ماجد حبته
رسائل منتدى «شباب» العالم
مرة جديدة، يتم نسف أكذوبة «دولة العواجيز» التي يعاديها الشباب وتعاديهم. مرة جديدة، تثبت مؤسسات الدولة أنها تسعى، فعليًا وواقعيًا، إلى منح فرص حقيقية لمشاركة الشباب في عملية صنع القرار. وما يدعو إلى التفاؤل هو أن الرئيس أعلن انحيازه ورعايته للتوصيات التي انتهى إليها «منتدى شباب العالم» ووعد بإتاحة كافة إمكانيات الدولة لتنفيذها.
للمرة السادسة، خلال عام، تثبت الدولة أن هناك جسور تواصل بين مسئوليها من الرئيس و«انت نازل»، وبين الشباب لتبادل الرؤى والأفكار، عبر نقاشات جادة وبناءة تناولت مختلف القضايا، السياسية، الاقتصادية والاجتماعية. مرة سادسة، لأن «منتدى شباب العالم» سبقته، منذ أكتوبر ٢٠١٦، خمسة مؤتمرات للشباب، كانت أبرز نتائجها، في تصوري، هي تضييق الفجوة بين الأجيال المختلفة، وتعزيز فكرة مشاركة الشباب، بمختلف توجهاتهم.
أكذوبة «دولة العواجيز» لعب بها محترفون أرادوا تلخيص «شباب مصر»، في فئات معينة وحاولوا نزع الصفة، صفة شباب، عن «مجايليها» أو شركائها في المرحلة العمرية. وهناك للأسف من وقعوا ـ بحسن «أو بسوء» نيّة ـ في الـ«فخ» الذي نصبه هؤلاء المحترفون، ليقطعوا بأن الشباب، «كل الشباب»، في عداء مع الدولة، وخرجوا من ذلك الفخ بـ«تنظيرات» وهمية طرحوا فيها أسباب ومبررات دفعت «الشباب»، بعقد الألف واللام إلى ذلك العداء. ومع تلك «التنظيرات» انطلقوا في ترديد «وصلات ردح» وصفوا فيها الأكبر سنًا بأنهم أدمنوا العبودية واعتادوا القهر وبعضهم تجاوز ووجه «شتائم» لا يمكن تكرارها، ولو على سبيل الاستشهاد!.
تعدّدت معاني ومقاصد كلمة «شباب»، وخلقت مشكلات في ضبط التعريف، بين علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي، والقانون. هناك من حددّوها بمرحلة عمرية تبدأ من ١٥ وتنتهي بـ٣٥ سنة، وهناك من ربطوها بمرحلة نمو «بيولوجي» تكتمل فيه بنية الإنسان ونمو جسمه وأعضاؤه. وعلى المستوى «القانوني» نجد «الشاب» هو من بلغ ١٨ سنة أي سن الرشد، دون التقيد بحد أو بـ«سقف»، وعلى المستوى «النفسي»، يكون الفرد شابًا إذا تجاوز مرحلة «المراهقة»، أما من الناحية الاجتماعية، فـ«الشاب» هو الفرد القادر على لعب دور اجتماعي، يسمح له بالوصول إلى مكانة اجتماعية في المجتمع الذي ينتمي إليه.
مشكلات «ضبط التعريف»، استفاد منها اللاعبون «المحترفون» ليحاولوا تلخيص شباب مصر في فئة تنطبق عليها تمامًا صفات «المراهقة»، اجتماعيًا ونفسيًا، مع الوضع في الاعتبار أن فترة «المراهقة» تتداخل، عمريًا، مع فترة الشباب. والمراهقة في اللغة، من كلمة «راهق» وتعني الاقتراب من شيء، أما في «علم النفس» فتشير لعدم اكتمال النضج الجسماني والعقلي والاجتماعي والنفسي. ولأن المراهقين يعانون ـ عادة ـ من عدم فهم الأهل وعدم الإيمان بحقهم في الحياة المستقلة، فإنهم يلجأون إلى التحرر من سلطة الوالدين ويصفون أي سلطة فوقية أو أعلى بالتخلف، ويحاولون كسر القوانين وانتهاك القواعد، بتعاطي المخدرات أو الإسراف في تناول الكحوليات. وفيهم من يتجه إلى التخريب والتفاخر بأي مخالفات قانونية، أو أي فعل مضاد للقواعد المجتمعية!.
من تلك الزاوية، يمكننا النظر إلى «منتدى شباب العالم» الذي انعقد الأحد الماضي بشرم الشيخ، وانتهت فعالياته، مساء أمس الأول الخميس، بمشاركة مسئولين مصريين، عرب، ودوليين، وأكثر من ٣٠٠٠ شاب يحملون ١١٣ جنسية، بينهم ١٥٠، على الأقل، من المصريين المقيمين في الخارج. وعدد أكبر من شباب مصر، غير المراهقين، جرى اختيار معظمهم من بين ٢٣٣ ألف متقدم لحضور المنتدى، لا أعتقد أن تأييد السلطة السياسية كان بين شروط أو معايير الاختيار، بدليل وجود محسوبين على تيارات ضد توجهات السلطة على طول الخط، بينهم من ينتقدون (ويهاجمون) رئيس الدولة نفسه، بشكل الدائم، وبينهم أيضًا من يعملون في وسائل إعلام تحت مستوى الشبهات!.
خلال ٦٤ جلسة، ناقش المنتدى «الإرهاب ودور الشباب في مواجهتها»، «تغير المناخ»، «الهجرة غير المنتظمة واللاجئين»، «مساهمة الشباب في بناء وحفظ السلام في مناطق الصراع».. و«كيفية توظيف طاقات الشباب من أجل التنمية». واحتل ملف التكنولوجيا وريادة الأعمال مساحة كبيرة، في أجندة العمل، متضمنًا «رؤى الشباب لتحقيق التنمية المستدامة حول العالم»، و«استعراض التجارب الدولية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة»، و«عرض تجارب شبابية مبتكرة في مجال ريادة الأعمال»، و«تأثير التكنولوجيا على واقع الشباب».
تطرق المنتدى، كذلك، إلى «البُعد الثقافي للعولمة وأثره على الهوية الثقافية للشباب»، وكيفية الاستفادة من «التجارب الدولية البارزة في تأهيل وتدريب الشباب»، وتناول «دور الدول والمجتمعات في صناعة قادة المستقبل»، وناقش «كيف تُصلح الآداب والفنون ما تُفسده الصراعات والحروب». وكانت الرسالة الأهم هي أن الجميع رغم اختلاف جنسيتهم أو لونهم أو دينهم أو لغتهم أبناء عالم واحد وحضارة إنسانية واحدة، ويمكنهم التخاطب معا حول نفس مبادئ وقيم وأفكار باختلاف يثري النقاش ويحقق التكامل. وهكذا، خرجت المناقشات برؤية شاملة للمستقبل السياسي، الاقتصادي والاجتماعي لمصر والعالم. وبالمرة، التفتت أنظار العالم إلى واحدة من أبرز معالم مصر السياحية، إلى مدينة شرم الشيخ.
..ولا تبقى غير الإشارة إلى أن الشباب أيضًا، شباب مصر، هم من قاموا بتخطيط وتنظيم وإدارة فعاليات هذا المنتدى الذي خرج بتلك الصورة، ليؤكدوا، من جديد، أن لدينا كوادر شابة استطاعت أن تصنع حاضرًا وتستطيع أن تسهم بفاعلية في بناء المستقبل. وتكفي قراءة ما تضمنته التوصيات من تكليفات لـ«اللجنة المنظمة للمنتدى»، لتدرك أن النجاح يعني الحصول على فرص أخرى لصناعة نجاحات جديدة، وأن من سهروا الليالي ونالوا العلا، سيسهرون ليالي أكثر وأكثر و«ربنا معاهم»!.