الدستور
خالد عكاشة
«اصطياد الديك الرومي».. خطة جديدة أمام ترامب لمواجهة إيران
باعتبارها القضية الأهم على أجندة الشرق الأوسط، من وجهة نظر الإدارة الأمريكية، تتسابق مراكز الدراسات السياسية فى تقديم دراساتها حول الاستراتيجية الأمثل للتعامل مع النفوذ الإيرانى المتنامى فى المنطقة. وفى ٢٣ أكتوبر الماضى، سلم مركز «بروكنجز» الأمريكى الشهير، ورقة بحثية مهمة للإدارة الأمريكية حملت عنوان: «خطة للحد من نفوذ إيران فى الشرق الأوسط»، تتضمن استراتيجية مقترحة، للتعامل مع ما تسميه «حقبة ما بعد الحرب على داعش». وتنبع أهمية الورقة البحثية من شخصية كاتبيها، الشخصيتين البارزتين فى مجال الدراسات الدولية، وهما: جون آلن، رئيس معهد «بروكنجز»، ومايكل أوهانلون، مدير الأبحاث والباحث الأول فى دائرة السياسة الخارجية.




الانسحاب من الاتفاق النووى خطوة تضر واشنطن
مما لاشك فيه أن خطوة الانسحاب من الاتفاق النووى، التى هدد ترامب بتنفيذها، إذا لم يتخذ «الكونجرس» أى تدابير للتشدد فى السياسة الأمريكية الإجمالية تجاه إيران، ضربة للمصالح الأمريكية، وقيادتها العالمية، بشكل أخطر من قرارات ترامب السابقة المتعلقة بالمعاهدات، إذ يشكل إلغاء أحادى الجانب، لاتفاق نووى متعدد الأطراف، تم التفاوض عليه بشق الأنفس، وحصل على دعم بقرار من مجلس الأمن، ازدراء فادحا للقانون الدولى، وسيفا يطعن معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وجحودا لآراء حلفاء الولايات المتحدة الأساسيين.
الأسوأ من ذلك أنه قد يكون قرارا لا رجوع عنه، ويطلق بالتالى يد إيران بالكامل لاستئناف كثير من أنشطتها النووية دون قيود، ودون أى وسيلة ممكنة لإعادة فرض العقوبات الاقتصادية المتعددة الأطراف عليها، التى دفعت طهران سابقا إلى الإذعان، والجلوس إلى طاولة التفاوض، والموافقة على الاتفاقية فى المقام الأول. القرار المرتقب يطلق نوعا من التحدى، فترامب غير مخطئ فى التعبير بجدية عن مخاوفه، بشأن سلوك إيران فى جميع أنحاء الشرق الأوسط، ما يدفع كثيرين للتساؤل حول كيفية التوصل إلى اتفاق ودى مع إيران بشأن المسائل النووية، فى حين يبدو أن الولايات المتحدة تغض النظر عن المغامرة الإيرانية المدمرة، فى جميع أنحاء المنطقة. ونظرا إلى السلوك الإيرانى فى هذا الموضوع الأخير، الذى يبقى مستمرا، وغير متزعزع، منذ توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة، التى تتضمن الاتفاق النووى فى ٢٠١٥، باتت شروط إنهاء هذا الاتفاق أكثر إثارة للقلق، فما من أى دليل يشير إلى أن إيران ستصبح أقل خطورة مع مرور الوقت.



إجراءات عسكرية لتعزيز قوة الخليج وإسرائيل
الولايات المتحدة بحاجة، الآن، إلى استراتيجية أفضل، لاحتواء إيران، وإبقائها ضمن السيطرة، وإذا نجحت هذه الاستراتيجية فقد يتراجع ترامب عن تهديده بالإطاحة بخطة العمل الشاملة المشتركة، وفتح الباب أمام أحداث قد تشكل مكاسب للرئيس الأمريكى ونقاده، على حد سواء.
الموقف الراهن حيال إيران يقوم على ركيزتين، أولاهما أن الولايات المتحدة تبقى على وجود عسكرى متيقظ فى مياه الخليج، حرصا على مرور النفط بحرية، خشية أن تحاول إيران التدخل فيه، وتتعاون مع شركائها الأمنيين فى مجلس التعاون الخليجى لبناء دفاعات إقليمية ضدها، والأخرى تتمثل فى أن الولايات المتحدة تساعد إسرائيل فى الحفاظ على قوتها وأمنها، ومواجهة أى تهديدات محتملة من حلفاء إيران، أى من حركتى «حماس» و«حزب الله».
على جانب آخر، تعانى الولايات المتحدة والدول الحليفة لها على جبهات أخرى، فقد أعطى كل من الرئيس أوباما والرئيس ترامب، الأولوية لمحاربة تنظيم «داعش» فى العراق وسوريا، بدلا من بذل جهود أكثر شمولا لتحقيق الاستقرار فى البلدين، ما سمح لإيران بالاستفادة من الفراغ الأمنى.
وتشكل الحرب الأهلية اليمنية كارثة إنسانية أخرى فى الشرق الأوسط، ويجد التحالف العربى الذى تقوده السعودية نفسه فى مأزق، فكلما طال الوقت ازدادت الكلفة البشرية، ما يتيح فرصا متواصلة ليس لإيران فحسب، بل لتنظيم «القاعدة»، وربما «داعش» أيضا، فيما ينبغى على الولايات المتحدة أن تفرض نفسها على الأطراف الفاعلة الرئيسية، لدفع عملية السلام إلى الأمام.
بالإضافة إلى ذلك، تضطلع واشنطن بدور ضئيل جدا فى المساعدة على تقوية دول مهمة، مثل الأردن، ومصر، وهى دول قد تكون عرضة للتداعيات الناجمة عن حروب المنطقة، التى تساعد إيران على إذكاء لهيبها.




إعمار العراق ومناطق سوريا ودعم الأردن ماليًا
بناء على المشهد السابق، ينبغى أن تتضمن الاستراتيجية الأمنية لاحتواء إيران، ومواجهة تحديها الإقليمى- العناصر التالية:
أولا: فى العراق، ينبغى التعهد بالحفاظ على وجود عسكرى أمريكى فى بغداد، لفترة أطول، وتمديد مجموعة المساعدات للبلد، وفى الوضع الأمثل، ينبغى أن يحظى هذا الالتزام بدعم الحلفاء فى دول الخليج، وحلف شمال الأطلسى «الناتو».
وبعد تحرير معظم المدن الواقعة تحت سيطرة «داعش»، أصبح من الضرورى بذل جهود ناجحة للقيام بعملية إعادة بناء، تنخرط فيها المجموعات الطائفية الرئيسية الثلاث، وتحول دون العودة إلی الحرب الأهلية، أو إلى بروز نسخة جديدة «داعش»، وعندما يكون العراق أقوى وأكثر استقرارا، سيصبح فى وضع يخوله مقاومة هيمنة إيران بشكل أفضل.
ثانيا: فى سوريا ينبغى الأخذ بسياسات أكثر صرامة، دون اعتماد استراتيجية واحدة، فعلى الولايات المتحدة، والدول ذات التوجه المماثل، والمنظمات المعنية بالمساعدات الدولية، المساعدة على توفير الأمن، والدعم الاقتصادى، للمناطق غير الخاضعة لحكم الأسد و«داعش». وينبغى التعامل مع بعض هذه المناطق كمناطق «مستقلة»، ومساعدتها على إدارة نفسها أيضا، بالإضافة إلى مزيد من القوة العسكرية، والدعم من الدول الغربية، ودول مجلس التعاون الخليجى للمتمردين المعتدلين فى الأجزاء الشمالية الغربية من البلاد، على غرار إدلب وجوارها، فى مواجهة التنظيم التابع لـ«القاعدة»، المعروف باسم «جبهة النصرة».
ثالثا: فى الأردن، فمع تهديد شديد ناجم عن ١.٤ مليون لاجئ سورى، يعيشون بين عدد سكان صغير، يبلغ ٨ ملايين نسمة، وبالإضافة إلى استراتيجية أفضل لإنهاء الحرب السورية، يحتاج الأردن أيضا إلى المساعدة، وإلى مزيد من الدعم المالى، من أجل التنمية الاقتصادية، التى من شأنها استحداث فرص عمل للشباب، والحد من تقبلهم لنوع التطرف، الذى يولد الإرهاب والفوضى والفرص لطهران.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف