بسيارته إلي حيث المكان المشار إليه. التقاهم في طريق جانبي تم الاتفاق عليه مسبقا. وقام بتغيير لوحتي السيارتين: سيارة التنفيذ وسيارة الرصد التي كانت تتبعها.
وبعد أن انتهي أبو يوسف من مهمته. مضت السيارتان كل إلي حال سبيلها.
وبالقرب من إحدي فتحات الطريق الدائري بمنطقة التجمع الخامس تم إنزال محمد عفيفي الذي ركب سيارة ميكروباص من هناك لينزل في منطقة الحي العاشر بمدينة نصر. أما فهمي وكيمو فقد نزلا أيضًا واستقلا الميكروباص المتجه إلي منطقة الجيزة.
اتصل محمد عفيفي هاتفيًا بعضو التنظيم أنيس إبراهيم. حيث اتفقا علي
المقابلة في الحي العاشر. كان أنيس يعرف أن محسن والمجموعة ذهبوا لاغتيال أحد الضباط. إلا أنه لم يعرف اسم الضابط أو هويته. فقد انحسرت مهمته في توصيل محمد عفيفي إلي مدينة نصر يوم الحادث إلا أنه لم يشارك فيه.
وفي هذا الوقت كان محمد بكري قد اتجه بسيارته نحو منطقة التجمع الخامس. وكان أحمد عزت يتقدمه بمسافة لكشف الطريق ومعرفة الكمائن. حتي يتمكن من تحذيره في الوقت المناسب. خاصة أن السيارة كانت تحمل الأسلحة التي جري تنفيذ الحادث الإرهابي بها.
كان أحمد عزت يقود سيارته النيسان السوداء. وكان علي علم بأن العملية
استهدفت قتل المقدم محمد مبروك. فتم الاتفاق علي أن ينتظر المجموعة خلف مسجد السلام القريب من موقع الحادث حتي يتولي تأمين الطريق بالنسبة لهم.
وبعد أن قام محمد بكري بإنزال مَنْ معه. اتجه خلف أحمد عزت باتجاه طريق ميراج سيتي. وهناك في المسافة ما بين الرحاب والتجمع الأول بالقاهرة الجديدة تم ترك السيارة في مكان ليس ببعيد عن منزل أحمد عزت.
وبعد أن هبط طارق من السيارة. تولي جمع الأسلحة والفوارغ داخل إحدي
الشنط. وقام بوضعها في شنطة السيارة. وطلب من أحمد عزت أن يذهب إلي منزله وينتظر اتصالًا هاتفيًا منه في أي وقت.
وفي اليوم التالي سلَّم طارق السيارة بالأسلحة التي تحملها إلي أحمد عزت
حتي يقوم بإخفائها في فيلا أخري يمتلكها في التجمع الخامس. بينما ذهب هو إلي شقة كان قد استأجرها في إسكان الشباب بالتجمع الأول.
بعدها تلقي محمد بكري اتصالًا من محمد عفيفي يبلغه فيه بضرورة السفر إلي زعيم التنظيم "أبو عبدالله" في الإسماعيلية. حيث سيكون في انتظاره بعد أن يقوم أحد الأعضاء بتوصيله إلي المكان الذي يقيم فيه.
ركب محمد بكري السيارة الفيرنا الرمادي المملوكة لأحد الأعضاء ومرَّ
أثناء سفره علي مزرعة محمد فتحي الشاذلي بالقرب من مدينة العاشر» لكي يصطحبه أحد الأعضاء إلي المكان الذي يقيم فيه "أبو عبدالله" بالإسماعيلية.
وهناك التقي بشريف وياسر اللذين كان لهما دور في محاولة اغتيال وزير الداخلية محمد إبراهيم. وعاد بهما إلي منطقة التجمع الخامس حتي يدلَّهما علي منزل العميد هشام وهدان الذي يقطن في حي الياسمين. وكان مطلوبًا اغتياله أو خطفه» لمقايضته بالإفراج عن جميع النساء المنتميات للتيارالإسلامي.
وبعد أن تعرفوا علي الفيلا عادوا جميعًا مرة أخري إلي المزرعة. ثم سرعان ما توجهوا إلي مدينة الإسماعيلية لمقابلة "أبو عبدالله" وتسليمه شريط الفيديو الذي جري تصويره أثناء عملية اغتيال المقدم محمد مبروك.
***
كانت قوات الأمن قد وصلت إلي مكان الحادث. حيث أصابت الصدمة الكثيرَ من الضباط بعد أن رأوا زميلهم محمد مبروك صريعًا في سيارته. وسادت حالة من الحزن والذهول أبناء المنطقة الذين شاهدوا الحادث عن قرب. وكان أول من وصل إلي هناك هو زميله الضابط "عمرو مصطفي" الذي احتضن جثمانه وأشرف علي نقله إلي مستشفي الشرطة.
كان علي ناصية الشارع الذي وقعت فيه الحادثة كشكان. أحدهما كشك للفاكهة والآخر لبيع بعض المنتجات الغذائية. وقد رصد العاملون فيهما أوصاف السيارة. وأدلوا بشهاداتهم للجهات الأمنية المختصة التي سارعت إلي مكان الحادث..
تم تشكيل فريق أمني علي أعلي مستوي شاركت فيه عناصر من الأمن الوطني ومدير مباحث القاهرة ومدير الأمن العام» وبدأ هذا الفريق اجتماعه الأول باستعراض الحادث. والاحتمالات الواردة بشأنه.
كانت المعلومات الأولي قد تركزت حول أوصاف السيارة في ضوء أقوال الشهود. وخط سيرها في ضوء الكاميرات الموجودة ببعض الشوارع والميادين القريبة من الحادث. والتي تم افراغها.
قدَّم جهاز الأمن الوطني معلومات حول الأشخاص الذين تدور حولهم الشبهات من العناصر الإرهابية. وتم عرض الصور علي الشهود.
وقدم مدير الأمن العام قائمة بالسيارات المسروقة والأوصاف المطابقة للسيارة التي تم الإبلاغ عنها. وبعض أرقامها التي تم التقاطها من شهود الحادث.
بدأت المعلومات تتدفق من كافة الجهات الأمنية المعنية. بحث في كل مكان. مناظرة لمنطقة الحادث أكثر من مرة. فحص لأسماء مَنْ تدور حولهم الشبهات. الحصول علي إذن من نيابة أمن الدولة لمراقبة هواتفهم. ومحاولة التقاط أي مؤشرات تدلل علي المتورطين في ارتكاب الجريمة.
المحامي العام الأول لنيابة أمن الدولة العليا يعاين بنفسه مسرح الحادث. وفريق من النيابة يتولي رصد كل كبيرة وصغيرة. التحقيقات تبدأ بالاستماع إلي الشهود ورجال الأمن.
***
كانت والدة محمد مبروك تجلس في منزلها إلي جوار زوجها "المصاب بالشلل" وقد بدا عليها النعاس. طلب منها زوجها أن تخلد إلي النوم. وقبيل أن تتوجه إلي غرفتها. دق جرس الهاتف المحمول. وكان عبدالله خطَّاب عم ابنها وشقيق زوجها. يتحدث. لقد سألها عن نجلها محمد مبروك. صمتت الأم لبعض الوقت وسألته: وما المناسبة؟. فتلعثَّم في الكلام في بداية الأمر وقال لها وهو في حالة ارتباك: لقد أحببت أن أسألك عليه وفقط. هنا بادرته الأم: وهل سمعت شيئًا عن محمد؟ فلم يُجِبِ العم والتزم الصمت. ثم طلب منها أن تتصل به. فسألته: وهل حدث له مكروه؟. فقال لها: فقط اطمئني عليه.
شعرت الأم بأن هناك شيئًا ما لا يريد الإفصاح عنه. وأن هذا الاتصال ليس بريئًا. فقامت علي الفور بالاتصال بهاتف نجلها محمد. فردَّ عليها أحد الضباط. فبادرته بالطلب أن تحدِّث ابنها. فأجابها بقوله: حاضر يا ماما.
ولكن محمد مشغول وسيحدثك بعد قليل.
قالت الأم علي الفور: ابني مات. ابني مات. وسقطت مغشيًا عليها. بينما الأب "المشلول" في حالة ذهول وهستريا.
***
كانت وزارة الداخلية قد أصدرت في هذا الوقت بيانًا نعت فيه استشهاد المقدم محمد مبروك. فهزَّ النبأ أرجاء البلاد. خاصة بعد الكشف عن هويته ودوره في كشف جماعة الإخوان ومخططاتها. ساد الحزن العميق بين رجال الشرطة. خاصة زملاءه ومَنْ يعرفونه جيدًا.
عندما علمت زوجته باستشهاده. لم تصدق. أصابتها الصدمة. هرعت إلي الشارع. تصرخ صراخًا مكتومًا. كان الأبناء قد أوي كل منهم إلي غرفته للنوم. عرفت أنه تم نقل الجثمان إلي مستشفي الشرطة بمدينة نصر. شعرت بأن الحياة قد توقفت. سألت نفسها: ماذا ستقول لأبنائها؟ وكيف يستطيعون تحمل الخبر الصادم؟ وكيف ستمضي الحياة من بعد رحيل زوجها؟.
بعد قليل وصلت إلي المستشفي. كان الجسد مسجي في الثلاجة. ألقت بجسدها عليه. وكانت أم محمد مبروك قد انزوت في أحد أركان الصالة المواجهة للمشرحة في حالة انهيار شديد. وإغماءات تتكرر بين الحين والآخر. بينما تركت والده غائبًا عن الدنيا في منزله وكأنه لا يري أمامه سوي صورة ابنه.
ظلت الأم إلي جوار ابنها. صممت علي أن تبقي أمام الثلاجة التي تضم الجسد الطاهر. الدموع لا تفارقها. والصرخات المكتومة تكاد تذهب بحياتها. لقد فقدت كل شيء في هذه الحياة.
أما الزوجة فظلت حتي الصباح تُهذي بكلمات غير مفهومة. إنها ما زالت تحت وقع الصدمة. فالزوج كان بالنسبة لها كل شيء. وهي لا تصدق حتي الآن أنه فارقها إلي الأبد.
وقبيل شروق الشمس بقليل. كانت الأم قد قررت العودة لأبنائها حتي لا يفاجأوا بغيابها. لقد قررت إخفاء الخبر عنهم. حتي انتهاء امتحاناتهم.
مضت الأم إلي منزلها. عم عبده البواب يتقدم نحوها مطأطئَ الرأس. يسدي إليها بكلمات تخفف من حزنها. لكنها تتجه نحو الأسانسير وكأنها لا تسمع إلا صوته هو. ولا تري إلا صورته وحده فقط.
فتحت رشا الباب بهدوء. دخلت إلي الصالة. نظرت إلي صورة زوجها. لم تتمالك نفسها. وراحت تجهش بالبكاء. جففت دموعها. وتسللت إلي غرف أبنائها كما تفعل كل صباح. حتي يستعدوا للذهاب إلي مدرستهم في الأتوبيس الذي يتوقف في السادسة والنصف من صباح كل يوم أمام منزلهم.
ظنت زينة أن والدها مازال في سريره. بادرتها أمها بالقول إن والدها غادر في مهمة عمل إلي جنوب إفريقيا. وأنه سيعود خلال أيام قليلة. كان الخبر عاديًا بالنسبة لزينة. إلا أن زياد قال لوالدته: ولماذا لم ينتظر حتي نستيقظ ونقوم بتوديعه؟ لكن الأم بادرته بالقول إن والده قد غادر المنزل في الثالثة صباحًا. وانهمرت في البكاء. وعندما سألها الأبناء عن سر بكائها. قالت إنها تبكي بسبب غيابه المستمر عن منزله. فحاول الأبناء الثلاثة تهدئتها.
غادر الأبناء المنزل إلي مدرستهم بعد أن لحقوا بالباص المدرسي الذي جاء في موعده المحدد. نظر إليهم البواب. وأدرك أن الأم لم تبلغهم بالأمر فتحاشي الحديث معهم.
***
في ظهر يوم الإثنين الثامن عشر من نوفمبر أقيمت جنازة عسكرية بعد أداء صلاة الظهر من مسجد الشرطة بالدرَّاسة.. لقد تقدم الجنازة رئيس الوزراء حازم الببلاوي ووزير الداخلية محمد إبراهيم وعدد كبير من الوزراء وكبار المسئولين ورجال الجيش والشرطة والمواطنين.
كانت والدة محمد مبروك في حالة من الانهيار الشديد لا تصدق أن ابنها الوحيد قد فارقها إلي الأبد.. رشا تمسك بذراعها من ناحية. وقريبة لهم أمسكت بذراعها من الناحية الأخري.
كانت رشا تحاول أن تحبس دموعها. لكن الدموع لا تتوقف. كانت تنظر إلي المجهول. غير مصدقة. تتذكر زوجها في اللحظات الأخيرة. وهو يحتضنها ويغادر إلي خارج المنزل بسرعة. ليشتري الشيكولاتة لابنه زياد بعد أن تأخر عن موعده المعتاد في هذا اليوم.
لم تكن تعرف أن تلك هي المرة الأخيرة التي تلقي فيها زوجها. أمعنت النظر في النعش الذي يحمل الجثمان الملفوف بعلم مصر. وقد وُضع علي عربة مدفع. تجرُّها الخيول السوداء بينما تنطلق الهتافات "لا إله إلا الله. الإرهاب عدو الله".
تحرك الموكب الجنائزي ببطء علي أنغام الموسيقي العسكرية. بينما غاب عنه المقدم محمد عويس. بعد انتهاء مراسم الجنازة والدفن وتلقي العزاء عادت الأم والأب إلي منزلهما. وعادت رشا ومعها والدتها إلي منزلها. حاولت رشا أن تجفف دموعها قبيل الدخول إلي المصعد. بينما كان عم عبده البواب يبدو حزينًا. مطأطئ الرأس وهو يحاول أن يخفف من آلام الزوجة المكلومة.
تقدمت رشا نحو الباب. أخرجت مفتاحًا من حقيبتها. بدت كأنها مترددة في الدخول. كل جزء في شقتها يذكِّرها بحلم عمرها الذي اختُطف منها فجأة. نظرت إلي كرسي محدد في الصالون. وقالت لنفسها: هنا كان يجلس محمد. نظرت إلي المائدة وقالت: وهنا كان يتناول طعامه مع أبنائه. التفتت إلي صورته ودققت النظر في عينيه. كأنه يناجيها. انهمرت الدموع الساخنة من عينيها. القت بجسدها علي الكرسي ودفنت وجهها بين يديها.
تقدمت نحوها والدتها. حاولت أن تخفف عنها. لكنها فشلت. فالجرح كان عميقًا. والمصاب كان جللاً.
***
وصل الأتوبيس القادم من المدرسة إلي العمارة. هبط الأبناء الثلاثة "زينة ومايا وزياد". اتجهوا إلي بواب العمارة الذي كان يجلس حزينًا. ألقوا عليه السلام. قال لهم: شدوا حيلكوا يا ولاد. أبوكوا كان راجل.. لفتت الكلمات انتباه زينة. تقدمت نحوه ببطء شديد وقالت بلغة يبدو فيها القلق والدهشة: فيه إيه يا عم عبده؟
أدرك عم عبده أنه قد تورط في إبلاغ الأبناء. حاول إصلاح الموقف. لكن زينة أدركت المعني. مضت مسرعة وخلفها مايا وزياد. صرخت دون أن تدري: بابا.. بابا.. انهمرت الدموع من عينَيْ زياد. تلعثمت الكلمات. أصيبت مايا بحالة من الصمت والذهول. بسرعة البرق. هرعوا إلي المصعد. وفي دقائق. كانوا أمام باب شقتهم ضغطت زينة علي جرس الباب بشكل متواصل. فتحت الأم. قالت زينة وقد أصابتها حالة انهيار:
- باب فين يا ماما.. بابا فين؟
قالت مايا: باب مات يا ماما.. بابا مات.
صرخ زياد بكل قوة: يا حبيبي يا بابا.. ليه.. ليه؟
أسند جسده علي الحائط المجاور باكيًا بحرقة شديدة.
- قالت زينة "مناشدة": ماما.. قوليلي.. حصل إيه؟!
- توجهت إلي جدتها
- قوليلي يا نينة.. بابا مات..
تتقدم رشا ببطء محتضنة أولادها الثلاثة. تخاطبهم باكية:
- كفاية يا ولاد.. كفاية. أبوكم مات بطل. أبوكم شهيد..
يطلق الجميع في صوت واحد صرخات متناثرة: بابا.. يا حبيبي يا بابا.. حرام والله حرام.. ليه.. ليه؟
يتقدم نحوها زياد متوسلًا:
- مين قتله.. مين.. وليه قتلوا بابا؟.
تحاول رشا أن تتماسك. لكن قوتها تنهار أمام صرخات الأبناء. وتهرع سريعًا إلي غرفة نومها وكأنها تستعيد ذكرياتها. تمسك بصورة الزفاف التي ضمَّتها معه. تبدو وكأنها تناجيه بالعودة من جديد. تلقي بجسدها المنهك علي السرير وتمسك بالوسادة وكأنها تحتضنه. بينما نحيب الأولاد يكاد يخرق أذنيها..
***
وفي منزل والديه كان الموقف لا يقل صعوبة. تقدمت الأم نحو الأب الغارق في أحزانه وقالت: "ربنا عاوز كده. محمد شهيد.. شهيد من أجل مصر".
الأب ينظر إليها. تمسح الأم دموعه وتقول: بكره نروح له يتشفع لنا. محمد في الجنة يا حاج..يضع يده علي وجهها. يحاول مسح دموعها ويقول: فاكرة لما كان عريس. فاكرة كنت فرحانة إزاي. فاكرة قلتي إيه. تغمض الأم عينيها. تتذكر نجلها الوحيد محمد. وهو في كوشة الفرح. ليلة زواجه من رشا. كان محمد فرحًا. سعيدًا. صمم علي التقاط أكبر قدر من الصور مع والدته ووالده. كان يقول لأمه دومًا: أنا عايش بدعاكم يا أمي..تتلاشي صورة محمد من أمام وجهها تدريجيًا. تتغير ملامح وجهها. تدفع بكرسي زوجها إلي البلكونة. تقول في لهفة: عاوزة أشم هوا يا حاج. حاسة أني مخنوقة. يدخلان إلي البلكونة. ينظران إلي السماء. يطل وجه محمد من جوف الغيوم الملبدة. وكأنه يقول لهما: لا تقلقان فأنا هنا. حيث الحياة الأبدية. وحيث الراحة النفسية.
****
كان الحزن يخيم علي زملائه في جهاز الأمن الوطني. كان رهانهم علي الوصول للقتلة هو التحدي الأكبر. كانوا يربطون الليل بالنهار. يستجوبون العديد من الإرهابيين. للوصول إلي حقيقة ما جري. كانوا يتذكرون خفة ظله. وقدرته الفائقة علي العمل المتواصل. وحب زملائه ورؤسائه له. لقد شعروا الآن بأنهم فقدوا قيمة كبيرة وشخصية متميزة. لكنهم كانوا يدركون أن محمد مبروك كان مستهدفًا. ومع ذلك لم يتطرق الخوف إلي قلبه في أي يوم من الأيام. كانت كل المعلومات الأولية تشير إلي تنظيم أنصار بيت المقدس وتحمله مسئولية الحادث. وكان الجميع يأمل في الوصول للقتلة قبل أن يعلن التنظيم مسئوليته.
كان محمد بكري قد انهي لقاءه مع زعيم التنظيم "أبو عبدالله" بعد أن سلمه فيديو عملية الاغتيال. لقد طلب "أبو عبدالله" من الضابط المفصول المكني "شريف" أن يصطحب المجموعة للتنسيق معهم عن أحد أعضاء التنظيم بالإسماعيلية.
قام محمد بكري بقيادة السيارة "الفيرنا" وإلي جواره المكني "ياسر" ومعه كلاشينكوف وخزنتين وخلف ياسر جلس الضابط المفصول "شريف" ومعه أيضًا كلاشينكوف وخزنتين قصدوا جميعًا أحد الطرق الزراعية البعيدة عن رقابة الأمن وبعد أن دخلوا إلي عمق الشارع فوجئوا بمدرعتين للقوات المسلحة تراقبان علي جانبي الطريق الزراعي..
كان محمد بكري يظن أن المدرعتين ستتحركان عبر الطريق فشاور لهما بالمرور. فإذا بضابط جيش ينزل من إحدي المدرعتين وحوله عدد من الجنود. وقام بشد أجزاء السلاح الذي كان بحوزته. فحاولت سيارة الإرهابيين الهروب عبر العودة من نفس الطريق. فأطلق الضابط الرصاص علي السيارة بعد أن شعر أن بداخلها عناصر إرهابية. وعلي الفور قام ياسر وشريف بإطلاق الرصاص من أسلحة الكلاشينكوف بشكل عشوائي حتي تتمكن سيارتهم من الهروب. غير أن قوات الجيش أصابت السيارة بطلقات من الرصاص.
حاول الإرهابيون الهروب سريعًا. إلا أن السيارة توقفت بهم فجأة بعد أن ابتعدوا عن المدرعتين. تركوا السيارة وأسرعوا في وسط المزارع. وغابوا عن أعين رجال الجيش الذين عثروا علي السيارة وتوصلوا إلي اسم صاحبها الأصلي ويدعي أسامة وكنيته "سامح" مما استدعي من "أبو عبدالله" تنحيته عن العمل التنظيمي بعد ذلك.
***
كان رجال جهاز الأمن الوطني في سباق مع الزمن. لقد توصلوا إلي خيوط حتمًا ستؤدي إلي الإيقاع بالقتلة. لقد جري تحديد هوية السيارة التي استقلها الإرهابيون في تنفيذ الحادث.
بدأت عمليات الفحص والمتابعة. ومن خلال التحقيقات التي أجرتها الجهات الأمنية مع بعض المقبوض عليهم وبعض المحبوسين علي ذمة عدد من القضايا. تم التوصل إلي بعض المتورطين في ارتكاب الجريمة..
كان أحمد عزت شعبان "أبو يوسف" الشاب الثري واحدًا من أبرز هؤلاء. كان أحمد عزت هو الذي يتولي تقديم الدعم المالي للعمليات الإرهابية التي تنفذها هذه المجموعة. وكان يقوم أيضًا بتهريب الأسلحة وتخزينها في فيلته في الرحاب..
وكان أحمد عزت شاباً عادياً. يذهب إلي المقاهي والكافيهات. ويشرب الشيشة ويجالس السيدات. ولم يكن يظهر عليه أي مظهر يؤكد أنه ينتمي إلي جماعة إرهابية.
كان يركب دومًا سيارات أحدث موديل. ويقضي الصيف مع زوجته وولديه في منتجعات خارج البلاد أو في مارينا. حيث يمتلك فيلا هناك.
وكانت زوجته متحررة. ترتدي أحدث الملابس وسيدة مجتمع من الدرجة الأولي. لها معارفها وصديقاتها وتشارك في الحفلات وأعياد الميلاد والمناسبات العامة. ولم تكن أبدًا متزمتة أو متطرفة بأي حال من الأحوال.
باختصار لا أحد يستطيع أن يتخيل في هذا الوقت ولو للحظة أن أحمد عزت شعبان هو أحد أبرز الإرهابيين الذين شاركوا في قتل المقدم محمد مبروك وبعض الأحداث الإرهابية الأخري.
بدأ رجال الأمن التحري حول مسكنه. حصلوا علي إذن من نيابة أمن الدولة العليا بمتابعته والقبض عليه. توصلوا عبر التنصت علي هاتفه إلي معلومات مهمة وخطيرة.
لم يكن أحمد عزت شعبان يتصور أن جهات الأمن قد توصلت إلي معلومات تكشف عن دوره. كان تحركاته محدودة. ولم يكن معروفًا إلا لقلة من قيادات التنظيم.
لقد كشفت التحريات أن أحمد عزت شعبان يسكن في فيلا ضخمة بمدينة الرحاب بالقاهرة الجديدة. كما أنه يمتلك فيلا أخري في التجمع الخامس..
تم إرسال عدد من رجال الأمن السريين لمراقبة مسكنه عرفوا في البداية أنه قد سافر إلي منتجع "مارينا" بعد الحادث ثم سرعان ما عاد من هناك.. وكانت زوجته قد لاحظت قلقه الشديد وتوتره بعد الحادث. فسألته عن السبب. فقال لها: إن أعصابه متوترة فنصحته بالسفر إلي مارينا لقضاء بعض الوقت. فاستمع إلي نصيحتها وغادر علي الفور.
تلقي أحمد عزت اتصالاً تليفونيًا من محمد السيد منصور "أبو عبيدة" بالعودة إلي القاهرة لتسليم البضاعة. وكان يقصد الأسلحة. فعاد علي الفور ليقوم بالمهمة المطلوبة منه..
وفي يوم الجمعة التاسع والعشرين من نوفمبر 2013 أي بعد اثني عشر يومًا علي الحادث. كانت قوات الأمن تزحف في هدوء وتحاصر الفيلا.. كان هناك العشرات من الضباط ورجال الأمن المركزي والعربات المدرعة تحاصر الفيلا من كل اتجاه..
أسرعت الزوجة إلي زوجها تبلغه بأن هناك قوات أمن ضخمة تحاصر الفيلا..انتفض أحمد عزت من نومه. قام علي الفور بفتح دولاب داخل غرفته. أخرج رشاشًا وذهب يتسلل لينظر من خلف ستار متابعًا القوات التي زحفت إلي منزله.. عاد أحمد عزت إلي الدولاب مرة أخري. أخري عدة خزن من الرصاص وراح يأخذ لنفسه ساترًا خلف أحد المنافذ.
أدركت الزوجة خطورة الموقف. أصيبت بحالة من الذهول. لقد اكتشفت فجأة أن زوجها خارج علي القانون. الآن بدأت تفسر سر غيابه وسر تردد بعض الضيوف عليه. وأسباب توتره خلال الأيام الماضية.
نودي علي المتهم بالاستسلام من خلال مكبرات الصوت بعد أن بادرهم بدفعة من رصاص الرشاش الذي يمسك به. كان يقود الحملة ضابط برتبة لواء. ردد الضابط الكبير النداء مرة أخري. لكن أحمد عزت رد بإطلاق الرصاص.
كانت الزوجة تصرخ عندما بدأت قوات الأمن في إطلاق الرصاص التحذيري. بينما كان الطفلان ينتحيان في أحد جوانب الفيلا في حالة رعب وبكاء شديدين.
طلبت الزوجة من زوجها الاستسلام. فرفض بكل إصرار. وكادت تبوس علي قدميه أن ينقذ نفسه وينقذ الأسرة. خاصة بعد أن سددت قوات الأمن ضربات متلاحقة كادت تصيب الزوجة. لكن أحمد عزت رفض ذلك بكل شدة.
كررت الزوجة طلبها. لم تجد أذانًا صاغية من زوجها. قالت له فليتركها هي وطفليها للخروج خوفًا علي حياتهم. لكنه أمسك بهم وقال: أي أحد هيتحرك سأطلق عليه الرصاص.
كانت التعليمات الأمنية تقضي بالحرص علي حياة الزوجة والطفلين. والإبقاء علي الحصار لحين استسلام المتهم. الذي يتخذ من زوجته وطفليه دروعًا للحماية.
ظل إطلاق الرصاص متبادلًا بين أحمد عزت وقوات الأمن المحاصرة. بدأت قوات الأمن تضيق الخناق. حاصرت المتهم من كل اتجاه. بعد أن شعر بالإنهاك وأمام إلحاح زوجته وطفليه. اضطر أن يعلن أنه قد قبل بالاستسلام ويطلب الأمان. القي بسلاحه رافعًا يديه. تم اقتياده إلي إحدي سيارات الشرطة التي توجهت به علي الفور إلي مبني جهاز الأمن الوطني في مدينة نصر.
دخلت القوات إلي الفيلا. تم سؤال زوجته. قام الضباط والجنود بتفتيش الفيلا. عثروا علي أسلحة عديدة ومتنوعة. قاموا بتحريزها علي الفور. وكان معهم أحد رؤساء نيابة أمن الدولة العليا الذي سجل كل ما تم العثور عليه في محضر التحقيق.
****
مضت سيارة الشرطة وسط حراسة أمنية مشددة إلي مبني الأمن الوطني بمدينة نصر. بينما تم إلباس الإرهابي بالقيد الحديدي في معصمه.
كان أحمد عزت يبدو عليه الإنهاك الشديد. كان مذهولًا. زائغ العينين. يهذي بكلمات غير مفهومة. يحذر من المساس بزوجته وطفليه. ويقول لمرافقيه أنه مستعد للإدلاء بكل المعلومات شريطة ألا يقترب منه أحد.
بمجرد وصول سيارات الشرطة إلي مبني الأمن الوطني بمدينة نصر. قام عدد من الضباط باصطحابه إلي غرفة واسعة بالدور الثالث. وتم التحقيق معه استعدادًا لعرضه علي نيابة أمن الدولة العليا في اليوم التالي.
طلب أحمد عزت كوبًا من الشاي. والسماح له بتدخين سيجارة. فتم الإذن له. كان السؤال الأساسي الموجه له. نريد أن نعرف منك كل شيء. احكي لنا بالتفصيل. أشعل ضابط كبير عود كبريت. وقدم السيجارة إلي المتهم. وقال له:
لو كنت صادقًا احكي لي كل شيء. ولو كذبت فلن نثق فيك.
أمسك أحمد عزت بالسيجارة. أخذ نفسًا عميقًا. وارتشف بعضًا من الشاي الذي قدم إليه وراح يحكي حكايته مع التنظيم ودوره في عملية اغتيال محمد مبروك واعترف تفصيليًا عن الأسلحة المكدسة في فيلا التجمع الخامس والأسماء التي شاركت في تنفيذ عملية الاغتيال. وقال إن السيارتين اللتين جري بهما تنفيذ عملية اغتيال محمد مبروك موجودتان في فيلا التجمع الخامس..
كانت المفاجأة المدوية التي القي بها أحمد عزت في وجه الحاضرين عندما كشف دور المقدم محمد عويس والذي كان قد انتقل من وحدة الوايلي للمرور إلي رئاسة وحدة القطامية في هذا الوقت في عملية الاغتيال.
قال أحد الحاضرين من الضباط مبادرًا: كيف ذلك والمقدم عويس صديق المقدم مبروك. وكان موجودًا في جنازته وعزائه..
روي أحمد عزت تفاصيل تجنيد التنظيم لمحمد عويس واللقاءات التي جرت
بينهما. وكيف ساعدهم في تقديم المعلومات الكافية من واقع سجلات المرور عن عدد من الضباط. كان في مقدمتهم وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم والمقدم محمد مبروك.
سأله أحد الضباط: وماذا يدعوه لفعل كل ذلك؟
قال أحمد عزت بكل ثقة: لقد كان عضوًا في التنظيم. ولكننا ساعدناه وقدمت له أنا شخصيًا حوالي 2 مليون جنيه اشتري بها فيلا في التجمع الخامس.
راجع أحد الضباط الفنيين هاتف أحمد عزت عثر بالفعل علي رسالة من المقدم محمد عويس إلي أحمد عزت عندما سافر الأخير إلي مارينا في أعقاب حادث الاغتيال. قال له فيها: "الاتفاق اللي بينا مكانش كده. متروحش مكان بعيد. وعيش حياتك طبيعي". وقال إنه بمجرد أن جاءته هذه الرسالة. إضافة إلي طلب آخر من "أبو عبيدة" قرر العودة فورًا إلي الفيلا الخاصة به في الرحاب. وقام بالتخلص من سيارة زجاجها مكسور. أبعدها من فيلا الرحاب إلي فيلا خاصة به في التجمع الخامس.
حصل فريق المحققين الأمنيين علي إذن من نيابة أمن الدولة بمراقبة هاتف المقدم محمد عويس. والقبض عليه..
ظلت المراقبة لعدة أيام. تأكد لرجال الأمن صحة أقوال أحمد عزت. ثم سرعان ما ألقوا القبض عليه في الشارع مساء يوم الجمعة. في البداية حاول الإنكار. وقال كيف أخون صديقي. وعندما تم مواجهته بأقوال أحمد عزت. انهار واعترف بكل شيء.. كانت زوجته قد فوجئت باختفائه. يبدو أنها كانت علي يقين أنه تم القبض عليه بواسطة الجهات الأمنية. وفي صباح السبت كانت الزوجة تكتب علي صفحتها علي "الفيس بوك" تقول: "السلام عليكم. أنا زوجة المقدم محمد عويس. أريد أن أبلغكم أن زوجي قد اختفي. ولا أعرف عنه شيئًا منذ مساء الجمعة. وترك بنته وأسرته. ولا أعرف عنه أية أخبار حتي الآن. أرجو المساعدة. وإبلاغي بكل المعلومات عن سبب اختفائه".
في هذا الوقت رد عليها أحد أعضاء جماعة الإخوان علي صفحتها قائلًا: "المقدم محمد عويس أحد الضباط الشرفاء تم اعتقاله مساء الجمعة من قبل جهاز الأمن الوطني بسبب ميوله الإسلامية. رغم عدم انتمائه لأي فصيل سياسي".
كان المقدم محمد عويس يخضع في هذا الوقت للتحقيق أمام نيابة أمن الدولة العليا. التي أصدرت قرارًا بحبسه أربعة أيام علي ذمة التحقيق. وقد قدم اعترافات كاملة ساعدت الجهات المعنية علي التوصل إلي أسماء آخرين من الذين تورطوا في ارتكاب هذه الجريمة.
عندما سمعت الزوجة رشا أن المقدم محمد عويس -صديق الأسرة- هو الذي أوشي بزوجها محمد مبروك لم تصدق ذلك في بداية الأمر. لقد كانت شاهدًا علي علاقتهما. وكانت هي أيضًا صديقة لزوجته وأولادها أصدقاء لأولاده. يتبادلون الزيارات. ويسافرون سويًا لقضاء الإجازات.
وكانت الصدمة عاتية أيضًا علي والدي محمد مبروك. فقد كانا يعرفان حجم العلاقة التي تربط بين نجلهما وبين المقدم محمد عويس كانت الأحداث في هذا الوقت تتوالي في البلاد. وكانت جماعة الإخوان تصدر البيانات التحريضية وتسعي إلي تفعيل التظاهرات بهدف إسقاط نظام ثورة 30 يونية..
خيم الحزن علي أسرة محمد مبروك وهي تستمع إلي هذه الأنباء. لقد ترك مبروك فراغًا كبيرًا. لا يمكن لأحد أن يملأه في الدنيا. كان الأبناء يشعرون بالألم. ولكنهم كانوا أيضًا يشعرون بالفخار..كان زياد يتحدث عن والده بفخر كبير. كان يحكي لزملائه بطولات والده.وإيمانه بدوره. وكان يقول دومًا أنه سيلتحق بكلية الشرطة ليخلد ذكري والده وليثأر له وللوطن كله من الإرهابيين.. كانت والدة محمد مبروك تتألم كثيرًا. لقد ازداد عليها المرض واشتد. لقد بعثت برسالة إلي الرئيس عدلي منصور تسأله فيها متي سيتم الثأر لابنها. حتي يهدأ بالها وتعرف الطريق إلي النوم.
تكررت الأحداث في مصر. وقد جاء حادث تفجير مديرية أمن القاهرة بسيارة ملغومة في 24 يناير 2014. ليساعد في الوصول إلي محمد السيد منصور "أبو عبيدة" وهو عضو مجلس شوري تنظيم أنصار بيت المقدس- خارج سيناء- والمسئول الأول عن تأسيس خلية المطرية. والتي كان لها دورها الرئيس في تفجير مديرية أمن القاهرة واغتيال المقدم محمد مبروك..
توصلت جهات الأمن في هذا الوقت إلي معلومات دامغة حول الشقة التي يسكنها "أبو عبيدة" في منطقة عين شمس وهي الشقة التي سبق وأن استقبل فيها محمد عفيفي في عام 2011. عندما سلمه سلاح كلاشينكوف في هذا الوقت.
تم إعداد مأمورية أمنية للقبض علي "أبو عبيدة" رجال أمنيون تخفوا في ملابس مدنية. انتظروه بالقرب من شقته. كانت لديهم معلومات بأنه سيلتقي بعض أعضاء التنظيم في إحدي الحدائق المجاورة.
نزل أبو عبيدة من منزله اتجه نحو شارع جانبي. ثم توجه إلي إحدي الحدائق المجاورة. اقترب عدد من رجال الأمن منه للقبض عليه. أسرع للهروب منهم. ثم بادرهم علي الفور بإطلاق الرصاص عليهم. لكن رجال الأمن أسرعوا بإطلاق الرصاص عليه. فسقط صريعًا في الحادي عشر من شهر مارس 2014.
أحدث موت "أبو عبيدة" ردود فعل قوية داخل التنظيم. صدرت التكليفات من "أبو عبدالله" بضرورة الإعداد لما أسماه بغزوة "أبو عبيدة" انتقامًا لمصرعه.
تحركت مجموعة إرهابية مكونة من أربعة أفراد. أطلق أحدهم قنبلة صوت أمام كمين الشرطة العسكرية بمسطرد في الخامسة من صباح السبت 15 مارس 2014. خرج أفراد الكمين لاستطلاع الأمر. فكانت رصاصات الغدر والخيانة في انتظارهم. حيث قام ملثمون يحملون الأسلحة الآلية بإمطارهم بوابل من الرصاص. فسقط ستة شهداء في الحال من الجنود. بينما كان أحدهم يقوم بتصوير الحادث الإرهابي لقد تمكن القتلة من الهروب. بينما أصيب الرأي العام بصدمة كبري. تحركت قوات الشرطة العسكرية جنبًا إلي جنب مع قوات الأمن. التحريات دللت أن المسئولين عن العمل الإرهابي هم أنفسهم قتلة المقدم محمد مبروك.. وخلال أربعة أيام فقط. وتحديدًا في التاسع عشر من مارس 2014. كانت التفاصيل الكاملة عن الإرهابيين وأماكن هروبهم أمام الجهات الأمنية والعسكرية. وبعد تحديد هويتهم. تم مداهمة قرية عرب شركس الواقعة بالقناطر الخيرية بمحافظة القليوبية. وعلي الفور بادرت القوات باقتحام مقرالإرهابيين الذين كانوا يختبئون في إحدي ورش الأخشاب. أطلق الإرهابيون الرصاص فبادلتهم القوات. وتم قتل ستة من أعضاء التنظيم وضبط ثمانية آخرين بعد ست ساعات متواصلة من إطلاق الرصاص بين القوات وأعضاء التنظيم.
كان الإرهابيون يمتلكون أسلحة متقدمة وقنابل حارقة وقد تمكنوا خلال العملية من قتل العميد ماجد أحمد إبراهيم الذي سقط شهيدًا علي الفور. وفي الثانية عشرة من ظهر نفس اليوم استشهد ضابط الجيش المتخصص في تفكيك العبوات الناسفة العقيد ماجد أحمد كامل. بينما تم إصابة آخرين من أفراد الحملة الأمنية والمواطنين.. تم نقل المتهمين إلي الجهات المسئولة للتحقيق. اعترفوا بالتفصيل عن الحوادث والجرائم التي ارتكبوها في الفترة السابقة. وكان من بين المتهمين محمد عفيفي ومحمد بكري.. وعلي مدار ست جلسات عقدت بالمحكمة العسكرية بالهايكستب. استمعت المحكمة ابتداء من مايو حتي أغسطس 2014 إلي الشهود والدفاع والأقوال. ثم أصدرت حكمها في 10 أكتوبر 2014 بإحالة أوراق ستة متهمين إلي المفتي والسجن المؤبد لاثنين آخرين.
أبدي المفتي الموافقة علي إعدام القتلة في 21 أكتوبر 2014 وجري تنفيذ الحكم في 17 مايو 2015 في ستة من القتلة كان من بينهم محمد عفيفي ومحمد بكري اللذين انهارا أثناء تنفيذ الحكم ولم يقويا علي الوقوف علي أقدامهما.
****
عندما انتشر الخبر. سادت حالة من الارتياح في الشارع المصري. توجهت والدة محمد مبروك إلي البلكونة ترفع علم مصر مهللة. وقامت بأداء صلاة شكر. جنبًا إلي جنب مع زوجها. الذي راحت الدموع تنهمر من عينيه.. وفي اليوم التالي كانت رشا زوجة محمد مبروك تحتضن أبناءها وهي تقول لهم: الحمد لله ربنا انتقم. وعلي الفور مضت معهم لزيارة قبر والدهم وقراءة الفاتحة هناك.
كان زياد الطفل الصغير. قد صمم علي أن يرتدي البدلة العسكرية. وبمجرد وصوله إلي المقبرة مع أسرته أدي التحية لوالده. ووقف أمام والدته وشقيقتيه ليقول: "أنا هعمل بوصيتك يا بابا وأطلع ضابط عشان أخد بتار مصر كلها".
نظرت الأم إلي أبنائها الثلاثة بحنان. أخذتهم في حضنها. انهمرت من عينيها الدموع. جاءها صوت محمد مبروك يدوي في أذنيها.. بلاش تحزنوا يا رشا. بلاش يا ولاد.. أرواحنا كلها فداء لمصر.. يتراجع الصوت تدريجيًا.. فداء لمصر.. فداء لمصر!!