الأهرام
د.أحمد سيد أحمد
اتفاق المصالح الأمريكى ـ الروسى فى سوريا
يمثل البيان الأمريكى ـ الروسى حول سوريا مرحلة جديدة فى فصول الأزمة السورية، ويحدد مسارها صوب اتجاه مختلف سوف ينجم عنه العديد من التداعيات المهمة وملامح مشهدها الختامى. فالبيان أو التفاهم الذى أصدره ترامب وبوتين على هامش قمة أبيك تضمن خمسة مبادئ عامة تشكل إطارا للتسوية وهى أنه لا حل عسكريا للصراع فى سوريا ودعوة كل أطراف الأزمة للانخراط فى تسوية سياسية وفقا لمرجعية جنيف وقرار مجلس الأمن 2254 والعمل على القضاء على تنظيم داعش الإرهابى وتأكيد الحفاظ على سيادة سوريا ووحدتها. ورغم أن هذا المبادئ الخمسة قد لا تشكل أمرا جديدا بالنسبة للأزمة السورية والمبادارات المختلفة منذ اندلاعها إلا أنها تحمل العديد من المؤشرات التى ترسم معالم مستقبل سوريا وأبرزها:أولا: استفراد أمريكا وروسيا بالقضية السورية وفلترة اللاعبين الآخرين خاصة إيران وتركيا, فقد أصبح هناك ما يشبه صفقة ضمنية بين البلدين, تقوم على أن تقوم الولايات المتحدة بإعطاء نفوذ أكبر لروسيا مقابل تحجيم الدور الإيرانى وفك الاشتباك الروسى مع طهران وذلك فى إطار إستراتيجية ترامب لاحتواء الخطر والنفوذ الإيرانى فى المنطقة خاصة فى سوريا, والذى أفضى لحالة من عدم الاستقرار فى ظل توجه النظام الإيرانى لإقامة قواعد عسكرية على الأراضى السورية وهذا بدوره يعطى رسالة طمأنة لإسرائيل حليفة أمريكا, كما أنه بعد اندحار داعش أصبح التركيز الأمريكى الآن هو على خطر إيران وأذرعها العسكرية وعلى رأسها حزب الله والميليشيات الشيعية الحليفة للنظام السورى. كما أن تأكيد البلدين وحدة سوريا بمثابة رسالة طمأنة لتركيا بعدم إقامة دولة كردية فى الشمال. وفى المقابل تسعى روسيا لزيادة الدور الأمريكى فى الأزمة فى ظل تزايد الأعباء الناجمة عن انخراطها فى الأزمة عسكريا وسياسيا منذ سنوات خاصة مع استعداد بوتين للانتخابات الرئاسية العام المقبل. وعمليا أضحت روسيا وأمريكا هما المحركان الأساسيان لتفاعلات الأزمة على المسار العسكرى وتم تقاسم النفوذ بينهما على الأرض، حيث تنتشر روسيا فى مناطق عددية ولديها قواعد عسكرية كما فى حميميم بطرطوس, بينما تنتشر القوات الأمريكية فى شمال سوريا ولديها القواعد العسكرية بالتحالف مع الأكراد وقوات سوريا الديمقراطية، وبالتالى فإن هذا البيان هو بمثابة اتفاق ضمنى على ضمان تعايش مصالح الطرفين وفقا للمعطيات وموازين القوى على الأرض.ثانيا: هذا التفاهم الأمريكى ـ الروسى لا يستهدف تحقيق مصالح الشعب السورى بقدر ما يعكس تقاسم النفوذ وحماية مصالحهما، فإذا كان الجانب الإيجابى فى هذا البيان هو التأكيد على فشل الحسم العسكرى وضرورة الحل السياسى وبالتالى وقف آلة الحرب والقتل خاصة بعد اتفاقات خفض التصعيد التى شملت معظم سوريا وبعد اندحار تنظيم داعش, إلا أنه بالتأكيد فإن سوريا المستقبل لن تكون سوريا قبل اندلاع الأزمة قبل ست سنوات، وأنها ستكون عمليا مقسمة من ناحية النفوذ بين أمريكا وروسيا, رغم التأكيد على وحدتها الجغرافية.ثالثا: أكد البيان على الحل السياسى وفقا لمرجعية جنيف وهو ما يعنى إجهاض مؤتمر سوتشى الذى دعت إليه روسيا, إلا أن شكل ومضمون هذا الحل السياسى يمثل المعضلة الأكبر خاصة عندما يتعلق الأمر بالتفاصيل ومعالجة القضايا التى شكلت ألغاما أمام محاولات الحل السياسى فى جنيف على مدار السنوات السابقة وعلى رأسها مصير الرئيس السورى، وما إذا كان الحل السياسى يقوم على تشكيل حكومة وحدة وطنية بمشاركة عناصر من المعارضة المعتدلة والذى دعمته وتبنته روسيا وإيران والنظام السورى, أم إحداث انتقال سياسى حقيقى وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وكتابة دستور جديد, وتغيير النظام وهو ما تتبناه أمريكا وحلفائها. ولاشك أن تأكيد بوتين وترامب مرجعية جنيف1 يعنى ان موسكو بدأت تبدى مرونة فيما يتعلق بمصير النظام الحالى وتتقارب مع الوقف الأمريكى, هو يعكس أيضا الصفقة الضمنية الثانية وهى التخلى عن النظام ورموزه مقابل إحداث تقارب أمريكى ـ روسى وتطبيع العلاقات بين البلدين، لكن المؤكد هو اتفاق البلدين على أن يكون النظام السياسى القادم فى سوريا، بغض النظر عن استمرار الرئيس السورى أو رحيله، محافظا على مصالح البلدين وخريطة النفوذ الجديدة التى أفرزتها الحرب, وهو ما يعكس برجماتية السياسة الأمريكية فى التحالف مع من يضمن مصالحها أيا ما كان.رابعا: المخرج الوحيد للأزمة السورية، ليس عبر اتفاق أمريكى على مصالح البلدين لا يتوافق مع مصالح الشعب السورى, وإنما بأيدى السوريين أنفسهم لتقرير مستقبل بلدهم من خلال التوافق بين النظام والمعارضة على رؤية مشتركة لوقف نزيف الدم والدمار وتشكيل حكومة سورية تضم كل الفصائل والقوى السياسية وتعمل على تحقيق استقلالية الدولة السورية من كل أشكال النفوذ والتدخل الخارجى وتحقيق مصالحة وطنية حقيقية بين أبناء الشعب السورى ومعالجة شروخات الحرب, والتفرغ لإعادة الإعمار وإعادة اللاجئين، وبدون ذلك فإن تفاهم بوتين ترامب ما هو إلا اتفاق على مصالح البلدين على حساب مصالح الشعب السورى، الخاسر الأكبر خلال الأزمة سواء فى فترة الحرب أو فى مرحلة التسويات السياسية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف