الجمهورية
اللواء محمود زاهر
رأي في قضية قومية - سياسة الإسلام لله ..
كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته¢.. أمام تلك المهمة فدائما أبدا يكون إهتمام.. ¢رب أي أسرة¢.. مؤمن بالله ومسلم له بقدر إستطاعته.. وكذا متكامل الصحة النفسية التي لا تقبل .. ¢الذاتية الشخصية¢ .. الجاذبة لإنحرافه عن أمانة ومصداقية الوفاء بمسئوليته عن حق مستقرها.. يكون .. ¢أمان رعيته¢.. هو منطلق إهتمامه التفكري العملي.. ومعني الأمان هنا شامل .. لتحقيق كل أسباب قوامته بالحاضر والمستقبل.. ولتحقيق سلامة الفكر والأخلاق إقتصاديا وسياسيا وإجتماعيا.. وسلامة الأخذ بأسباب الحق في كل ما سبق ثم التوكل الصادق اليقيني علي المسبب.. هكذا الراع المسئول.. وهكذا رب أي أسرة صغيرة أو كبيرة .. ¢هكذا رئيس أي دولة أمين في مسئوليته¢..
¢قضي الأمر الذي فيه تستفتيان¢.. هكذا صار قرار الحرب هو السبيل الأوحد أمام الرئيس السادات لإستعادة كرامة مصر بإذن الله.. وبعيدا عن يقينه في النصر بإذن الله بما تحقق من أسباب.. فقد كان يشغله بشدة أمرين هما.. كيف تنهي حربا وهو يعلم أن إمكانية بدء حرب متاحة ولكن أن تنهيها فهذا هو غير المتاح.. أما الأمر الثاني والمتصل إتصالا وثيقا بالأول هو.. ماذا لو إمتدت الحرب أكثر من ثلاثة أشهر وهو زمن إنتهاء المخزون الغذائي الإحتياطي بمصر.. وهو يعلم أيضا أن الجيوش تمشي وتتقدم علي بطونها.. وكذلك يعلم أن الأمران مستهدفان ممن يقدمون الدعم الكامل لإسرائيل ..¢في حين أنهم يحاصرون مصر إقتصاديا وسياسيا¢.. وذاك مؤثر شديد في الحرب ونتائجها.. وخاصة أيضا أنهم يعلمون خواء خزينة مصر.. وأن كل ما دخل بها بعد عام 70 إلتهمته الإحتياجات الشعبية والإعداد للحرب..!!
"16" بتاريخ 1973/8/28 سافر الرئيس السادات في زيارة رسمية للمملكة العربية السعودية.. زيارة مرتبة سابقا ولمدة 24 ساعة "يوم" بين الرئيس السادات والملك فيصل إبن عبد العزيز آل سعود.. وفيها أخبر السادات فيصل بقرار الحرب "ولم يحدد الشهر واليوم وساعة الصفر" وتم الإتفاق علي إستخدام الملك فيصل لسلاح البترول كنوع من الضغط علي أمريكا وأوروبا لعدم التمادي في دعم إسرائيل ..¢ وإطالة زمن الحرب¢.. ثم أكد الملك فيصل أن دعم مصر مستمر .. ¢ومفتوح حتي تبلغ مصر بر الأمان¢.. وهذا قد تم بالفعل وقد أشرنا إليه من قبل..
"17" صباح 1973/8/28 وصل الرئيس السادات إلي دمشق بسوريا.. وعلي مدار يومين "28 و8/29" تركز التنسيق بين السادات وحافظ الأسد منفردين .. ثم بحضور الوفدين المصري والسوري .. ¢ علي الحرب¢.. وقد كان الوفد المصري مكونا من حافظ إسماعيل وأحمد إسماعيل وعبد الغني الجمسي.. والوفد السوري مكون من وزير الحربية "طلاس" ورئيس المخابرات ورئيس شعبة العمليات .. وفي هذه الزيارة تم إعلام الجانب السوري بأن .. ¢يوم ي¢ .. ¢هو يوم السبت 6 أكتوبر عام 1973¢.. ثم إتفق الجانبان علي أن الوقت مازال مبكرا علي تحديد.. ¢ساعة الصفر¢.. وعلي الجانبين دراسة أفضل .. ¢ساعة¢.. ثم الإتفاق معا عليها..
من الهام جدا .. أن نذكر أمرا لم يتناوله من قبل بحثي العلمي التاريخي "وهو في يد المجلس الأعلي للثقافة منذ شهر مايو 2017 وكان في يد د.عادل غنيم منذ شهر سبتمبر عام 2016" وهذا الأمر هو إجتماع .. ¢سري للغاية¢.. حدث في منزل الرئيس السادات قبل سفره إلي السعودية وسوريا.. وحضره بطريقة غير نمطية كل من.. ¢حافظ إسماعيل وأحمد إسماعيل والجمسي فقط لا غير¢.. وكان سببه وهدفه الوحيد هو.. ¢تحديد ساعة الصفر¢.. ومتي وكيف يتم الإبلاغ بها للقادة المصريين.. وللشركاء السوريين "حافظ الأسد شخصيا" وهل ستكون في أول ضوء .. أم في أخر ضوء "وهما أفضل توقيتات حربية وخاصة للقوات الجوية بمقياس تأثير ضوء الشمس ودرجة ميله" ولكن كان لتقارير المخابرات البحثية رأيا أخر .. ¢رأيا مصريا ثالث¢.. رأيا حسم أمر ساعة الصفر.. وقد قام ذاك الرأي الحاسم علي ما يلي..
"أ" كلما كان الأمر "أي أمر" غير نمطي .. كلما كان أفضل في تحقيق عنصري المبادأة والمفاجأة .. أي كلما كان خادع..
"ب" في حالة إستشعار "حالة الشك" العدو بإحتمال عمل عسكري .. ستكون قواته في حالة يقظة وإستعداد نمطي مع أول ضوء.. وربما أيضا مع أخر ضوء ولكن ليس بذات اليقظة التامة والإستعداد الكامل.. إذن.. ¢ستكون الفترة الزمنية بين أول وأخر ضوء هي فترة راحة وإسترخاء¢.. بعد شدة أعصاب .. خاصة .. حين يستدعي خدعة مايو وأغسطس المصرية.. وحينذاك سيكون الشك في قيامنا بعمل عسكري هو الأقرب للتوقع والداعم للإسترخاء..!!
"ت" في حالة تأكد العدو من إحتمال التحرك العسكري.. فسوف يستدعي الإحتياط وهذا يلزمه 48 ساعة علي أقل تقدير .. وحينذاك سنعلم بأنهم تأكدوا .. ولن يكون بيدهم سوي ضربة الطيران الإجهاضية.. وسنعمل لها حسابتنا.. وهي لن تغير من الأمر شيئاً مؤثراً في خططنا..
"ث" رصدت المخابرات الحربية بدقة.. إستدامة دخول حافلات الأجازات لخط بارليف في حدود سعت 1330 "أي الساعة الواحدة والنصف" ومغادرتها بعد حوالي 20إلي 30 دقيقة.. أي سعت حوالي 1400 "أي الساعة الثانية ظهرا" وبعد حوالي .. "خمسة دقائق" تكون علي مسافة ما بين 3 إلي 5 كيلومترات.. إذن.. لوحددنا ساعة الصفر كي
تكون سعت 1405 "أي الساعة الثانية ظهرا وخمس دقائق" فإن من بالحافلات والذين يمكنهم رؤية خط بارليف .. سيرون الخط وقد تحول إلي جحيم بنيران مدفعيتنا.. في ذات الوقت سيمر من فوق رؤوسهم طائرتنا بإرتفاعها المنخفض وصوتها المرعب.. إذن.. لن يعودوا .. "في حين من وصلوا للخط مازلوا في حالة إسترخاء".. فإن توقفوا أوأكملوا هروبهم .. فسوف يقابلوا تقدم قوات الإحتياطي التكتيكي لنجدة خط بارليف.. ¢فيخبرونهم بأن الخط بات جهنم¢.. وهذا سيجعلهم في حالة نفسية وروح معنوية متدنية السوء.. وهذا يصب في جانب قواتنا ولصالحها والإنفراد بخط بارليف..!!
"ج" سعت 1400 "الثانية ظهرا" ستكون القيادات الإسرائيلية والعسكرية بصفة خاصة .. سواء بالقوة التعبوية أو الإستراتيجية داخل سيناء .. أو بالقيادة العامة داخل إسرائيل.. في حالة راحة وإسترخاء وربما أثناء تناول وجبة الغذاء أو بعدها.. بينما ستكون قوتنا الجوية .. تدمر مراكز القيادة والإتصال .. وكذا المطارات مثل مطار تمادا والمليز ورأس نصراني بسيناء.. وهكذا يتم تحقيق أول هدف إستراتيجي مادي علي الأرض.. بعد تحقيق عنصري المبادأة والمفاجأة..
"ح" هذا التوقيت المقترح "سعت 1405" يعطي قواتنا قسطا كافيا من النوم والراحة منذ ليلة السبت 6 أكتوبر.. بعكس لو كان التوقيت هو أول ضوء.. فلن يناموا.. وسيقاتلون وهم مرهقون وفي حالة إجهاد..
هكذا تحددت ساعة الصفر التي تم الموافقة عليها.. بل وإستحسانها من الرئيس محمد أنور السادات .. وبذات الإجتماع تحددت طريقة ووسيلة إعلام قادة القوات "قوات برية وقوات بحرية وقوات جوية" وهي.. بعد أن تستقر كل وحدات كل قوة بموقعها الهجومي .. وقبل يوم السبت بوقت قصير محدد ومضمون .. ¢يصل ليد قائد كل قوة¢.. مظروف سري للغاية مغلق ومختوم به ساعة الصفر العامة والتي كانت سعت 1405 "الثانية وخمس دقائق ظهرا" هو علي علم مسبق بذاك الأمر .. ولكنه ليس علي علم بالساعة المحددة.. وهو علي علم مشدد بعدم فتح المظروف إلا بوصول .. ¢كود/ شفرة¢.. له من القائد العام "الوزير" وقد تحددت ثلاث وسائل لضمان وصول المظروف ثم الكود ليد كل قائد قوة شخصيا.. ¢وبناء علي سعت 1405¢.. يحدد قائد كل قوة سعت صفر لتشكيلاته ووحداته.. ¢فعلي سبيل المثال¢.. سعت صفر إقلاع الطائرات تتحدد بمسافة كل قاعدة جوية من خط قناة السويس.. بحيث تصل كل الطائرات إلي خط القناة سعت 1405 ومنه إلي المحدد لها من أهداف.. كذلك سعت صفر عبور القوات البرية بالتوالي..إلخ..
إذن.. نستطيع أن نسجل تاريخيا أنه بذاك الإجتماع بنهايات شهر أغسطس عام 1973 "25 أغسطس .. مثلا" قد تم وإنتهي التخطيط العلمي العملي المفصل لحرب رمضان أكتوبر عام 73.. بالأسباب والتوكل علي المسبب سبحانه وتعالي واليقين به في الإنتصار..
"18" بتاريخ 1973/9/28 ..خطاب .. ¢اللمسات الأخيرة للحرب كما أسماه السادات¢.. لمسات الخداع الإستراتيجي.. الذي إكتسب عمقا بإختيار السادات لتاريخه الذي يواكب.. ¢ذكري وفاة الرئيس جمال عبد الناصر¢.. بمقياس التحليل السياسي الإسرائيلي والدولي وظنهم بأنه يريد إستمالة المعارضة لتثبيت حكمه وهو الأمر الذي يؤكد لدي هؤلاء المحللين أنه لا ينوي ولا يستطيع الحرب.. ويقول السادات بكتابه ص 323.. ¢أردت أن أضع اللمسة الأخيرة¢..
في هذا الخطاب الخادع تحدث الرئيس السادت عن أمرين.. أولهما عن أحداث .. ¢الزاوية الحمراء بالقاهرة¢.. وهي الأحداث التي أطلق عليها سياسيا مسمي.. ¢الفتنة الطائفية¢.. وقد تحدث الرئيس "الداهية السياسي" بنوع من ¢الإنفعال الإحترافي¢.. والذي أوحي للخارج وإسرائيل بعدم إمكانية السادات بالقيام بأي عمل عسكري في مثل هذه الظروف "ظروف إنقسامات ومشاحنات شعبية" رغم صغر الحادثة.. ثم جاء الأمر الثاني الذي أكد وأثبت إستهداف خطاب السادات وهو.. ¢ما أعلنه الرئيس السادات من عفو شامل كامل¢.. عن المعارضة السياسية من صحفيين وطلبة يساريين "ناصريين" والذين تمت محاكمتهم في أحداث عام 1972.. وهو ما فسره الخارج بمحاولة السادات عمل مصالحة سياسية مع معارضيه.. ¢لتثبيت أركان حكمه¢.. ويقول السادات عن ذلك .. ¢لم يخطر علي بالهم أن هذا كان جزءا من تخطيطي للمعركة¢..!!
"19" بتاريخ 1973/9/30أي قبل سعت الصفر بستة أيام.. ¢جمع الرئيس مجلس الأمن القومي¢.. وهو مجلس يجتمع في حالة الأزمات "وقد تم إهماله في عصر الرئيس حسني مبارك.. وأعاده الرئيس السيسي عام 2014" ويحضره بعض الوزراء .. ¢والذي منهم من لا تبتل في فمه فوله.. كما يقال¢.. وكانوا بذلك هم المستهدف الرئيسي للإجتماع.. برئاسة السادات "كرئيس الدولة والقائد الأعلي ورئيس الوزراء منذ مارس عام 73" وتعمد الرئيس بمقياس ما حدده من هدف للإجتماع .. أن يجعل الأمر أشبه بمكلمة لتأكيد عدم جهوزية مصر لعمل عسكري عام 73 تحديدا.. أي أن الإجتماع كان.. ¢أخر لمسات الخداع الإستراتيجي والتخطيط للحرب¢.. وحدثت المكلمة وقال البعض نحارب أيا كان الثمن .. وهناك من دعي إلي التريث .. وهناك من تمسك بالحل السياسي ..إلخ.. ثم تحدث وزير الحربية "الذي يعلم بمستهدف الإجتماع" راح فأشار إلي حاجة الجيش للكثير من الإحتياجات .. وإعادة التدريب والتأهيل .. بل خشيته من بعض المواقف العربية بمقياس عام 67.. إلخ..!!
وبعد أن تحدث الجميع .. قال الرئيس السادات.. ¢كل واحد منكم قال كلمته .. طيب أنا عايز أقول لكم.. إن إقتصادنا النهارده في مرحلة الصفر.. وعلينا إلتزامات للبنوك لن نستطيع الوفاء بها.. وعندما يأتي عام 1974 لن يكون عندنا للمواطن رغيف خبز.. ولا أستطيع أن أطلب من أي عربي دولار واحد.. لأن العرب بيقولوا لنا.. إحنا بندفع بتاع قناة السويس وبس "ما كان يدخل لمصر من قناة السويس" وبيقولوا كمان.. ولا فيه حرب ولا حاجه¢..!! وأنهي السادات الإجتماع وهو يمثل حالة.. ¢المفكر اليائس¢.. رغم سعادته بأن ما دار بالإجتماع سيصل سريعا للخارج وعليه المزيد..!!!
"20" بتاريخ 1973/10/1 "الأول من أكتوبر عام 73 وقد بات خمسة أيام عن سعت 1405 "ساعة الصفر" وقد أتمت كل القوات تدريباتها العملية المشتركة وصارت بمواقع الإستعداد للقتال.. وفي الساعة الخامسة مساء "مساء أول أكتوبر عام 73" إجتمع المجلس الأعلي للقوات المسلحة برئاسة السادات بمقر وزارة الحربية.. وكان إجتماع أشبه بإدارة الحرب الحقيقية .. فقد قام كل قائد وشرح مهمته في الحرب بالتفصيل علي خريطة العمليات.. بل وأجاب علي كل التساؤلات والإحتمالات علميا وعمليا بمقياس مفهوم.. ¢الخطة العامة لحرب الأسلحة المشتركة¢.. أي مفهوم تكاملية الأسلحة حربيا..
ثم تحدث السادات فقال.. ¢بسم الله توكلنا علي الله.. كل واحد يكون جاهز في أي لحظة لصدور الأمر.. "ص 324 بمذكرات السادات".. وعلي كل واحد أن يؤدي واجبه.. أنا من ورائكم أتحمل المسئولية كاملة تاريخيا وماديا ومعنويا.. وفي الوقت نفسه .. وأقولها بوضوح وصراحة تامة.. أنا أثق ثقة كاملة في كل واحد منكم .. وعلي هذا الأساس عايزكم تتصرفوا بكل ثقة .. وإطمئنان .. وحرية .. ومتنسوش اللي قلته لكم من قبل.. اللي هيكسب الـ 24 ساعة الأولي هيكسب الحرب كلها.. وإن شاء الله.. النصر لنا¢..
وقف الفريق أول أحمد إسماعيل .. وبعد أن أدي التحية العسكرية للقائد الأعلي.. وأستأذن في الحديث.. قال.. ¢بسم الله.. وبسم القادة.. وبسم القوات المسلحة.. نعد سيادتكم أن نبذل أقصي جهد يتحمله البشر لتحقيق النصر لبلدنا.. وكل قائد متفائل ... وواثق في الله وفي نفسه وقدرته لتحقيق مهمته .. ونحن نشترك مع سيادتكم في المسئولية.. وكلنا مسئولون عن البلد معكم¢..
يقول الجمسي في مذكراته ص 288.. قرأنا الفاتحة .. وإتجهت قلوبنا إلي السماء تدعو الله أن يوفقنا.. وأن يكتب لنا النصر ولقواتنا المسلحة .. ويصف الموقف بأنه كان.. ¢مهيب¢.. وبالعميق بما لا يمكن لأحد تصوره¢..!!
نعم.. نعم.. إنه موقف مهيب.. ومعناه أعمق من كل تصور بشري .. فهو قرار حرب مستحيلة في تقدير من لا يؤمن بالقوي المتين.. الناصر المنتصر سبحانه وتعالي.. ويؤمن بمسئوليته عن شعب له حق الحياة الكريمة.. شعب ليس مكانة .. ¢قبر¢.. مهين.. بل مكانه كما قدره الله له فوق الأرض بقامة كريمة وقوامة عادلة .. نعم هو قرار لا يستطيع إقراره إلا الرجال الحق ورجال الحق..رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه..فكان النصر والإنتصار لهم.. والحمد لله..
بمقتضي الأمانة والمسئولية المصرية العسكرية .. لم يكن ما سبق بكاف من حيث إجراءات المسئولية.. فقد كان من إتمام مسئولية القرار .. أمران.. أولهما هو إصدار القائد الأعلي ورئيس الدولة .. ¢توجيه إستراتيجي¢.. مكتوب ومصادق عليه بتوقيعه .. توجيه يوضح فيه أسباب قراره بالحرب.. ومتي وكيف ولماذا أصدره بتوقيته.. وعند هذا الحد .. لا يعتمد ذاك التوجيه كقرار تحرك فعلي قتالي من دون الأمر الثاني وهو.. ¢أمر القتال¢.. المكتوب والمصادق عليه بتوقيعه أيضا.. ودون ذلك - كما كان في السابق- فإن تحريك القوات لعملية حربية يصبح أمرا يفتقد المسئولية الوطنية.. أمر لا يقدر الأمانة ولا يحفظها..
"21" يبتاريخ 1973/10/2 "منتصف الثاني من أكتوبر73" أي بعد اجتماع المجلس الأعلي بيوم "أو أقل" وبعد اجتماع 73/9/30 بيومين.. وقبل يوم ".. وساعة الصفر" بأربعة أيام.. ¢أصدر الرئيس محمد أنور السادات التوجيه الإستراتيجي مكتوبا ومصادق عليه بتوقيعه¢.. ومكون من أربعة "4 بنود" بنود هم كالآتي :
البند الأول.. أوضح وحدد الرئيس السادات ملامح إستراتيجية إسرائيل وأهدافها من إخضاع المنطقة العربية لإرادتها .. وموقفها من قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار بتاريخ 8 يونيو عام 1967.. ومراوغاتها من قرار مجلس الأمن بتاريخ 1967/11/22وكذا موقفها من جهود السفير جونار يارنج.. وكذا وليام روجرز.. وعدوانها علي المدنيين والأطفال بقذفها مدرسة بحر البقر ومصانع أبو زعبل.. إلخ.. ثم ما قامت به مصر من عمليات ذات طابع عسكري مقاوم بسنوات 67 و68 و69 ومن مبادرات سياسية ..إلخ..
البند الثاني.. فيه قال الرئيس السادات.. ¢إن مصر كانت تدرك طول الوقت أنه سوف يجيء وقت يتعين عليها فيه أن تتحمل مسئوليتها.. وكان أهم ما يجب أن نعني به هو أن نوفر بهذا اليوم كل ما نستطيع.. وفي حدود قدرتنا.. ومع إلتزامنا بواجب الدفاع عن التراب والشرف¢..
البند الثالث.. قال الرئيس السادات .. ¢إن الهدف الإستراتيجي الذي أتحمل المسئولية السياسية في إعطائه للقوات المسلحة المصرية.. وعلي أساس كل ما سمعت وعرفت من أوضاع الاستعداد.. ¢هو¢.. تحدي نظرية الأمن الإسرائيلي وذلك عن طريق عمل عسكري حسب إمكانيات القوات المسلحة .. يكون هدفه إلحاق أكبر قدر من الخسائر بالعدو.. وإقناعه بأن مواصلة احتلاله لأراضينا تفرض عليه ثمنا لا يستطيع دفعه¢...
البند الرابع.. فيه قال الرئيس السادات.. ¢إن الوقت من الآن.. ملائم كل الملاءمة لمثل هذا العمل¢..
"22" بتاريخ 1973/10/3 في يوم الأربعاء هذا وما تلاه.. حدثت أمور كثيرة ذات صلة مباشرة بالحرب رغم ظاهرها السياسي ذات الأهمية من حيث.. الخداع الإستراتيجي.. والعلاقة المصرية السوفيتية أثناء وبعد الحرب.. ومن تلك الأمور ما يلي :
"أ" بموجب ما تم بين السادات والأسد بشهر أغسطس عام 73.. استدعي السادات السفير السوفيتي وقال له.. ¢أريد أن أبلغك رسميا أنني وسوريا قد قررنا بدء العمليات العسكرية ضد إسرائيل¢.. ثم حمله رسالة عاجلة للقيادة السوفيتية تقول متسائلة..¢ عن موقف الاتحاد السوفيتي من قرار العمليات العسكرية¢.. وحين سأل السفير عن موعد تنفيذ تلك العمليات.. قال له السادات بأن.. ¢الموعد لم يتحدد بعد¢..!!
"ب" كان الاتفاق مع الأسد هو.. استدعاء السفير السوفيتي بسوريا يوم الخميس 1973/10/4ويبلغه بذات القرار السابق.. ¢ويحدد 6 أكتوبر موعدا له ¢.. ويبلغ الأسد.. ¢بساعة الصفر¢..
"ج" سفر أحمد إسماعيل لسوريا.. ¢سرا¢.. لتأكيد الترتيبات.. ولا أحد يعلم متي سافر وما هي الترتيبات غير المعلومة التي قام بها..
تؤكد المعلومات أن عدم إبلاغ السفير بالموعد الذي أبلغه به الرئيس الأسد "6 أكتوبر" سيضع تحليل السوفييت له في حيرة .. هي أقرب إلي عدم تصديق.. وفي حين إبلاغهم الأمريكان بالأمر "كاحتمال وارد" سيكون التوقيت قد أصبح غير مؤثر.. ثم إشعار السوفييت بشيء من صداقة مصر لهم والتأسيس سياسيا علي ذلك في المراحل .. بكل احتمالاتها الآتية..
"23" بتاريخ 1973/10/4 "الرابع من أكتوبر" طلب الاتحاد السوفيتي بواسطة سفيره بمصر.. السماح.. لأربع طائرات نقل عسكرية الحضور إلي إحدي المطارات العسكرية بمصر.. ¢لنقل الرعايا السوفيت¢.. وهذا ما حدث بالفعل بتاريخ الجمعة 1973/10/5 صباحا.. وقد تم رصد الطائرات.. وظنت القيادة الإسرائيلية أن الأمر عبارة عن إمداد عسكري سوفيتي لمصر..
"أ" كانت سفينة سوفيتية تحمل إمدادات عسكرية في طريقها .. ¢لمصر¢.. ولكن.. صدرت لها الأوامر السوفيتية يوم الجمعة 73/10/5بتغيير وجهتها.. وحين السؤال من مصر عن عدم وصولها .. جاءت الإجابة بأن السفينة .. ¢ضلت الطريق في البحر¢..!!.. وتلك كانت علامة سياسية سيئة..
"ب" كما كانت المخابرات الإسرائيلية ترصد كل حركة صغيرة وكبيرة في إسرائيل علي مدار الـ 24 ساعة.. وقد تأكدت أن أخر التقارير المخابراتية الإسرائيلية بتاريخ 1973/10/1 والذي قدمه.. ¢الجنرال إلياهوزعيرا¢.. لمجلس الأركان الإسرائيلي مازال هو القائم بما أكده من أن التحركات المصرية هي مجرد..¢مسكنات سياسية ومحاولات ابتزاز مصرية لإسرائيل¢.. وهو ذات التفسير الذي تم إقراره بتاريخ 1973/10/3حين عادت .. ¢جولدا مائير¢.. من النمسا وطلبت اجتماعا لبحث الموقف علي الجبهتين .. ¢المصرية والسورية¢.. وذلك بما بلغها من معلومات عن تلك التحركات وخاصة المصرية .. ¢قد أثارت مخاوفها¢..
"24" الجمعة 1973/10/5 "الخامس من أكتوبر" الموافق 9 رمضان 1393 هجرية حدث الآتي بعد:
"أ" أصدر الرئيس محمد أنور السادات .. ¢أمر القتال مكتوبا ومصادق عليه بتوقيعه¢.. وقد جاء فيه ما يلي من بنود:
بند أول.. إلي الفريق أول أحمد إسماعيل علي.. وبصفته القائد العام للقوات المسلحة المصرية ورئيس مجلسها الأعلي..
بند ثاني.. بناء علي التوجيه الإستراتيجي السياسي العسكري الصادر لكم مني في أول أكتوبر عام 1973م الموافق 5 رمضان عام 1393 هجرية.. وبناء علي الظروف المحيطة بالموقف السياسي الإستراتيجي.. قررت تكليف القوات المسلحة بتنفيذ المهام الإستراتيجية الآتية :
1- إزالة الجمود العسكري الحالي بكسر وقف إطلاق النار اعتبارا من سعت 1400 من يوم السبت 6 أكتوبر عام 1973.
2- تكبيد العدو أكبر خسائر ممكنة في الأفراد والأسلحة والمعدات.
3- العمل علي تحرير الأرض المحتلة شرق قناة السويس علي مراحل متتالية حسب نمو وتطور إمكانيات وقدرات القوات المسلحة المصرية.
بند ثالث.. تنفيذ المهام السابقة بواسطة القوات المسلحة المصرية منفردة .. أو بالتعاون مع القوات المسلحة السورية..
"ب" في ذاك الصباح أيضا .. انتقل الرئيس السادات إلي قصر الطاهرة .. بعد تجهيزه كمركز عمليات لجانب المركز الرئيسي لوزارة الحربية الذي انتقل إليه كل القادة من صباح 1973/10/5 ولم يسمح بمغادرة أي ممن بداخله لخارجه.. أو اتصال من بداخله لأي من بخارجه .. ¢عدا الرئيس فقط¢.. واتصالات أجهزة المخابرات المشفرة..¢ والمستمرة بنبض ما يدور داخل إسرائيل¢..
"ج" مساء 5أكتوبرعام 73.. وبناء علي طلب عاجل من .. ¢جولدا مائير¢.. تم انعقاد مجلس الوزراء المصغر "مجلس حرب" وبعد استعراض الصور الجوية.. وجميع المعلومات عن تحركات القوات المصرية والسورية.. وإخلاء الرعايا السوفييت من البلدان مصر وسوريا .. قالت جولدا مائير .. ¢الأمر يؤكد أن مصر وسوريا سيقومان بعمل عسكري مشترك غير عادي¢.. كانت جولدا مائير في حالة قلق شديد .. وتم بحث الأمر من جميع جوانب احتمالاته.. وكان رأي قائد سلاح الجو الإسرائيلي هو القيام بضربة جوية إجهاضية.. ولكن كانت رؤية موشي ديان ويعضده فيها أجهزة المخابرات هو.. عدم القيام بالضربة.. وعدم الرضوخ لابتزاز المصريين لإسرائيل.. فما يحدث هو إلهاء سياسي من السادات والأسد لشعبهما.. وذلك لضعف موقفهما السياسي.. وهكذا انتهي الاجتماع الذي كانت أحداثه تنقل للقيادة المصرية في حينها.. وحينذاك.. علق السادات وقال.. ¢خلاص ..لم يعد بإمكانهم عمل شيء نخشاه¢.. ومع ذلك اتخذت القيادة العامة حذرها..
في مساء هذا اليوم .. ¢استدعت جولدا مائير .. موشي ديان إلي منزلها¢.. وأبدت له عدم ارتياحها لقرار المجلس.. فوعدها بالذهاب في الصباح إلي خط بارليف.. والتأكد بنفسه من الوضع المصري .. وأنه سيبلغها من هناك بما يري.. وفعلا نفذ وعده.. ورأي ما أرادت مصر أن يراه.. ¢فأبلغ جولدا مائير بأنه رأي أمواتا علي ضفة القناة الغربية¢.. ثم هنأ قواته بعيد .. ¢كيبور¢.. وتركهم في حالة استرخاء تامة.. بينما كانت قواتنا في أقصي درجات الاستعداد القتالي لاقتحام المانع المائي وتدمير خط بارليف والتمركز شرقا..!!
"د" يقول الرئيس السادات .. ¢ذهبت لأصلي الجمعة في تلك .. ¢الزاوية الصغيرة¢.. التي تعلمت فيها الصلاة منذ خمسين سنة.. وتعلمت فيها حفظ القرآن .. في قريتي ميت أبو الكوم محافظة المنوفية.. وهناك في رحاب الله.. وهدوء المكان .. شرد ذهني في أيام الطفولة .. والنقاء.. كنت في أعلي درجات السلام الروحي.. رغم ما كنت مقبلا عليه.. وكنت أرنو إلي الغد.. ¢موعد المعركة¢.. علي أنه مجرد يوم قدر الله لي أن أعيشه.. ولذلك دخلت المعركة دون أدني انفعال¢..
"25" بتاريخ يوم السبت 1973/10/6"السادس من أكتوبر عام 1973 الموافق العاشر من رمضان عام 1393هجرية" وفي تمام سعت 1300 "الواحدة ظهرا" دخل الرئيس محمد أنور السادات ومعه الوزير أحمد إسماعيل.. ¢مركز العمليات الرئيسي¢.. وأعيد غلق الباب خلفهم..
وبينما كان الحال السياسي والعسكري القتالي في مصر كذلك.. كانت جولدا مائير وباقي قيادات إسرائيل يحتفلون.. ¢بعيد كيبور.. عيد الغفران¢.. وكان الرئيس الأمريكي خارج البيت الأبيض في رحلة استجمام.. وكان وزير الخارجية الأمريكية في نيويورك لحضور اجتماعات الأمم المتحدة.. وكذلك د.محمد حسن الزيات وزير خارجية مصر بذات الاجتماعات يرفض ويشجب ويعترض علي عدوان وممارسات إسرائيل علي أرض سيناء المصرية..!!!
وحينما اقتربت سعت 1400 داخل مركز عمليات القوات المسلحة .. صدر أمر الرئيس لمجلس وزراء مصر بالاجتماع المستديم لحين أمر آخر.. والعمل علي سد أي إحتياج شعبي طاريء .. أو العمل الفوري بأي أمر رئاسي طاريء أيضا.. هذا دون أي تفسير لذلك..
ودقت الساعة المنتظرة.. ¢سعت 1405¢.. ¢الساعة الثانية وخمس دقائق ظهرا¢ ومع أول دقاتها وصلت المعلومات بعبور الطائرات خط قناة السويس "220 طائرة.. مائتان وعشرون طائرة" ما بين ميج 21 وميج 21 معدل "23" وسوخوي 7 وميج 17.. ثم الطائرات ال تي. يو "تبولوف" التي أرسلت صواريخها المجنحة الكبيرة.. إلي أهدافها .. وخاصة مركز قيادة.. أم خشيب.. ثم استدارت فورا عائدة إلي قواعدها "وأنا من الشهود علي ذلك" وقد استغرقت الضربة الجوية زمنا قدره.. عشرون دقيقة "20ق" وعادت جميع الطائرات سالمة.. ¢عدا خمس طائرات¢ .. إحداهم كانت طائرة .. ¢شقيق الرئيس النقيب عاطف السادات¢.. وبينما كانت المدفعية المصرية "حوالي 2000 مدفع.. ألفان" تدك خط بارليف وحقول ألغامه كبداية لقصفه استمرت ربع ساعة "15ق.. خمس عشرة دقيقة" حينها كانت طلائع القوات تبدأ عبور قناة السويس.. وحين رفع أول علم لمصر علي أول نقطة إسرائيلية حصينة.. قام السادات وهو يدعو بالتوفيق لكل من حوله وهو يقول لأحمد إسماعيل .. ¢أنا في مركز الطاهرة .. يا أحمد بلغني أولا بأول بالأخبار¢.. ثم غادر المركز الرئيسي.. وقد ذكرت بعض المعلومات أن الرئيس قد علم باستشهاد أخيه وهو بمركز العمليات..!!
والحمدلله رب العالمين.. أنني كنت هناك بالضفة الغربية للقناة وسط رجالي.. وقد ارتفعت رأسي للسماء ككل رءوس المقاتلين.. ونحن نكبر الله أكبر .. الله أكبر.. الله أكبر.. وأقسم أنها لم تكن كأي تكبيرات قيلت أو سمعت من قبل وحتي الآن "وقد رأينا الله أكبر قد كتبت في السماء بالدخان الصادر من قصف المدافع" .. لقد كانت قلوبنا تنبض بها قبل أفواهنا .. لقد كنا في حال ليس من أحوال الدنيا .. لا أدري له وصفا .. ¢إنني مشتاق إليه¢..
وإلي لقاء إن شاء الله.
ملاحظة هامة
الحمد لله أنني تذوقت طعم ذكر الله.. وطعم انتصار القتال فداء لمصر.. وأتمني أن أتذوق طعم الاستشهاد فداء للحق ومصر .. إن شاء الله ..أمين..
بقلم
اللواء/ محمود زاهر
مفكر سياسي إستراتيجي
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف