الأهرام
منير عامر
فى مواجهة خطايا الترهل
لم تتوقف الكرة الارضية عن الدوران لحظة واحدة، ولكن حركة شعوب الكون في شطرها الاوروبي لا يتوقف عن التقدم العلمي؛ ولم تتكاسل «قرية العلم الأمريكية «لو آلاموس» عن إضافة الجديد من التقدم التكنولوجي؛ ولم تصمت عقول جنوب شرق آسيا عن إقتحام آفاق الصراع في مجال صناعة التكنولوجيا الدقيقة، ولم تتكاسل خطط إلقاء ما يسمى العالم الثالث خارج التاريخ لتترنح شعوب بأكملها في دوامات من الجوع والعطش والعجز عن إيجاد ما يقيم الأجساد من طعام ؛ وامتلأت سماوات الكون بضجيج وعواء المناداة بالديمقراطية؛ على الرغم من تحقيقات مازالت تدور منذ سنوات عديدة في محاولة معرفة كيف تم قتل شاعر شيلي العظيم بابلو نيرودا تماما كما استمر البحث عن قاتل شاعر اسبانيا جارثيا لوركا طوال خمسة وسبعين عاما بلا طائل ، وطبعا تناسى الناس أن كلا من الشاعرين كان لهما حلم صعب رغم بساطته ؛ الحلم ببساطة يتركز في أن يصحو كل كائن بشري في أي صباح ليذهب إلى عمل يمنحه أجرا يكفيه هو وأفراد أسرته ويعود في المساء ليلقى أسرة فرحة بعودته سالما . ولكن هذا الحلم البسيط إصطدم بالأطماع الإمبراطورية التي سرقت بها كل الدول العظمى خيرات عديد من القارات، ثم امتلكت بعض تلك القوى من التقدم العلمي والتطليقي ما جعلها من أكبر قوى النيران في عصرنا، وراحت تزرع يمينا وشمالا هوسا له أسماء متغيرة، مرة هوسا اسمه ديمقراطية الصناديق وأخرى اسمها حقوق الإنسان وتشهد جدران معهد القانون الجنائي الدولي بسيراكوزا في جزيرة صقلية بصرخاتي في الباحثين عن حقوق الإنسان العربي من عام 1985 وحتى عام 1990؛ وكانت صرخاتي تطلب حق الفلسطيني في العودة إلى بيته؛ والتوقف عن قصف العراق بالصواريخ، وفك الحصار عن فكرة القومية العربية لتتكامل شعوبنا في إنتاج وتصنيع يكفيها مئونة استيراد كل شيء كامل التجهيز ، ولكن ماذا يفعل صوت كاتب عجوز في دوامات الصرخات التي تبدو في ظاهرها حماية للإنسان وفي جوهرها استكشاف نقاط الضعف في المجتمعات تمهيدا لوضعها في آلة هرس الشعوب المسماة «المعونة مقابل الرضوخ». وطبعا كانت المنطقة العربية غارقة في تهديد فاضح بحكم القصف الصاروخي على بغداد بفضل غباء صدام حسين الذي زينوا له احتلال الكويت .وتمر الأيام لتختنق أجيال بحبال الحلم والعجز عن تحقيق أبسط الأحلام ما لم يرضخ الجميع لاقتصاد السوق، هذا الاقتصاد الذي وقف جيل من علماء النفس وعلى رأسهم د. تريز لوجان مديرة الصحة النفسية بمركز تدريب المدربين بسياتل ولا أنسى كلماتها لي «أنا أقوم بتدريب أجيال المتطلعين إلى المناصب الأرقى بعد أن تتكسر مجاديف أطماعهم إما بحكم علاقات الأسر شديدة الثراء والتي تتحكم في قرارات الشركات الكبيرة، فيسقط عديد ممن صنعوا رقي الشركات في أزمات القلب أو إفراز سموم العجز عن التواؤم مع ما يعيشون من وقائع.أما عندنا فمنذ أن كبرت فئة الطفيليين وإزدهرت بعد أن صارت ديناصورات وامتلكت خيانة الجموع بهوس الجسر الضيق الذي ربطها بدائرة الحكم، منذ ذلك الوقت والترهل قد أصاب حركة المجتمع فلم يعد يرحب بأجياله الشابة وتناسى أن يطور التعليم لتشارك في تقدم علمي متميز، فمادام الصعود يعتمد على السمسرة وتجريف ثروات الوطن إما ليتم تحويلها إلى جزر الباهاما, وإما إلى البنوك الأوروبية، وانطلق المتأسلمون الذين ولدوا من كنف المقاول الشهير ليقوموا بتركيب مغناطيس يشد الفقراء من شعر رأس كل منهم ليعبئه بمشاهد ما بعد الموت، ومن اليأس جاء النداء بأسلمة الكون رغم أن الكون بطبيعته مسلم لخالقه وليس في حاجة للمتأسلمين، وتحولت القرى إلى مراكز تفريغ التطرف الذي سافر إلى أفغانستان بدعوة أمريكية لهدم الاتحاد السوفيتي ومرة إلى يوجوسلافيا كي تتفكك. وكما تجمعت الثروة في أيدي الديناصورات تجمع الجموع والعجز عن التواؤم مع الحياة أجيالا عديدة. ولم ننتبه إلى هوس مأجور باسم حقوق الإنسان يلتقط من خطايا وأخطاء القهر ما يثير به الطين على صورتنا في الخارج بينما يكتنز أبطال الهوس المأجور عشرات الآلاف من الدولارات، وكان مناخ اليأس قد تجمع في سماوات الشرق الأوسط لنجد كلمة التشخيص من كوندوليزا رايس عندما قالت هي «الفوضى الخلاقة». وكان أول من وضع بذورها بوش الاب فى أثناء جولة بحرية مع مستشاره للأمن القومي ثم تولى كل رئيس أمريكي من بعده رعايتها لتصبح طبخة الدم بتفكيك بلادنا جاهزة؛ فقد صمموا أسلوب القهر وعلموه لمن رغبوا في تأسيس الصمت عن قول «آه لا أجد طعامي» ، لذلك جاء حريق شاب لنفسه في تونس وتوالى خيط الهدر المسمى الربيع العربي. ولولا يقظة قادة هذا الجيش المصري لكانت مصر غارقة في بحور دم يسفكها التطرف بشيوخه وعملائه.وطبعا كان هناك من يؤسس للهدر باسم الديمقراطية ويقف ضده من يتلقى من نفس مصدر التمويل دعوة نصرة الدين، وفئات كثيرة تترنح بحكم الحلم في إنهاء حياة غير قابلة للحياة، وبحكم عجز عن العمل لتغيير الواقع بإتقان ما نعمل.وحين قام الجيش المصري بصيانة المجتمع والاستجابة لنداء اليقظة ضد التأسلم والغرق في إستنزاف خيرات المجتمع، وإعادة رسم خرائط للأمل وجدنا المنطقة التي تحيط بنا وهي تترنح بين دعاوى داعش التي تأسست على فكرة التوحش، وهي الفكرة التي خرجت من جبال أفغانستان وسجن أبوغريب ومعتقل جوانتانامو، لترعى مرة لاستنزافنا في سيناء وأخرى في التسرب من حدودنا الشرقية.وهانحن نحاول الخروج من عنق زجاجة اليأس التي تحاول قوى الاستنزاف وضعنا بداخلها، وكلماتي تلك ابنة رؤيتي لمحاولة الخروج من قمقم اليأس بمؤتمر الشباب العالمي بشرم الشيخ ، فضلا عن التلخيص البارع الذي يقدمه مخرج مبدع معاصر هو خالد جلال الذي ركز محاولات قوى التخلف أن تقول لكل منا «سلم نفسك» ولكن يقظة الجيش الحافظ لتاريخ الوطن يوقف تنفيذ الامر الاهوج من قوى الشر بأن نسلم أنفسنا . وكلي أمل أن ينطلق التليفزيون ليعرض المسرحية التي تحمل هذا العنوان «سلم نفسك» لعلنا ننتبه إلى كل يأس يدعونا إلى البقاء عاجزين عن بناء واقع حياة مختلف، واقع يرفض الاستسلام لخطيئة الترهل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف