الأهرام
احمد عبد المعطى حجازى
ليست صراعا بين جنسين !
باستطاعتنا أن نتحدث عن حركة نسائية جديدة تجتاح العالم فى هذه الأيام، تعتبر من ناحية استمرارا للحركات التى سبقتها فى القرنين الماضيين، لكنها من ناحية أخرى بداية مرحلة جديدة فى طريق الحرية الممتد الذى تقطعه المرأة وتقطعه الانسانية معها. فالظلم الواقع على المرأة واقع على الرجل. وإذا كان الرجل يستخدم كثيرا فى إيقاع الظلم بالمرأة فهو يستخدم أكثر فى إيقاع الظلم بنفسه. كما أن المرأة تستخدم أيضا فى إيقاع الظلم بنفسها وببنات جنسها، وربما نافست من ينتقصون من حقوق المرأة وزايدت عليهم وزودتهم بما يعتبرونه دليلا على أن المرأة ناقصة عقل ودين!وحركة تحرير المرأة إذن سواء فى مراحلها السابقة، أو فى مرحلتها الجديدة ليست صراعا بين جنسين بقدر ماهى بين ثقافتين وبين موقفين. وهى ليست انتصارا كاملا للمرأة وانحيازا دائما لها، وإنما هى صراع دائم بين المدافعين عن حقوقها من النساء والرجال وبين المناهضين لهذه الحقوق.نحن فى هذه الأيام ومنذ سنوات وسنوات نندد بزواج القاصرات التى أصبح تجارة أو حرفة يحترفها البعض فى الخفاء والعلن مثلهم مثل تجار المخدرات ويستغلون فيها فقر الفقراء واستعدادهم لتسليم بناتهم للراغبين، خاصة إذا جمع هؤلاء بين الشيخوخة وامتلاء الجيب بالريالات والدراهم والجنيهات، فعندئذ يكون الثمن المدفوع مغريا ـ أقول إننا نندد بهذا الزواج الذى لا يختلف عن التسرى والرق، وربما اتفقا أكثر مع تجارة أخرى، فى الوقت الذى نسمع فيه عن فتاوى تجيز زواج الطفلة بنت التاسعة، وعن محاولات يقوم بها أعضاء فى مجلس النواب لتحويل هذه الفتاوى الماجنة إلى قوانين تنزل بالحد الأدنى لسن الفتاة المطلوبة للزواج الى ستة عشر عاما بدلا من ثمانية عشر. والغريب أو أنه ليس غريبا أن تتطابق هذه المحاولات مع ما حدث فى العراق قبل ثلاثة أعوام حين ناقش البرلمان العراقى مشروع قانون تقدم به حزب يسمى «حزب الفضيلة» للنزول بسن الفتاة الى تسع سنوات! وهى بلغة الدكتور مراد وهبة قصة حافلة بالمفارقات. اغتصاب طفلة فى التاسعة يسمى زواجا! والاغتصاب يحدث بحضور الأب والأم! والحزب المتقدم بهذا المشروع الرذيل يسمى «حزب الفضيلة»! لكن المفارقة تكون مفارقة حين تنتج نفسها بنفسها، أى حين نفاجأ بظهور وجه آخر للشئ أو للفعل يفارق وجهه الأول. أما حين يطلق على أحدهما اسم مفارق لحقيقة فهذا كذب صريح نواجهه فى السياسة والثقافة والمجتمع والأخلاق.هذه الجوانب السلبية وهذه الأوضاع الموروثة التى لا تزال تعيش فيها المرأة لا يصح أن تنسينا الجوانب الايجابية والخطوات الناجحة التى خطتها المرأة وخطاها المجتمع معها فى طريق الحرية وعدم التفرقة، وعدم التمييز بين الرجال والنساء فى الحقوق والواجبات.المرأة المصرية أدت فى ثورة يناير المجيدة دورا مشهودا أثبتت أن لها وجودا مستقلا وإرادة حرة واستعدادا فطريا للمشاركة فى الحياة العامة، وحضورا فاعلا انتقلت به من دائرة الجنس المعزول المحنط إلى دائرة المواطنة الجامعة، تماما كما فعل المسيحيون المصريون الذين انتقلوا فى الثورة من دائرة الذميين إلى دائرة المواطنين، وقدموا وهم يؤدون هذا الدور تضحيات نبيلة قدمتها المرأة المصرية، وتعرضوا كما تعرضت لصور من العنف الهمجى المنحط. وكان التاريخ يعيد نفسه، فهذا بالضبط هو ما حدث فى ثورة 1919 البطولية. انخراط المسيحيين المصريين فى خضم النضال الوطنى العارم بزعامة سعد زغلول ومكرم عبيد، ونمو الحركة النسائىة الوليدة التى جمعت بين العمل لتحرير الوطن، والعمل لتحرير المرأة، وتحرير الأمة التى شاركت بكل فئاتها وأحزابها وطبقاتها فى الثورة. والتاريخ يحفظ لنا ذكرى المظاهرة الحاشدة التى انتظمت فيها مئات النساء المصريات بزعامة هدى شعراوى، وسيزا نبراوى، ونبوية موسى اللائى وقفن فى الميدان بعد عودتهن من مؤتمر تحرير المرأة الذى انعقد فى روما سنة 1923 ليخلعن الحجاب ويطأنه بأقدامهن تعبيرا عن خلاصهن من ثقافة العبودية ومن مظاهرها المتخلفة.والذى تحقق فى مصر تحقق فى معظم البلاد العربية والاسلامية، فى خمسينيات القرن العشرين لم يعد للحجاب وجود إلا فى الأطراف البعيدة والبيئات المعزولة، ويكفى أن نعرف مثلا أن قانونا صدر عام 1959 فى أفغانستان يسمح للنساء بالخروج سافرات، وأن النساء الأفغانيات احتفلن بصدور هذا القانون باحراق عباءاتهن فى أفران منازلهن كما فعلت نساء مصر حين نزعن البراقع ووطأنها بالأقدام. ونحن نعرف أن المرأة تولت رئاسة الدولة والحكومة فى بنجلادش وفى باكستان.ومن المؤكد أن هذه الخطوات التى خطتها المرأة فى البلاد العربية والاسلامية توقفت أحيانا وانقلبت على أعقابها. والأسباب المحلية والدولية معروفة. لكننا نشهد فى هذه الأيام الأخيرة يقظة نسائية جديدة عندنا وفى مختلف أنحاء العالم. المرأة عندنا، تتصدر مجالات وتتولى مناصب لم نكن نظن أنها ستصل إليها بهذه السرعة وستحظى فيها بهذا الترحيب. والرئيس المصرى يطالب بتقييد الطلاق الشفوى. والرئيس التونسى يطالب بالتسوية الكاملة بين المرأة والرجل فى الميراث وفى اختيار شريك الحياة. والمسئولون السعوديون يسلمون للمرأة بحقها فى قيادة السيارة! فاذا ألقينا نظرة خارج حدودنا فسوف نرى أن المرأة الأمريكية تشارك بصورة لافتة فى المظاهرات المناهضة للسياسة الأمريكية الحالية، وأن المرأة الفرنسية تطالب بالمساواة الكاملة بينها وبين الرجل فى الأجور. وقد ظهر أخيرا أن الأجر الذى تحصل عليه أقل من أجر الرجل بنحو ستة عشر فى المائة. وهذا يذكرنا بما فعلته نبوية موسى عندنا فى أوائل القرن الماضى حين عينت ناظرة لاحدى المدارس، ثم فوجئت بأن راتبها نصف راتب الرجل لأن نصيبها فى الميراث نصف ما يحصل عليه شقيقها فاستقالت. وخلال العقود الثلاثة توالت المؤتمرات الدولية التى عقدت حول المرأة وقضاياها، فى نيروبى عام 1985، وفى ريودى جانيرو عام 1992، وفى فيينا، ومصر، وبكين، واستانبول، وأخيرا فى نيويورك عام ألفين.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف