الجمهورية
صالح ابراهيم
الأمية الرقمية!!
* المتحمسون للحكومة الإلكترونية.. وأصحاب الملاحظات الذين يشككون في نواياها وفوائدها يتحدثون عن سرعة تلبيتها لاحتياجات الجماهير.. وأداء الخدمة بسلاسة وفي الحال.. ويشيدون بما يحققه إتاحة قاعدة المعلومات من استدعاء الخدمة من أقصي مكان إلي أقصي نقطة بمجرد الضغط علي زر بالكمبيوتر.. وفي هذا فائدة كبري لأصحاب الحاجات.. وبالفعل نلمس علي وجوه عملاء البنوك.. أو شركات تكنولوجيا المعلومات من خيبة أمل عند سماع عبارة "الشبكة وقعت.. أو السيستم سقط".. انتظر قليلاً أو كثيراً أن ينهض الكمبيوتر من جديد.. بالطبع أصبح التعامل الإلكتروني واقعاً يزحف.. من مصلحة إلي أخري.. من بنك إلي آخر.. ووزارة إلي أخري.. الكل شاكر لثورة المعلومات.. وينتظر ثمارها مع الفهم المتزايد للكمبيوتر والحاسبات الآلية.. التي يتنافس عليها الصغار قبل الكبار.
* ولكن غاب عن الجميع فائدة مهمة استدعت التوصية باعتماد الكتابة علي الكمبيوتر للمذكرات المتنوعة من جانب وزارتي الداخلية والعدل.. لتضع المجتمع بالكامل أمام ثمرة مهمة.. ومتغير قادم.. وحل ناجز لمشكلة طال بها الأمد.. منذ عرفت البلاد التسجيل الورقي للوثائق والمذكرات والشهادات. وربما منذ بدأ الأرشيف العثماني. ولسنا في حاجة إلي ضرب العديد من الأمثلة.. فهي حولنا.. نسمع عنها.. ونلمسها.. وتعتبرها الفضائيات ووسائل الإعلام من باب الطرائف. التي تثير اهتمام الرأي العام.. وقد يتمثل في حرف زائد يضاف لاسم شخص.. يجعله يدور حول نفسه.. لتصحيح هذا الخطأ الوارد في شهادة الميلاد.. أو شهادة إتمام الدراسة.. أو وثيقة أخري.. وربما يتمثل في تسجيله في خانة الإناث.. وهو من الذكور.. ويحتاج الأمر إلي تصويب يتفنن الروتين في إطالة خطواته.. وتعددها بما يجعل التصحيح في النهاية.. حياة جديدة. قد يتمتع بها الشخص صاحب الحاجة أم لا.. خاصة أن شهاداتنا الإدارية جميعها تقريباً.. تتزين بعبارة.. بدون أدني مسئولية علي الجهة صاحبة الشهادة. ويثير التساؤل: لماذا أصدرتها إذن؟!!
* ونواجه نفس المشكلة بسبب الخط الرديء الذي تسجل به عادة محاضر الشرطة وجلسات المحاكم.. وما يتبعها من شهادات ومستندات. تتحول الصفحات إلي طلاسم تستعصي علي الحل.. رغم أنه والحق يقال.. هناك بعض العاملين المجهولين في هذه الأماكن يحرصون علي كتابة خط أشبه بسلاسل الذهب.. ولكن جهودهم تضيع وسط عدم اهتمام الغالبية العظمي بجودة الخط. ووضوحه.. والبعد عن "نقش الفراخ" كما يصف العامة هذه الأوراق.
* وقد خططت المؤسسات الحكومية والتشريعية.. وربما في أعقاب الحرب العالمية الأولي.. ومع اعتماد الشفرة في المراسلات. خاصة اللاسلكية.. إلي اختراع الاختزال.. الذي يقضي بتحويل الحروف والأرقام إلي علامات هندسية.. من الدائرة والمثلث والخط المستقيم. تستطيع اعتبارها تجريداً للحرف. واختصاراً لمكونات الكلمة.. والجملة.. ونشأت حولها مدارس وأساليب.. وتدريب وتأهيل للعديد من الناسخين والمترجمين ومسئولي تسجيل الجلسات.. ولكن اختراع الكمبيوتر. وما تبعه من تواصل للحكومة الإلكترونية.. وبرامج تدخلت في جميع الأعمال اليومية.. من التفصيل والرسم حتي إطلاق سفن الفضاء.. وبالتالي أتيحت هذه البرامج.. متكاملة لخدمة الصناعات والميديا والألعاب الرياضية.. بل والاحتياجات اليومية لمستخدمي التليفون المحمول.. الذي فتح باب الاستضافة والاستيعاب للعديد من البرامج.. وإرسال الرسائل.. والتعبير عن الرأي والمشاعر.. والتعليق علي الأحداث من خلال الفيس بوك والتويتر. والواتس آب.. والرسائل النصية.. إلخ.. ليدخل المرء في مرحلة متعددة الآفاق.. تخطي الأمية الورقية والرقمية إن صح التعبير.
* حيث أصبح من الضروري لاستكمال كيان وقواعد الحكومة الإلكترونية.. والخدمات الذكية بكل مجالاتها وأنواعها.. لتحتوي الخطأ المحتمل باستمرار وكتابة الوظائف والشهادات بخط اليد. حيث يتجاوز الأمر الأخطاء اللغوية والنحوية.. إلي نبش الفراخ. وغموض الأسطر.. واحتمالية الخروج من التدقيق "المسئول" لعبارة أو كلمة معينة بمعني آخر.. غير الحقيقة وغير المقصودة. كما تمثل هذه الوثائق الورقية كابوساً رهيباً في الملفات والمذكرات والمستندات.. لذلك ومع اختفاء الاختزال إلي غير رجعة.. تدريب الأفراد المسئولين عن صياغة هذه المحاضر والشهادات للكتابة مباشرة علي الكمبيوتر.. حيث تتعدد الأبناط والخطوط.. وتتنافس في الموضوع لتقضي بعد ذلك علي وجع مستمر في جسد البيروقراطية والروتين.. وتقضي علي نزاعات مريرة سببتها الكلمة اليدوية. والأمية الرقمية. فهل تستجيب الحكومة الذكية؟!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف