المساء
خيرية البشلاوى
رنـــات سؤال افتراضي
ماذا تقترح لو سألوك عن فيلم سينمائي مصري حديث الإنتاج ترشحه للعرض أمام منتدي شباب العالم؟!
قبل الإجابة سوف نستعرض بالتأكيد قائمة الأفلام المصرية في السنوات القليلة الماضية. أو في السنة الأخيرة 2017 وأثناء ذلك ستفكر في المعايير التي تستند إليها وأنت تختار. وقد تطرح علي نفسك بعض الأسئلة مثل: هل يوجد عمل يمتلك اللغة والحكاية والموضوع الذي يستطيع أن يفهمه المتفرج أياً كان البلد الذي جاء منه؟!
الأفلام الشعبية التجارية التي تعتمد علي توليفة المطرب والراقصة والحكاية الميلودرامية. يمكن أن يُساء استقبالها لأن الغريب لن تصله خصوصية الثقافة التي تعبر عن الفئات الدنيا والترفيه الذي يعبر عنها لا يسيء بدورها إلي هذه الفئات وحدها. وإنما إلي الشعب كله؟!.. وهذه الأفلام لا تعبر عنهم تعبيراً صادقاً حتي لو كانت الخشونة الخارجية تعكس واحدة من سمات شريحة من أبناء الشعب المظلومين أو غير المحظوظين والتي يجسدها واحد من أبطال الفيلم.
وإذا أردت أن تختار عملاً سينمائياً يحمل ملامح سنوات شهدت ثورتين كبيرتين في ثلاث سنوات فقط. وامتلأت بشحنات هائلة من أحداث عنف وإرهاب وجرائم وتحولات سياسية إلي جانب مشروعات كبري وتحديات أكبر وزخم إعلامي وإعلاني غير مسبوق ربما. إذا أردت فعلاً أن تعرض للضيوف عملاً يعبر عن ذلك كله أو جانب منه أو يحمل مؤشرات تدل عليه ستواجه بحيرة مؤلمة لأنك ستصل بقناعة أن صناعة السينما ليست علي مستوي المرحلة والإنتاج الذي سوف يبقي من هذه السنوات بعيداً في معظمه عما جري شكلاً وموضوعاً.
بعض الأفلام الجيدة التي شهدتها هذه السنوات اعتمدت علي أعمال أدبية للكتاب من جيل شاب وهي قليلة جداً وكاشفة ــ علي قلتهاــ عن الأدباء الذين أفرزتهم المرحلة وهم "عولميون" يسبحون في تيارات من أفكار ما بعد الحداثة. ويتطلعون إلي "البر الثاني" كمهاجرين بأفكارهم. ومع ذلك فهم يعبرون عن الحساسية الثقافية لشرائح من الأجيال الجديدة التي توفرت لها معرفة التعامل مع التكنولوجيا الحديثة ومع أدوات التواصل الاجتماعية التي ألغت الحدود بين الثقافات وباتت تتبني لغة مشتركة ألغت ما كان يشار إليه بمصطلح الأصالة والمعاصرة. ذلك لأن الأصالة اختفت والمعاصرة تغيرت دلالاتها وتعريفاتها.
نوع آخر من الإنتاج السينمائي حاول أن يقترب من ملامح بارزة في مجتمع أخضعت فئات عريضة منه للأيديولوجيات السلفية التقليدية وانخرطت عشرات من أبنائها في خضم هذه الأيديولوجيات. وأنتجت الجماعات الإرهابية "الجديدة" التي تمتد فروعها إلي جماعة الإخوان. أو الجماعة السلفية ورغم أن هذه التيارات أوجدت تربة خصبة وجاهزة وتغذيها ظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية إلي جانب هبوط كبير في مستويات التعليم الحكومي. ورغم هذا فلن تعثر علي فيلم يعالج هذه الظروف أو يختار منها موضوعاً يتناول جانباً مما جري. اللهم إلا بعض تجارب نادرة استطاعت أن تعبر بجدية ومن خلال رؤية موضوعية تنقل للمتفرج "الغريب" جزءاً من "الحالة المصرية" التي عاشها الشباب من العالم في البلد الذي يمضون فيه أياماً زاهية وفوق بقعة من أزهي المناطق المصرية وأجملها. وأعني مدينة "شرم الشيخ".
لا تندهش إذا وقع الاختيار علي فيلم من إنتاج 2017 يصلح للعرض وإثارة الجدل في نفس الوقت يؤكد أن حرية الإبداع والتعبير مكفولة للسينمائي المفكر. حتي لو كان معارضاً وعنيداً مثل إبراهيم عيسي. والمخرج مجدي أحمد علي.
من الواضح أنني أشير إلي فيلم "مولانا" الذي عرض في بداية عام 2017 وحقق نجاحاً تجارياً كبيراً. وقد يسأل سائل عن المعايير التي ترجح هذا الاختيار.
* الفيلم يعالج واحداً من الموضوعات الجديرة بالاهتمام في هذه المرحلة. ألا وهو عملية صعود وسقوط داعية إسلامي شاب ومؤثر. ويمتلك أدوات هذا التأثير النافذ.
* نموذج الشيخ "حاتم الشناوي" الذي لعب دوره النجم عمرو سعد ليس بعيداً عن نماذج كثيرة لعبت بقوة في عقول الشباب واجتذبتهم بتأثير الدين إلي مسارات لا تبني بقدر ما تهدم. وتجر المجتمع إلي الوراء.
* يعالج الفيلم العلاقة الوطيدة بين الإعلام المرئي وبين الإسلاميين وأسلوب دعمهم واستقطابهم والمتاجرة بهم بدوافع تحقيق نسبة مشاهدة كبيرة إلي جانب الدوافع السياسية والتأثير اجتماعياً.
الفيلم أيضاً يرسم صورة واقعية لظروف مجتمع تخضع النسبة الكبيرة منه لفتاوي الدعاة. وتأثير هذا الأخير علي الزمرة الحاكمة في هذا المجتمع.
ومع حساسية الموضوع استطاع صناع الفيلم أن يصمموا القالب الجذاب فنياً الذي يمزج الخاص بالعام في مرحلة فريدة ولها خصوصيتها البارزة في تاريخ التطور الحديث في المجتمع المصري.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف