الدستور
بسنت حسن
الشهيد الحى
ويستمر السوط مسلطًا على رقاب المبدعين، سلاحًا فتاكًا، زج اليوم بالدكتور خالد منتصر إلى ذات المقصلة، التى سبقه إليها إسلام البحيرى، وأحمد ناجى، وعبدالله نصر، وفرت فاطمة ناعوت مرغمة لبعض الوقت. هذا السوط يكون تارة قانونًا، ينادى بعدم ازدراء الدين الإسلامى، ويكون تارة أخرى متذرعًا بالفضيلة، ويتحدث عن الحياء العام، وحالة الهوس، خوفًا من أن يخدش، وتارة ثالثة، يكون باسم محاربة الفسق والفجور، من «أمن» الفضيلة، الذين يتعقبون المفكرين، وينشطون فى مطاردتهم، وسلب حرياتهم، وتشويههم مجتمعيًا ونفسيًا، وكأن اللافجور يعنى كراهية الفن والانحياز للقبح والظلام.
فالمبدعون يُسحقون تحت نير الرجعية، والتدين الشكلى الزائف، فى ظل مصطلحات مثل خدش الحياء العام، وإشاعة الفاحشة، ونشر الفسق والفجور، فالانحياز للفن والإبداع والعقل والعلم والجمال، صار جريمة وفسقًا وفجورًا وكفرًا، وباسم الفضيلة يغتالون الحياة، ويغتالون الفكر، ويغتالون الجمال، وكل القيم التى يجب الانحياز والانتصار لها، فإلى أين نذهب؟
ولكى يرضى عنك الظلاميون لا بد أن تصمت، وإذا نطقت.. فلا بد أن تكون مهللًا ومروجًا للتوجه المنغلق الظلامى، وإلا ستتعرض لطوفان من الاستهجان المجتمعى، والشعبوى والقمعى، قد يؤدى إلى التهلكة، جسديًا أو معنويًا، ظنًا من هؤلاء أنهم يقدمون خدمة للإله.
فأحلام الظلاميين بالفردوس مخضّبة بدماء المفكرين، من أمثال فرج فودة، وناهض حتر، وتشويه نوال السعداوى، وتفريق نصر حامد أبوزيد عن رفيقته فى الحياة، والإرهاب لا يذكيه الإبداع، فالإرهاب وقوده الظلام، وسلاحه القمع، والكراهية، أما الحب والجمال فيروى الأرض بماء طاهر نقى، لا يسفك الدماء التى يريقها الإرهاب متذرعًا بالدِّين والأخلاق والحياء والفضيلة.
والآن يواجه الدكتور خالد منتصر حربًا شرسة، شنها عليه المزايدون، وأطلقوا عليه الضباع، ووضعوا له الأذى فى الطريق، بغية إسكاته، ومنعه من نشر الجمال، والانحياز للعقل والإبداع.
المعركة ليست معركة منتصر وحده، كما أنها ليست معركة من سبقوه من المفكرين، بل هى معركة بين ثقافتين، إحداهما عريقة تجلب الخير والمسرة، والأخرى ترسخ للقبح وتهوى الظلام، هى مباراة بين القبح والجمال.. فلمن ننحاز؟، وإلى أى حضارة نريد أن ننتمى؟، وأى الفريقين يستحق منا التشجيع والمؤازرة، فريق القبح أم فريق الجمال؟، المستنير أم المعتدى الظلامى المحرض؟
قوافل التنوير ستمضى رغم كل شىء لتدوس العدم، وتزدرى القبح، وتقف للظلم بالمرصاد، فللمبدعين جمال يحيط بهم، وللمفكرين دولة ووطن يخاف على نفسه من أن يفقد بوصلته، والبوصلة حتمًا فى أيادى المتنورين، لا أيادى «عُبَّاد القبح»، الملطخة بدماء الأبرياء، مهما ساقوا من مبررات. وسيظل من مُورس عليه الظلم باقيًا خالدًا بفكره إلى أبد الآبدين، فمفكرو اليوم هم الشهداء الأحياء، شهداء القبح والجهل وفقر الفكر.. شهداء الترهيب الذين سيبقون ما بقيت الحياة، وسيعيشون بيننا قريبًا مرفوعى الرأس.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف