الأهرام
يوسف القعيد
الشباب.. اللجنة المنظمة.. الرئيس
والشباب نوعان، ألف شاب وشابة من البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب وتدريبهم، وهم الذين تولوا المؤتمر من الألف للياء. بدأت بهم لأنهم لعبوا الدور الجوهرى فى الصورة التى ظهر بها مؤتمر الشباب الدولى الذى انعقد أخيراً فى شرم الشيخ. ثم ثلاثة آلاف شاب جاءوا من كل مكان فى العالم ليحضروا المؤتمر.كان مؤتمراً مصرياً، وتحول لمؤتمر دولى وعالمي، ما أكثر المفاجآت التى حملها. لكن مفاجأتى الأولى فى لحظة تكريمات الرئيس عبد الفتاح السيسى لنوابغ الشباب عندما رأيت شباباً من أهل وأبناء مصر، جاءوا من دول العالم المختلفة، وتم تكريمهم بعد أن أبدعوا إبداعات أكثر من نادرة فى البلدان التى يعيشون فيها. إنهم أحفاد من حملوا مشاعل الحضارة ليضيئوا البشرية. عادوا يلعبون نفس الدور الآن بروح مصر واسم مصر وكيان مصر.

أول من اتصل بى يبلغنى الدعوة كانت شابة من شباب البرنامج الرئاسي. لن أذكر اسمها حتى أحقق النبوءة المصرية القديمة: عندما يصير الكل فى واحد. قالت لى بتحديد حسدتها وجيلها عليه إن مهمتها تنحصر بإبلاغى بالدعوة والحصول على موافقتي. أما باقى التفاصيل التى سألت عنها فهناك غيرها من سيتولاها.

مشكلتنا فى الإدارة أن البعض لا يقوم بالمطلوب منه، ويحاول أن يستغل فراغه فى القيام بالمطلوب من الآخرين. وهذا يحدث حالة من الخلط الإدارى يعانيها المتعاملون معهم، ويدفعون ثمنها.

منذ لحظة خروجى من بيتى وحتى دخولى غرفتى فى الفندق، وشباب البرنامج الرئاسى يتولون ترتيب كل شيء فى مطارى القاهرة، وشرم الشيخ، فى المسافة من المطار إلى الفندق. ثم فى قاعة المؤتمرات التى عقد فيها المؤتمر كانوا شباباً يفخرون بأنهم شباب البرنامج الرئاسي.

عددهم ليس سراً. فهم يقتربون من الألف، يشكلون دفعتين: الأولى والثانية من مشروع طموح ونادر، والدفعة الثالثة فى الطريق يزاوجون بين المحاضرات واللقاءات والدروس والتدريب العملي، وربما كان المؤتمر الدولى فرصة نادرة للتدريب.

سألت بعضهم من أين جاءوا؟ الأماكن التى ينتمون إليها. فاهتمامى بالجغرافيا مهم وقديم ومستقبلي. اكتشفت أنهم يمثلون كل شبر فى بر مصر. جاءوا من الشمال والجنوب، من الشرق والغرب، من القرى والصعيد، من الصحارى والواحات، وتم اختيارهم عن طريق الفضاء الإليكترونى بعيداً عن أى وساطات أو تدخلات. إنهم ليسوا شباب البرنامج الرئاسي. بل ربما كانوا رسل ثورة جديدة تهز الإدارة المصرية.

<<<

خرجت اللجنة المنظمة للمؤتمر وكل المؤتمرات السابقة من الكتمان التى تحرص عليه والسرية التى تفرضها على نفسها عندما كلفها الرئيس عبد الفتاح السيسى خلال الوصايا العشر التى ختم بها كلمته. وكانت تكليفاته لجهات كثيرة. لكن معظمها وأغلبها كان للجنة المنظمة.

خلال المؤتمر تساءلت وتساءل غيري: من هم الذين يعملون فى صمت وبعيداً عن الدنيا فى هذه اللجنة المنظمة؟ من هو رئيسها؟ من هم أعضاؤها؟ ماذا تمثل من تضاريس الإدارة المصرية الموجودة فى مؤسسة الرئاسة؟ ما داموا لم يعلنوا عن أنفسهم وفضَّلوا أن يلعبوا دور الجنود المجهولين فى النجاح المدوي، فلنحافظ لهم على رغبتهم ولا نستسلم للتخمينات. بالتخمين وليس بالمعلومة أعرف بعضهم. لكن التخمين حمال أوجه. والاستسلام له أضراره أكثر من فوائده.

ربما كانت تجربة جديدة فى العمل العام فى مصر أن نجد من ينكرون ذواتهم. من ينسحبون من المسرح. من يعملون بعيداً عن الأضواء. وفى صمت تام. وإنكار للذات حقيقي. وعدم رغبة فى أن يقول أى منهم إنه فعل كذا أو لم يفعل. كانت اللجنة المنظمة حاضرة فى كل حواراتنا الجانبية. والسؤال عنها وعن مكوناتها وأماكن عملها يملأ كل لحظة. لكنى لم أجد إجابة شافية.

الجهد الذى قامت به يفوق طاقة البشر. يكفى اكتشاف الشباب الذين كرمهم الرئيس واكتشافهم فى كل مكان من العالم ودعوتهم والمجيء بهم والتأكد من أنهم فعلوا ما يجعلهم يستحقون التكريم. وعندما صعدوا للمسرح وصافحوا الرئيس، وبعضهم عانقه عناقاً حاراً. كنا نراهم لأول مرة. كانوا يخرجون من المجهول إلى المعلوم بفضل قدرة اللجنة المنظمة على البحث والاكتشاف. تفاصيل كثيرة ابتداء من حفل الافتتاح وتتويجاً باحتفال الختام التاريخى المبهر، مروراً بالجلسات ودعوات اللقاءات الليلية، كل هذا تم بدقة نحسد عليها كمصريين. فعندما لا نوفق فى أى عمل نقول: الشيطان يكمن فى التفاصيل. والمشكلة مشكلة التفاصيل. ولكن اللجنة المنظمة كانت تتحسب لتفاصيل التفاصيل، وتدرك ردود الأفعال قبل أن تقدم على الأفعال. ولست أدرى هل أطالب بالإعلان عنها؟ أم أن نكران الذات والعمل فى السر يرضيهم وربما يوصلها إلى النتائج المبهرة التى ظهرت فى المؤتمر والمؤتمرات السابقة؟.

<<<

فى الجلسة الختامية وبعد التكريمات ألقى الرئيس عبد الفتاح السيسى كلمة ختامية. لكنه أحب أن يرتجل بعض الكلمات. واستأذن بأدبه الجم من الحاضرين أن يرتجل. وقال كلمة ليست ضمن النص المكتوب لكى يلقيه. استخدم فيها جملة من كلمتين تلخص كل ما جرى فى المؤتمر.

وصف الجلسات بالعصف الذهني. وهو تعبير توقفت أمامه طويلاً. فهو توصيف دقيق لجلسات كثيرة ومتنوعة سواء فى القاعة الرئيسية أو القاعات الصغيرة الجانبية الملحقة بها دارت حول ما يهم الشباب والأوطان التى جاءوا منها والدنيا من حولنا فى لحظة انعقاد المؤتمر. أكد اختيار الموضوعات والعناوين لنا أنه هكذا تبدو مصر والوطن العربى والأمة الإسلامية وإفريقيا وآسيا والدنيا من حولنا: هنا والآن.

حرص الرئيس السيسى على حضور العديد من الجلسات. وكان اختياره للجلسات التى حضرها سواء فى القاعة العامة أو القاعات الفرعية دقيقاً ومهماً ويوشك أن يكون رسائل موجهة لمن يعنيه الأمر. ودلالات لمن يحبون قراءة ما وراء الأفعال. ولم يشترك مستمعاً، لكنه تحدث وتكلم فى الجلسات التى حضرها بعد حرصه على الاستماع للشباب، يجلس وكأنه غير موجود. وفى الوقت المناسب يمسك بالميكروفون ويستأذن من الشباب ليتكلم معهم.

<<<

أصبح المؤتمر عالمياً، وموعدنا نوفمبر 2018، ربما كان أول مناسبة عالمية يقوم بها الرئيس فى فترة ولايته الثانية. وهكذا يحسم الأمر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف