صلاح الحفناوى
قانون حمروش.. وجريمة ازدراء الرموز
الحبس خمس سنوات وغرامة 100 ألف جنيه.. هذا هو ملخص قانون تجريم إهانة الرموز التاريخية في مصر والذي تقدم به للبرلمان النائب عمر حمروش أمين سر لجنة الشئون الدينية.. وبالطبع لم يحدد لنا المشروع ما هو المقصود بالرموز التاريخية.. ولا من تنطبق عليه حماية القانون.
وذاكرتي لا تحتفظ بأي قانون مشابه في أي دولة محترمة في العالم.. لا يوجد في بريطانيا مثلاً قانون يجرم من ينتقد شكسبير ولو بأشد العبارات.. ولا يوجد في فرنسا قانون يعاقب بالحبس والغرامة من يسخر من فولتير أو ديكارت.. ولا في ألمانيا قانوناً يحاسب من ينتقد جوتة.. فهل سيأتي يوم يصبح فيه انتقاد السادات أو جمال عبدالناصر جريمة يعاقب عليها القانون.. وهل سيكون مصيره الحبس والغرامة من يتناول بالنقد أو حتي بالسخرية سعد زغلول وأحمد عرابي ومصطفي كامل.. وهل سنجد أنفسنا أمام قانون يجرم ازدراء الشخصيات التاريخية تماماً كما يجرم ازدراء الأديان؟.. سؤال عبثي لا يستحق عناء البحث عن إجابة.
يقول النائب حمروش إن قانونه يهدف إلي حماية الرموز والشخصيات التاريخية.. أكرر التاريخية وليس الدينية.. من العبث وتشويه صورهم.. وحتي يأخذ المشروع أبعاداً أمنية يصعب التصدي لها بالنقد.. أضاف النائب أن هذا التشويه للرموز التاريخية من شأنه الإضرار بالمجتمع وزعزعة الثقة لدي الشباب والتي تسعي قوي الشر لخلقها في نفوس الشعب.
قوي الشر والإضرار بالمجتمع.. شعاران يرتفعان بأهمية مشروع القانون إلي مستوي محاربة الإرهاب.. ويسوقانه كأحد القوانين المهمة لحماية الشعب من اهتزاز ثقته برموزه.. وكأن الشعب أصبح الشماعة التي تعلق عليها القوانين المشبوهة المعيبة كالقانون الذي نحن بصدده.
ويصل العبث إلي منتهاه عندما نعلم أن وراء هذا المشروع مجموعة آراء ربما تكون صادمة طرحها الباحث الدكتور يوسف زيدان تناول فيها بالنقد الشديد وربما الجارح بعضاً ممن يطلق عليهم مشروع القانون وصف الرموز التاريخية.. مثل صلاح الدين الأيوبي وأحمد عرابي.. وعلي الرغم من أن أساتذة التاريخ ردوا عليه وفندوا آراءه.. إلا أن هذا الحوار الثري لم يعجب صاحب مشروع القانون الذي علي ما يبدو لا يؤمن بالحوار ولا بالنقاش ولا يعترف بغير الحبس والغرامة رداً علي كل صاحب رأي.. لنصل إلي مرحلة شديدة التخلف من تكميم الأفواه وحظر الاجتهاد ووأد التفكير والحجر علي العقول.. وليعيدنا سيادة النائب المحترم إلي عصور الظلام عندما كانت توزع الاتهامات بالكفر والهرطقة والزندقة علي أصحاب الرأي ممن قادوا رغم أنف دعاة الجمود الفكري.. مسيرة التنوير.
هل سيصبح انتقاد الرئيس الراحل أنور السادات جريمة يعاقب عليها القانون بتهمة ازدراء الرموز التاريخية.. هل نقد صلاح الدين الأيوبي.. الذي قاد الجيوش الإسلامية للانتصار علي الصليبيين.. ثم وزع الأقطار الإسلامية علي أبنائه قبل وفاته ليتصارعوا ويتحاربوا ويتحالف بعضهم مع الشيطان من أجل المكاسب الحربية.. يستحق عقوبة الحبس والغرامة.. هل سيدخل السجن من يسيء إلي تجربة عبدالناصر أو من يشكك في سلوكيات سعد زغلول؟
سيادة النائب الفاضل حمروش اعتبر نفسه وصياً علي الشعب.. فقرر حمايته من المفكرين وأصحاب الرأي والاجتهاد.. وقرر حرمانه من النقاش والحوار.. وقرر منعه من استعمال نعمة العقل في التفكير والاختيار بين الآراء المتعددة والمتعارضة.. فاخترع مشروع قانون يضع كل صاحب رأي في غياهب السجون ويكمم الأفواه ويضيف إلي ازدراء الأديان تهمة ازدراء الرموز التاريخية.