الإعلام مرآة المجتمع، ومن خلاله يشاهدنا العالم سلباً وإيجاباً، وله دور كبير فى استقرار الدولة أو زعزعة استقرارها وفى تحسين صورتها، وبالتالى تدفق الاستثمار والسياحة إليها والعكس. والمشهد الإعلامى فى مصر حالياً غير منضبط وضرره أكبر من نفعه، ليس فقط بسبب العاملين فيه، ولكن أيضاً الدولة تسببت فى فقدان الإعلام لمصداقيته، سواء بقصد أو بدون قصد، فأحياناً تشيطنه ثم تستخدمه فى الدفاع والهجوم وقول الرأى ونقيضه وتمنع عنه أو تمنحه المعلومات، كل هذا يحدث فى وقت واحد دون وجود رؤية حقيقية للدور المطلوب منه.
أنا مدرك تماماً أنه بعد الثورات، وفى فترات الحكم الانتقالية، تكون الصورة ضبابية والأوضاع غير مستقرة، وبالتالى تحدث أخطاء وسلبيات كثيرة، هكذا تقول تجارب الدول التى شهدت نفس ظروفنا.
ولن أتحدث هنا عن الإعلام والمواقف السياسية لأنها أصبحت منطقة شائكة وفيها آراء كثيرة متناقضة، ولكن تعالوا نتناول دور الإعلام فى مكافحة الفساد، وهو دور مهم وأصيل، بل إنه من أهم أسلحة الدولة فى مكافحة الفساد والقضاء عليه.
يجب الاعتراف بأن هناك تراجعاً فى تناول وسائل الإعلام (المرئية والمسموعة والمقروءة) لقضايا الفساد، بل وصل الحال إلى درجة الخوف من انتقاد صغار الموظفين فى الدولة، وأصبح الأمر مقصوراً فقط على إذاعة البيانات الصادرة عن الرقابة الإدارية والقضايا التى تضبطها، ووظيفة الإعلام هنا مجرد رد فعل بعد أن كان مفجراً لأهم القضايا وملفات الفساد ومساعداً للأجهزة الرقابية فى أداء عملها، وأعتقد أنه ليس توجهاً من الدولة فى تحجيم الإعلام بشأن قضايا الفساد، بل هو رقابة ذاتية من المسئولين عنه والعاملين فيه وأصحاب القنوات والصحف.
ما هى خطورة عدم وجود منابر إعلامية تتناول قضايا الفساد ومكافحته؟
الخطورة أن كثيراً من المسئولين لم يعودوا يعبأون بوسائل الإعلام، وهى وسيلة رقابية مهمة جداً كانت تُعتبر سلطة رابعة، كما أن المواطنين فقدوا منابر شرعية كانوا يلجأون إليها لتقديم مظالمهم وشكاواهم حتى لو لم يُستجَب لهم، يكفيهم التعبير عن أنفسهم وتفريغ طاقة غضبهم فى الكلام للإعلام.
وأيضاً من خطورة تجاهل وسائل الإعلام لقضايا الفساد ومظالم المواطنين اضطرار بعضهم إلى أخذ حقه بيده أو نشره على مواقع التواصل الاجتماعى أو اللجوء إلى وسائل الإعلام المعادية لمصر التى تبث سمومها علينا وتسعى إلى هدم استقرارنا واستغلال هذه الشكاوى فى إثارة البلبلة ونشر الشائعات فى المجتمع.
النقد البنّاء يساعد المسئولين والأجهزة فى مكافحة الفساد وتصحيح المسار، ولكن للأسف الشديد بعض الوزراء أصبحوا يغضبون من ذلك ومن مجرد النصيحة، مع العلم بأن الرئيس السيسى لديه الإرادة الحقيقية لمكافحة الفساد لأنه تحد وعائق أمام كل جهود الإصلاح والتنمية، كما أن الرقابة الإدارية نشاطها حالياً ملء السمع والبصر وتحارب على كل الجبهات فى مكافحة الفساد وتذليل عقبات الاستثمار وتحسين الخدمات ومراجعة المشروعات، ولكن الحرب على الفساد مسئولية الجميع، والإعلام من أهم الأسلحة فى هذه الحرب، ولذلك يجب فتح منابر للمواطنين للتعبير عن مظالمهم والتنفيس عما بداخلهم حتى لا ينفجروا، وأيضاً إعطاء مساحة أكبر لوسائل الإعلام فى تناول قضايا الفساد وكشفها حتى يعلم المسئول أنه مراقب فيعمل بإخلاص وضمير ويتجنب الانحراف خوفاً من الفضيحة.
المواطنون حالياً لديهم شعور بأن هناك تعليمات للإعلام بعدم تناول قضايا الفساد وللبرلمان بعدم القيام بدوره الرقابى (ثلاث سنوات بدون استجواب واحد)، وهذا غير حقيقى، فالقيادة السياسية جادة فى اجتثاث الفساد من جذوره، ولكن المشكلة أن بعض المسئولين «حافظين مش فاهمين» ولا يفرقون بين النقد البنّاء والقذف والسب.