكا واسعا في قدرة النظام على احتماله إدارة انتخابات رئاسية حرة وشفافة وفيها فرص متعادلة أو حتى متقاربة بين المرشحين ، هل قلت انتخابات رئاسية ؟ ، أبدا ، ولا حتى انتخابات مجالس محلية ، فبهذا المستوى الذي صدمنا أمس لا يمكن تصور احتمال السلطة لأي منافسة أو مضايقة أو نشاط عام تراه خصما من رصيدها أو تهديدا لوجودها .
مصادرة لعبة أطفال تجعلنا أكثر فهما لقرارات بعض الجهات الغامضة وغير المعروفة حتى الآن مصادرة أو حجب المواقع الإخبارية ، والتي وصلت إلى أكثر من ثلاثمائة موقع حاليا ، بعضها مواقع تتعلق بكرة القدم ، ربما رأى فيها هذا "الجهبذ" أنها تهدد الأمن القومي ، أو ربما وجدها منحازة للأهلي وهو من مشجعي الزمالك ، أو العكس ، أي والله ، يمكنك أن تتصور الأمور عند هذا المستوى ، لقد صادروا لعبة أطفال واعتبروها مهددة للسلام الاجتماعي ، هل تتخيل ؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف