جمال سلطان
طبول الحرب التي تدق في لبنان
طبول الحرب تدق بقوة الآن في لبنان ، خاصة بعد تداعيات إعلان رئيس الحكومة سعد الحريري استقالته أثناء وجوده في العاصمة السعودية الرياض بعد تلقيه تهديدات بالقتل مثل والده ، وقيل أن المبعوث الإيراني هدده بها قبلها بيوم واحد ، حيث تتابعت الأحداث وصدرت تصريحات سعودية متتالية تحمل إيران وحزب الله جريمة إطلاق صاروخ باليستي بعيد المدى على مطار الرياض انطلاقا من اليمن من خلال مقاتلين لحزب الله اللبناني ، وأن أذرع إيران في المنطقة لا بد أن تقطع ، ثم إعلان السعودية أن ما جرى من إيران أشبه بإعلان حرب ، وأنها لن تسمح للبنان أن يكون منصة لانطلاق الجرائم ضد المملكة أو دول الخليج ، مع زخم إعلامي واسع في السعودية يشي بأن الحرب على الأبواب ، ثم تطورت الأمور إلى أن طلبت أربع دول خليجية من رعاياها في لبنان سرعة مغادرة البلد في أسرع وقت ، وهي السعودية والإمارات والبحرين والكويت ، وهو نداء يفهم منه بداهة أن خطرا حالا سيحدث .
في اعتقادي أنه رغم كل تلك التداعيات والأجواء الملتهبة وطبول الحرب التي تقرع ، إلا أن مسألة وقوع حرب بالمعنى التقليدي مستبعدة ، وذلك أن الجغرافيا السياسية تحول دونها بدون شك ، بين السعودية وحزب الله اللبناني ، كما أن فكرة القصف الجوي يصعب أن تكون رادعة إلا إذا استمرت لفترات زمنية طويلة أو كان لها دعم على الأرض ، والحديث عن تحالف عربي إسرائيلي لمواجهة حزب الله سخافة إعلامية يروج لها إعلام حزب الله وإيران ، اللذي ما يزال يحاول أن يروج لنفسه باعتباره محور المقاومة لإسرائيل والممانعة لسياساتها في المنطقة ، فإسرائيل نفسها لا تحتاج إلى تحالفات من أجل ضرب حزب الله ، وتملك ترسانة عسكرية وزخم نيران يمكنه أن يحرق لبنان من جنوبه إلى شماله ، وهي في النهاية لن تواجه قوة عظمى ولا جيشا ضخما ، وإنما ميليشيات تحسن الاختباء ولا تستطيع أن تنجح ـ كما هو الحال في سوريا ـ إلا بحماية الطائرات الأمريكية أو الروسية ، وقد عجزت عن الحسم على الأرض أمام قوات المعارضة السورية ضعيفة التسليح ، مما اضطر روسيا إلى الدخول بقوة لإنقاذ بشار وحزب الله وحلفائهم من الانسحاق أمام المعارضة السورية .
الحديث عن تحالف عربي إسرائيل لمواجهة حزب الله هو جزء من دعاية سوداء إيرانية ولبنانية لإحراج السعودية أو منعها من التحرك لتأديب حزب الله ، غير أن المتاجرة بالقضية الفلسطينية ومواجهة إسرائيل ، نظرا لأنه حصاد تجارة أنظمة سياسية عربية متعاقبة على مدار حوالي ستين عاما ، اكتشفت الشعوب بعدها أنها كانت محض متاجرة بالقضية لحماية الكراسي والعروش وقمع الشعوب ، لا أعتقد أن تلك الدعاية يمكنها أن تنجح هذه الأيام كما كانت تنجح من قبل ، وإيران التي أنشأت قوة عسكرية كبيرة وأسمتها "فيلق القدس" قبل حوالي ثلاثين عاما ، وقدمتها باعتبار أنه الجيش الذي سيحرر المدينة المقدسة ، خرج مقاتلوه على المعاش الآن دون أن يطلقوا طلقة رصاص واحدة باتجاه إسرائيل ، وكل المعارك التي خاضها هذا الفيلق كانت في مدن عربية ، وضد الشعوب العربية وكل الدم الذي أسالوه هو الدم العربي ، في العراق وسوريا ، لقد حارب فيلق القدس في كل مكان إلا في القدس .
أعتقد أن ما يحدث هو نوع من الضغط السياسي العالي على الحكومة اللبنانية والقوى السياسية فيها لتحجيم حزب الله ، ووقف جرائمه في البلدان العربية المختلفة ، إذ لا يمكن أن يتخذ من لبنان ملاذا آمنا وبغطاء كونه جزء من الحكومة القائمة وينطلق منه للتخريب في سوريا والعراق واليمن وضد دول الخليج دون أن يتحمل لبنان تكلفة لهذا العدوان ، فإما أن يوقف الحزب عند حده ويمنع من الاعتداء على الآخرين انطلاقا من لبنان ، وإما أن يتحمل لبنان تكاليف ردات الفعل ، والأمر نفسه بالنسبة لإيران التي احترفت المواجهة عبر وكلاء ، ومن خلال أذرع عسكرية تشرف على تدريبها وتمويلها ودعمها استخباراتيا وتسليحا أيضا ، وإذا نجحت سياسة "حافة الهاوية" التي تنتهجها المملكة العربية السعودية الآن في تحقيق هذا الهدف فسيكون نصرا سياسيا بدون حرب ، وكثير من الانتصارات السياسية تتم بدون معارك حربية .
على كل حال ، الأيام القليلة المقبلة ستوضح اختيارات المملكة على الأرض ، فإذا كنا نرجح استبعاد فرضية الحرب ، إلا أن الاحتمالات جميعها ما زالت قائمة ، خاصة وأن هناك تقاطعات عديدة في الأزمة ، إقليمية ودولية .