الوطن
د. محمود خليل
لعبة «سنة وشيعة»
لم يزل الدافع المذهبى هو الأكثر حضوراً فى رحلة إراقة الدماء بين المسلمين، سنة وشيعة، فرغم ما شهده التاريخ من جولات صراع بين الطرفين، سالت فيها بحور من الدماء، فإن كل طرف منهما ما زال مصراً على المواصلة. فكل جولة تخلف ثأراً، يختزنه الطرف الآخر فى صدره حتى تأتى الفرصة ليخرجه فى شكل إعلان حرب على الآخر، كذلك سارت حركة التاريخ بين السنة والشيعة منذ الحسين بن على ويزيد بن معاوية، واليوم يواصل الطرفان رحلة الدم. من المهم ونحن بصدد تحليل هذا الإرث التاريخى وتداعيات الحاضر أن نلفت النظر إلى أن ثمة فارقاً بين كل من القيادات والشعوب فيما يتعلق بتحريك ومسارات الأحداث القتالية بين الطرفين السنى والشيعى.

القيادات تحركها أهداف وأغراض سياسية، يستوى فى ذلك قيادات الأمس وقيادات اليوم. نذر الحرب السنية الشيعية الموسعة التى تبدو فى الأفق هذه الأيام تتحرك بدوافع سياسية لقيادات كل طرف. فتحرك قادة إيران فى سوريا واليمن والعراق له أهداف سياسية يتم تحقيقها بوسائل عسكرية، والطرف السنى هو الآخر لا تقل قياداته عن قادة الشيعة شغفاً بمسألة الأهداف السياسية، التى قد يكون من بينها محاصرة النفوذ الشيعى فى المنطقة -بالمفهوم السياسى للمصطلح وليس بالمفهوم الدينى- أو تمديد النفوذ السنى، أو افتعال الحروب للتغطية على صراعات ومشكلات داخلية. فى الصراع السنى الشيعى تتفوق السياسة على المذهب الدينى لدى قيادات كل طرف.

يختلف الأمر بالنسبة للشعوب التى تساق إلى معمعة الحرب، لتصبح وقودها، ولا يهم القيادة هنا أو هناك أن تسيل دماء الشعوب أنهاراً فى سبيل تحقيق أهداف سياسية. المسلم العادى -سواء كان سنياً أو شيعياً- يتحرك بنوع من الولاء للمذهب، ويظن بحربه وسفك دم غريمه أنه يُرضى الله ورسوله ويخدم الإسلام. وواقع الحال أن أغلب البسطاء الذين ينخرطون فى هذه المعارك يتسمون بـ«الجهل الدينى» أكثر من «التدين». وهو جهل يغذيه الدعاة والمشايخ والرموز الدينية من هنا وهناك. رجال الدين جزء من دائرة المصالح السياسية التى يسيطر القادة وصناع القرار على محيطها، داخل العالمين السنى والشيعى.

لعبة «سنة وشيعة» هى أكثر الألعاب التى أجادها حكام المسلمين عبر تاريخهم فجعلوا «بأسهم بينهم شديد»، فى وقت يبدون فيه قططاً مستأنسة أمام أعدائهم الخارجيين، ليس ذلك فقط، فالحكام لا يتوانون عن القيام بحروب بالوكالة لحساب أعدائهم، والسبب فى ذلك معلوم بالضرورة، فدائرة الأعداء تشكل بالنسبة لأغلب حكام السنة والشيعة مصدراً من مصادر الشرعية، وفى أحوال المصدر الوحيد. فهم الداعمون للوصول إلى الحكم وللاستمرار على الكرسى، فى وقت أصبحت فيه الشعوب بلا قيمة أو تأثير، وتحددت أدوارها -بعد تجهيلها دينياً- فى الرضاء بأن يكونوا «حطب الحروب» التى تنشب بين الطرفين. ما تشهده المنطقة حالياً ينذر بعواقب وخيمة على كل الأطراف، ستسيل فيه دماء، وستخرب فيه مدن، وتتفكك دول، وتتضعضع قوى. الطرف الوحيد الذى سيستفيد من الحرب شركات وتجار السلاح الذين سيستنزفون ما تبقى من مال لدى جميع الأطراف. ويبدو أن المال الذى تأتى به أرض الشرق تأكله رياح الغرب!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف