تعتبر التنمية الشاملة من أهم الأهداف التي تسعي إلي تحقيقها المجتمعات ومن أسمي الغايات التي توضع من أجلها السياسات والقرارات ذلك لتحقيق الرخاء والرفاهية للشعوب ولا يمكن أن تتحقق التنمية في أي مجتمع بدون إدارة واعية ورشيدة تحقق شمولية واستدامة التنمية. لقد أوجدت المتغيرات الدولية والإقليمية مجموعة من التحديات لمجابهتها يقتضي تكريس الفكر لأن تكون هناك إرادة للتنمية تتوازي معها إدارة علمية للتنمية. وإذا كانت المحليات في كل وقت وأوان هي السبيل الأمثل لتحقيق التنمية إلا أننا في الوقت الحالي أحوج ما نكون إلي تنظيم محلي تتفاعل من خلاله كل مقومات التنمية المجتمعية. وتعبر به مصر أزمتها الحالية.
ولعل نظام الإدارة المحلية في مصر الذي انعقدت عليه الآمال ليقود مجتمع التنمية علي المستوي الجغرافي والنوعي. وإن كان قد حقق نجاحات وتصدي لمسئوليات جسيمة خاصة في أوقات الأزمات والكوارث والنكبات. إلا أنها نجاحات مرجعها مبادرات واجتهادات وقدرات فردية وليست نتاج تنظيمات سوية.
ولو كنا قد حرصنا علي كفالة بناء مؤسسي سليم لهذا النظام لكانت مخرجاته أوفر ولتحقق للمجتمع من خلاله أعظم الإنجازات. والفرصة مواتية ونحن بصدد العمل علي إصدار قانون جديد للإدارة المحلية يتوافق مع ما نص عليه الدستور الحالي والذي أفرد عديداً من المواد التي تصب كلها في تحقيق قدر عال من اللامركزية أبرزها تخصيص نسب معتبرة من المجالس المحلية للشباب والمرأة وأيضاً اجازته انتخاب القيادات المحلية علاوة علي تعزيز صلاحيات الرقابة للمجالس من خلال الاستجواب وسحب الثقة وغيرها وإن كانت مصر قد عايشت نظام البلديات منذ نهاية القرن التاسع عشر إلا أنها انتقلت إلي النظام المحلي منذ قانون 124 لسنة 60 ثم إلي الحكم المحلي اعتباراً من القانون 52 لسنة 71 ثم صدر القانون 57 لسنة 75 ثم عادت للإدارة المحلية بالقانون 43 لسنة 78 الذي استمر العمل به حتي الآن والذي نحن بصدد تغييره. لذا نتطلع إلي تدارك أؤجه القصور الذي واكبه ومن أبرزها:
- توجهات الحكومة وقناعتها باللامركزية مسألة هامة للغاية بالنسبة لتطبيق أي تشريع حيث مازالت الحكومة المركزية في ظل أي قانون صدر تفتئت علي صلاحيات المحليات وتتجاوزها بوصاية لا تبررها ضرورة ولا يحللها قانون أو دستور.
- اللامركزية إذا لم يقابلها تمويل محلي وافر ينظمه القانون يغطي الاحتياجات الأساسية تصبح التنظيمات القائمة فاقدة للاعتبار لا معني لها ولا تأثير. الوعاء المالي المحلي علي كل مستوي وثيق الصلة بقدراتها علي إعداد وتنفيذ خطة التنمية كما نص الدستور.
- سعي الحكومة نحو تحويل بعض الأنشطة البلدية إلي هيئات مركزية أو خصخصتها دون أن ينظم القانون علاقتها بالمحليات يفقد المستويات المحلية تحقيق الإشراف والرقابة والمتابعة علي أنشطتها وهذا التوجه يأخذ حالياً شكل الظاهرة ومن المجدي تكريس علاقات واضحة بين المحليات وهذه الهيئات وأفرعها علي كل مستوي محلي أن المجتمعات العمرانية الجديدة مازالت تمثل علاقات غير منضبطة أو مقتنه وتؤدي إلي كثير من الاحتقانات وتعطل قوة الدفع التي يجب أن نحظي بها.
وقد يتصور البعض أن استهداف اللامركزية مقرون بتغيير أو بتعديل قانون الإدارة المحلية فقط والصحيح أن فكرة اللامركزية لابد أن تشيع في المجتمع باعتبار أن تحقيق التنمية الشاملة مقرون بمساحة اللامركزية المتاحة لذا يصبح إعادة النظر في عديد من القوانين المنظمة لأمور حياتنا بحيث تتوافق مع توجه الدستور وما سوف يشتمله قانون الإدارة المحلية المأمول عندها ستتكامل أركان الدولة المصرية وتنطلق إلي افاق التنمية والتقدم والازدهار.