محمد السعدنى
في الفكر والسياسة - إنها خديعته وليس ضميره
لعله من أصعب مايكون علي الكاتب المفكر أوالباحث المدقق أوالأستاذ المتخصص أن يعاود الكتابة في موضوع سبق له إبداء رأيه فيه، وقدم مالديه من أسانيد وتفنيد، خصوصاً إذا كان الموضوع مجرد فرقعة إعلامية من كاتب باحث عن الشهرة يغازل عدوا متربصا ويُخدم علي أهدافه الكاذبة بتزوير التاريخ والنيل من أبطاله،لقناعته المراوغة بأن هذا هو طريقه الوحيد للعالمية والحصول علي جائزة تمناها عن غير كفاءة وتعد إسرائيل إحدي بواباتها الواسعة.
الموضوع بهذا التوصيف لا يستأهل الرد، لكن تداعياته الخطيرة علي أمننا القومي وتراثنا التاريخي وحقوقنا السياسية وقضايانا الوطنية، هو ما دفعني للرد مرة أخري، خصوصاً بعد أن كتب الأستاذ إبراهيم سنجاب مقاله »ضمير يوسف زيدان» في الأهرام 1 نوفمبر مشيداً بما آتاه الرجل من فعل مستهجن وعمل ردئ بمقاييس العلم والفكر والتاريخ والوطنية والأدب، بل يري الأستاذ سنجاب أن ماقدمه زيدان كان صدمة للمجتمع الذي عاش خديعة كبري في معلوماته التي استقاها في تربيته وتعليمه من البيت والشارع والمدرسة والجامعة عن ماض مقدس ومنزه جاء زيدان ليثبت أنه غير ذلك. إلي هنا فهذا رأيه، ومهما كان متسرعاً ولا مبنياً علي أية أسس علمية سوي اعتماده علي قراءة زيدان، وهي باعتراف أغلب أساتذة التاريخ الراسخين في العلم، قراءة أحادية قاصرة، ومن منظور مغرق في الذاتية والهوي، فجاءت قراءة مبتورة مغرضة اعتمدت علي النادر القليل من آراء مستهجنة لايسندها إلا أقوال مرسلة من خصوم، فيها من السياسة أكثر مما فيها من علم وبحث وتاريخ.
لكن قمة المغالطة هي ماذهب إليه الأستاذ سنجاب بقوله: »تحدث الدكتور زيدان عن المسجد الأقصي وعن رموز نقدسها كعمرو بن العاص وصلاح الدين الأيوبي وأحمد عرابي فاكتفي منتقدوه بالسب واللعن ولم يثبتوا عكس ما ذهب إليه موثقا بالأدلة التاريخية». وهذا غير صحيح بالمرة، وليعد الأستاذ سنجاب إلي مقالي في الأخبار »ماذا يريد ذلك الكاتب اللجوج» بتاريخ 23 أكتوبر الماضي الذي ناقشت فيه السرقات العلمية والأدبية ليوسف زيدان، واستعرضت ردوداً عليه من مقالات د. إبراهيم البحراوي يفند فيها أفكار زيدان - إن كان يمكن اعتبارها أفكارا - ويرد عليه بوثائق دامغة أفحمته فما أحري زيدان جواباً، واقرأ مقالات البحراوي مارس 2016 في المصري اليوم في سلسلة عنوانها: »د. زيدان وموردخاي..إليكما المستندات التاريخية لعروبة القدس »٣-٣»، وكذلك رد عليه د. عاصم الدسوقي، د. جمال شقرة، د. محمد عفيفي، د. بسام الشماع، وكلهم أساتذة راسخون في علوم التاريخ والمصريات، وكذا د. هدي زكريا أستاذ الاجتماع، د. نور فرحات أستاذ فلسفة القانون، وعروا شطحاته. نعم تطرقوا بالنقد لمستهجن سلوكه وما ذهب إليه طلباً للشهرة والإدعاء لكنهم وثقوا زيف دعاواه وتهافت حجته وبينوا أن آراء زيدان منحولة بالحرف والكلمة من مزاعم أستاذ إسرائيلي بجامعة بار إيلان يدعي موردخاي كيدار، كما بينا نقلاً عن مقال د. علاء حمودة بتاريخ 22 فبراير 2017 في البوابة للأدب والثقافة، سرقة زيدان لرواية عزازيل والمنقولة حرفياً من رواية »أعداء جدد بوجه قديم» 1853 لتشارلز كينغسلي، والمعروفة بإسم »هيباتيا» وكما بين الأديب التونسي كمال العيادي فيما نشر في فيتو يوليو 2014. وعن حديث السرقات الأدبية فقد سارت بها الركبان في عالمنا العربي وفي إيطاليا التي سرق من ألبيرتو إيكو روايته »اسم الوردة» مطلع الثمانينيات. فهل هذا هو ضمير زيدان الذي يحدثنا عنه الأستاذ سنجاب؟. وياله من تعريف ربما جديد لمعني الضمير عند سيادته، لكنه تعريف كاذب مراوغ يخاتلنا به سنجاب الذي إما أنه لم يقرأ أو يتابع ماحفلت به المراجع العربية والمصرية والدولية عن فضائح ذلك الضمير الغائب الضامر، وإما أنه يكتفي بنفس منطق زيدان المخاتل والمتحايل عن »خالف تعرف». وعلي سنجاب أن يراجع نفسه فقد أقحم ذاته في معركة بدت أكبر كثيراً من كل تقديراته واحتمال معالجاته.
ولعل قمة التجاوز فيما ذهب إليه السيد سنجاب قوله:»إن الذين يتصدون لزيدان إما ناقصي علم وهمة وإما محبطين يائسين» وهذا تطاول ماكان ينبغي لسنجاب أن يجترحه في حضرة كبار الأساتذة والمثقفين والكتاب ذوي القامات الرفيعة التي لايعرف ضميرها السرقة والكذب والالتواء بغية جائزة رخيصة إذا ماقورنت بما ارتكبه زيدان من جرائم، يكفي للدلالة علي خستها ووضاعتها، ما صرح به وزير الدفاع الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان علي صفحته بفيس بوك: »سعيد للغاية بتصريحات المؤرخين المصريين التي تنزع القدسية عن أكبر إرهابي في التاريخ الإسلامي صلاح الدين، وعن أسطورة المسجد الأقصي المصطنعة»، وهي »بداية لعودة التاريخ إلي أصوله»، بكون القدس عاصمة أبدية لـ»دولة إسرائيل». إنها خديعة زيدان ياسيد سنجاب وليس ضميره.