الدستور
أحمد سليم
الحرب الأهم
وانتهت فعاليات المؤتمر الدولى للشباب، بعد أسبوع كامل من الحراك الشبابى القوى التقى فيه شباب العالم من أكثر من مائة دولة مع شباب مصر، وعد الرئيس السيسى الشباب منذ عام بهذا المؤتمر، ووفى بوعده وكان الشباب هم محور المؤتمر، هم الذين أعدوا وخططوا ودعوا ونظموا، عشرات الشباب المتطوع من مختلف المحافظات، ومن شباب المصريين بالخارج شاركوا فى نجاح المنتدى، جاءوا ليتكلموا، وتكلموا وتناقشوا وتحاوروا مع المسئولين، سواء كانوا رؤساء دول أو وزراء أو مسئولين كبارًا، فعاليات المنتدى وتوصياته ستتحول إلى منظومة عمل فى العام التالى.
فبعد عام وخمسة مؤتمرات أصبح للشباب ملتقى عالمى بعد الملتقى المصرى، النماذج التى رأيناها فى المؤتمر ليست هى الوحيدة فى مصر، ونموذج النجاح الشبابى ليس هو الوحيد، فهناك عشرات الآلاف من الشباب فى مصر ينتظرون الفرصة، الفرصة فى العمل، الفرصة فى الإبداع، الفرصة فى النجاح، آلاف قصص النجاح من حلايب وشلاتين وحتى مرسى مطروح وسيناء، آلاف القصص تحتاج فقط من يزيل عنها التراب، وسيرى الجميع أن منظومة الشباب القادمة هى التى ستحقق الأحلام والآمال، ولكن هذه الآلاف تحتاج إلى الكثير من أجهزة الدولة. فالمؤتمرات وتوصياتها ألقت الضوء وفتحت الطريق للعمل الجاد والمنظم. فمصر الآن تعيش عصر الهبة الديموجرافية، فسكانها الشباب قاربوا الثلثين، وهى هبة لو تعلمون عظيمة، نحن الآن أمة شابة وإذا لم تبنِ الأمة الشابة المستقبل فمن سيصنع؟، ولكن كيف يتم ذلك والشباب يواجهون مشاكل عديدة، أهمها هو ذلك الفراغ الفكرى والسياسى الذى يعيش فيه الشباب. فمنذ ٢٠١١ لا يوجد حزب قوى يجمع الشباب ولا يوجد تنظيم شبابى يحتويهم. فى الستينيات كانت منظمة الشباب هى التى قدمت لنا أجيالًا ما زال منهم كثيرون قادرون على العطاء، وعلى مدى السبعينيات والثمانينيات أو ما بعدها كان خريجو هذه المنظمة وتلامذتهم هم المسيطرين على الأحزاب، وعلى أغلب المواقع القيادية، وفى الستينيات أيضًا وما بعدها حتى الثمانينيات، كانت لدينا اتحادات طلابية قوية تخشاها الإدارة وتنتظر رأيها فى العديد من القضايا.
وما قبل الستينيات كانت الأحزاب السياسية والجامعة هما المدرسة التى خرجت السياسيين، واستطاع الضباط الشباب بمتوسط أعمار تقل عن الأربعين تغيير الخريطة السياسية، ليس فى مصر فقط ولكن فى إفريقيا والمنطقة العربية، ورأينا قادة تحت الأربعين بنوا السد العالى، وأمموا القناة وأقاموا أسس صناعة وطنية قضى عليها الخلفاء من بعد.
وحتى مع وجود الحزب الوطنى الديمقراطى، رغم كل ما أثير حوله، كان هناك شباب فى كل الأحزاب وكانت أحزاب اليسار (التجمع والعربى الناصرى) وأحزاب التيار الدينى (جماعة الإخوان المسلمين) وتيارات وسيطة فى الوفد، وكان لدينا ٢٤ حزبًا نعم منها ٥ كبار والباقى ورق، ولكن الحركة والحراك فى الشارع كان موجودًا.
وجاءت يناير لتبدأ مشروعًا من الفوضى. فوجدنا أكثر من مائة حزب ومعها أكثر من ١٥٠ ائتلافًا، وأصبحنا نمشى على ائتلاف ونسمع صباحًا عن عشرة أخرى، وابتلينا بجيل من الفوضويين تحت زعم الثورة والتغيير، واستمر زحف الفوضى من يناير ٢٠١١ وحتى يونيو ٢٠١٣ عندما استيقظ الشعب مرة أخرى، شبابه وكباره، ليصححوا المسار، وتصحيح المسار دائمًا يكون أصعب من بناء مسار جديد من الأصل، فقد تحول القدوة من شباب يناير إلى نخبة تبحث عن ثمن ما قاموا به، وبدأت الصفقات بين الإخوان والاشتراكيين، وحاول كثيرون تحويل مصر إلى نموذج فوضوى يحلمون به وتحت دعاوى أناركية لهدم كل شىء وبناء مجتمع جديد، تم حرق المجمع العلمى وتعرضنا لأفلام فتاة العباءة وأحداث ماسبيرو ودخلت مصر حرب الجيلين الرابع والخامس، واستطاعوا تحويل خالد سعيد بما عليه إلى أيقونة، وتحول وائل غنيم إلى زعيم وقاموا بتأليه البرادعى وصباحى وخالد على، وتحول مريدوهم من أمثال أبودومة وأسماء محفوظ وإسراء عبدالفتاح إلى قيادات تقود الشباب، واستطاع الإخوان بما يملكون من مال وتنظيم احتواء كل هذه التيارات على اختلاف تفكيرهم، وكان لقاء الفيرمونت الشهير ورأينا حمدى قنديل ومصطفى بكرى وحمدين وخالد على وممثلين للإخوان فى اجتماعات وتنظيمات، وتفرق الشمل بعد عام وبعد الصراع على الكعكة، عندما استيقظ الشعب وفى مقدمته الشباب لتنتهى حقبة الفوضى ولنبدأ استعادة هيبة الدولة، ولكن ما زال هناك من يصمم على أن يعيدنا إلى هذه الفترة، وبدأت حرب جديدة تستهدف هيبة الدولة وشبابها واتخذت أشكالًا عدة من تسطيح للفكر وتحريف للدين، فظهر لنا يوسف زيدان ليحطم رموزنا الوطنية والثوابت الواحدة تلو الأخرى، ووجد من يفتح له الباب على الشاشات وصفحات الصحف، طعن فى التراث وفى التاريخ ضمن منظومة تستهدف العودة إلى الفوضى، وبعده بقليل تقام الحفلات ويظهر علم الشواذ فى حفلات التجمع، وتحاول الداخلية معالجة الموقف فتقبض على بعض الشباب وتطارد الشواذ، فيظهر المدافعون من منظمات حقوق الإنسان ليدافعوا عن المثليين، وهو اسم الدلع للشواذ ومحاولة تمرير الاسم بسهولة، فالمثلى فى اللغة يختلف كثيرًا عن الشاذ فى وقع الكلمة على الأذن، وعلى التوازى تنهال الأفلام الرخيصة والكتابات التافهة.
وفى المقابل تظهر فتاوى النصف الأسفل، فيخرج علينا شيوخ وأساتذة جامعة ومدعو الفقه، بفتاوى تجيز مضاجعة الزوجة الميتة والطفلة الرضيعة وابنة الزنا والبهائم وكأن الدين قد وضح لنا كل أمره وأصبحنا نفهم صحيحه، حتى يأتى لنا هذا السيل من الفتاوى الشاذة، والتى يجب أن يقف الأزهر والإفتاء فى وجهها، وهذا هو دورهم الأساسى، وأثق فى أن فضيلة الإمام الأكبر وفضيلة المفتى سوف يستطيعان ذلك، وحسنًا فعلت لجنة الشئون الدينية برئاسة د. أسامة العبد ولجنة الإعلام برئاسة أسامة هيكل، عندما تصدت لفوضى الفتوى والبرامج الدينية بمناقشة قانون تنظيم الخطاب الدينى فى وسائل الإعلام، وهو قانون سيساعد المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام فى مواجهة ظاهرة الفتاوى الشاذة فى وسائل الإعلام،
الهدف أصبح واضحًا، كلما ننجح فى التقدم نحو الغد المستقر والمشرق، ستزداد الحرب. نجح مؤتمر الشباب فتوقعوا جولات جديدة من محاولات تسطيح الفكر وإبعاد الشباب عن هدفه بشغله بقضايا أخرى، سنرى فتاوى جديدة وظواهر أحدث وأفكارًا أسوأ، الحرب اليوم، حرب فكر ولن تكون حرب سلاح فقط. القادم صراع فكرى يحاولون فيه دفعنا إلى الفوضى، وعلينا جميعًا أن نستعد لذلك، وسلاحنا هو شبابنا فلنحافظ عليه والمعركة القادمة معركة وزارة الثقافة والشباب والتعليم وقبل ذلك الإعلام، فعلينا أن نستعد ولا نقلق من أشياء أخرى، فقواتنا المسلحة والشرطة قادرتان على صدها والرد عليها، أما حرب الفكر فهى الأهم والأخطر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف