الوطن
د. محمود خليل
«شر قد اقترب»
الأحداث التى تشهدها المنطقة حالياً تُنذر بدخولها منعطفاً خطيراً. إنها ببساطة الحرب التى تلوح نذرها فى الأفق، بدءاً من إعلان «الحريرى» الاستقالة من رئاسة الحكومة اللبنانية من «الرياض»، ثم الصاروخ الباليستى الذى أطلق من اليمن على مطار الرياض، بعد ساعات قليلة من استقالة «الحريرى»، ثم التصريحات التى أكد فيها ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان أن الصاروخ صُنع فى إيران، وأُطلق من طرف الحوثيين، بأيدى كوادر حزب الله اللبنانى، واعتبر إطلاق الصاروخ عملاً من أعمال الحرب، ونهاية بإسرائيل التى لن تكون بعيداً عن المشهد المتوقّع أن تسقط المنطقة فى براثنه قريباً.

كل شىء وارد بالطبع، وقد يتم احتواء الأمر، قبل اندلاع شرارة الحرب، لكن ذلك يحتاج إلى معجزة حقيقية، وهى معجزة يحول بينها حائلان، أولهما الافتقار إلى الحسابات السياسية الدقيقة، وثانيهما تحرك عدد من اللاعبين الذين يُشبهون «السماسرة» على مستوى المنطقة. الدقة فى الحسابات السياسية غابت عن القرار الذى اتخذته «المملكة»، حين قررت الدخول فى المستنقع اليمنى، بمزاملة الإمارات، من خلال العملية التى أطلق عليها «عاصفة الحزم»، وأعقبتها عملية «إعادة الأمل». يبدو أن الطرفين السعودى والإماراتى لم يُقدّرا الدعم الذى سيحصل عليه الحوثيون (الشيعة) من إيران وحزب الله، وأن الطرفين الأخيرين يبحثان عن فرصة لتحزيم «المملكة» من كل الاتجاهات. هل يمكننا القول إن وجود لاعبين -فى سن الشباب- داخل مطابخ صناعة القرار بالمنطقة يُقدّم تفسيراً لغياب الحكمة والحسابات عن القرارات؟ قد يكون. فمن يستمع إلى شباب الحكام داخل المنطقة العربية هذه الأيام يلاحظ حالة الثقة المفرطة بالنفس، والقدرة على رسم خرائط المنطقة طبقاً للأهواء والأمزجة الشخصية.

ويتعقّد المشهد أكثر عندما نلاحظ وجود مجموعة من السماسرة الذين يستهدفون إشعال المنطقة. يبدو «ترامب» -على سبيل المثال- نموذجاً جيّداً لفرقة السماسرة. فمنذ اللحظة الأولى لوصوله إلى البيت الأبيض وهو يقبض المليارات من الخليج فى شكل صفقات أسلحة غير عادية يتم إبرامها مع أطراف فى المنطقة، مثل الطرف السعودى، بل قل إن هناك هوساً يظهر منذ فترة من جانب الكثير من حكام المنطقة بشراء الأسلحة، وكأن عملية التحضير للمشهد المتوقع تتم منذ عدة شهور. «نتنياهو» واحد أيضاً من السماسرة، فمن البديهى أن تكون إسرائيل طرفاً فى الحرب على لبنان، ومن المؤكد أن هذه المشاركة «ممولة» من الأطراف التى تستهدف مواجهة إيران وأذرعها فى المنطقة. هناك أيضاً سماسرة عرب يلعبون فى الظل، وربما كانوا الآن مشغولين بحساب المكاسب التى ستعود عليهم إذا اندلعت الحرب فى المنطقة.

بكل الحسابات العقلية. مواجهة إيران ليست بالأمر السهل. منذ سنين طويلة وهناك تهديدات إسرائيلية بضربها، تغذيها دعوات عربية، أمريكا هى الأخرى تُهدّد، يشهد على ذلك كلام «ترامب» فى الزيارة التى قام بها إلى «المملكة»، وفى كل الأحوال لا يحدث شىء. ولا يستطيع أحد أن يفلت من حقيقة أن مثل هذه الحرب لن يكون فيها منتصر وخاسر، بل الأغلب أن الكل سيخسر، وسيحرص السماسرة على استمرار هذه الحرب لأطول مدة ممكنة، إمعاناً فى استنزاف أطرافها، خصوصاً الطرفين الإيرانى والسعودى، وسيساعد السماسرة فى مهمتهم شباب الحكام الذين يلعبون فى المنطقة!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف