لطالما سمعنا عن ترزية القوانين في عهود سابقة. كانت صحف المعارضة من أطلق هذا الوصف بعض محترفي التشريع وتفصيله حسب ما يريد الحاكم. ومن المفارقات أن يتولي رموز معارضون في السابق نفس موقع الترزية السابقين فيقومون بدور أسوأ. عندما ارتكب ترزية التشريعات في عام 1995 الجرم الكبير وغيروا قانون سلطة الصحافة كان هدفهم العصف بالحريات ، هبت نقابة الصحفيين وهي نقابة الرأي وكل القوي المدافعة عن الحريات لتحمي حرية التعبير والنشر رافضة القانون السيئ. استجاب الرئيس الأسبق حسني مبارك لهذه الهبة وانحني أمام الرأي العام وتم تعديل القانون في الدورة التالية لمجلس الشعب ليصبح القانون رقم 96 لسنة 1996 وهو القانون الساري حتي الآن.
أتذكر وصف الزعيم السوفييتي لينين سلوك الأحزاب الشيوعية الوليدة إبان الثورة الروسية بأنها تعاني أمراض الطفولة اليسارية ، كانت أخطاء تلك الأحزاب تدل علي عدم النضوج السياسي وعلي الصبيانية السياسية. ومناسبة هذا الحديث أن الصحف نشرت عن مشروع قانون باللجنة التشريعية بمجلس النواب لحماية ما أسموه بالرموز !!. مشروع القانون يدل علي طفولية مقدميه الذين يمسكون في أيديهم سلطة التشريع فيرهبون بها المواطنين وأصحاب الرأي ، والمفترض أن النائب يتعامل مع التشريع برقي لا بأسلوب الانتقام. وقانون العقوبات مكدس بالنصوص التي تعاقب حتي من يصيح في الشارع باعتبار أن ذلك إبداء للرأي ونشر للمعتقدات!! ومع ذلك جاء من يتبني مشروعا جديدا لتكميم الأفواه، أي أنه لا يوجد لدي من تقدم بالمشروع ومن وافق عليه أي نوع من التمييز السياسي ولا أفهم إن كان هؤلاء النواب نوابا حقيقيين أي تم انتخابهم بالفعل ؟! فإذا كانوا كذلك فكيف يفكرون بمثل هذه الطريقة؟ كيف لنائب أن يتطوع ويقدم للحكومة أو السلطة علي طبق من ذهب مشروعا لكبت الحريات؟ ما وصف هذا النائب الذي من المؤكد أنه لم يدخل البرلمان بأصوات ناخبين؟.
لقد تجرعنا من هؤلاء النواب وغيرهم مقولات عن الديمقراطية والحرية لا حد لها ومع ذلك تغيرت مقولاتهم وتوجهاتهم بمجرد أن سيطروا علي سلطة التشريع وهي الأخطر في أي مجتمع. شتان الفارق بين ما أعلنوه وبدا وكأنهم صادقون وبين ما يمارسونه ويطبقونه. شتان الفارق بين ما يعتنقونه من أيديولوجيات وبين سيكولوجيتهم الداخلية التي تتعطش للبطش وكبت الحريات وفرض القيود فهم شكليا ورسميا مع الديمقراطية والحرية لكنهم نفسيا مع الأنا ، مع السلطة بمعانيها في السيطرة والإجبار ، مع حرية الرأي شكلا لكنهم في الحقيقة والواقع مع مصالحهم وأهدافهم التي يحققونها من خلال السلطة.
مازال رئيس اللجنة الموقر عضوا بارزا في حزب ليبرالي وقد عمل بالمحاماة طوال حياته وبالتالي لمس عن قرب معني وأثر ما تفعله الحكومات بالمواطنين والتضييق عليهم وزد علي ذلك أنه كان ينادي دائما بالحرية والديمقراطية ولكنه بمجرد أن تولي رئاسة اللجنة التشريعية تحول إلي كابت للحريات، فقد صار منفذا لأوامر الحكومة بل ويغطي أحكامه ويبررها.
إن هؤلاء القابعين بمجلس النواب ما إن انتسبوا للسلطة حتي تقمصوا شخصيات جديدة ألبستهم إياها السلطة وأدخلت السلطة في روعهم أن ما يتمتعون به جاء حصيلة لشخصياتهم المتميزة وكفاءتهم العالية !! ولأن هؤلاء تواقون لنيل رضا السلطة فهم يتقدمون لها بأثمن وأغلي ما يملكه مواطن وهو الحرية وتشريع القوانين التي تحكم الحياة في بلد يتطلع للتقدم وهم في اعتقادهم بنيل رضا السلطة يجهلون الأثر الفادح لما يفعلون.