على هاشم
نواب التزويغ.. ومتي يقدم المجلس كشف حساب للناخبين ؟
غياب النواب عن حضور الجلسات بات ظاهرة يشكو منها رئيس البرلمان د. علي عبد العال الذي يهدد تارة بتجريس الأعضاء الغائبين في مختلف وسائل الإعلام . وتارة أخري بتطبيق اللائحة عليهم.. وهنا يثور السؤال: لماذا يتغيب النواب عن ممارسة دورهم تحت القبة.. أهو بسبب توقف إذاعة الجلسات تليفزيونيًا بصورة حية وانحسار الأضواء الإعلامية عن النواب . فذهب حماسهم وضعف عزمهم فآثروا مهادنة الحكومة وكسب رضاها علي حساب أبناء دوائرهم الذين لم يعد بإمكانهم تقييم أداء من اختاروهم لتمثيلهم تحت القبة. ناهيك عن غياب الحس السياسي عن الممارسة النيابية فلا نري معارك ساخنة ولا قضايا كبري. ولا أولويات واضحة في أذهان أعضاء البرلمان رغم أن الوطن أحوج ما يكون لجهد كل نائب وفكره في محاربة الإرهاب وإنقاذ الاقتصاد وإصلاح التعليم والصحة وزيادة الإنتاج . وحل معضلات المنطقة التي تقف علي صفيح ساخن وتتهددها الصراعات والانفجارات المتوقعة في ظل التحولات الكبري في السياسة الدولية التي يمثل العرب للأسف أضعف حلقاتها.
استمرار غياب النواب لا نتوقع أن يتوقف من تلقاء نفسه ما لم تطبق عليهم لائحة مجلس النواب بلا استثناء. ونشر قائمة بالمتخلفين عن أداء دورهم والوفاء بوعودهم لوطنهم أولاً ثم لناخبيهم وأبناء دوائرهم بعد ذلك.
ما يزيد الدهشة أن النواب الغائبين صباحًا عن جلسات البرلمان يحرصون أشد الحرص علي الظهور مساءً في الفضائيات ووسائل الإعلام ربما لإثبات الوجود وإحداث شو إعلامي يعوض انقطاع بث الجلسات تليفزيونيًا ويسمح لهم بمغازلة أبناء دوائرهم.. لكن ألا يدرك هؤلاء المتغيبون أنهم بغيابهم قد فرطوا في أماناتهم وواجباتهم إزاء وطنهم ودوائرهم . وأهدروا استحقاقهم لتمثيل ناخبيهم تحت القبة بصرف النظر عن مدي كفاءتهم في استخدام أدواتهم الدستورية وما يبدونه من ملاحظات وأطروحات واقتراحات أو انتقادات أو معالجات لمشكلات مزمنة تمس حياة الشعب عامة واحتياجاته الضرورية أو احتياجات أهالي دوائرهم علي وجه الخصوص.
ظاهرة غياب النواب ينبغي لرئيس المجلس أن يُقابلها بالحسم والحزم . وتصعيد الأمر ضد المستهينين بمصلحة الوطن الذي هو في أشد الحاجة لنوابه وألا يكتفي بفضح ممارساتهم السلبية. وأن يصر علي تفعيل اللائحة ضدهم حتي لا تتضرر مصداقية المجلس كله ويفتقد روحه ومضمونه إذا استمرت قاعات اللجان والجلسات العامة غير كاملة العدد أو مكتملة النصاب.
لست أصادر علي النواب حقهم في التعبير عن آرائهم عبر وسائل الإعلام أو حتي عبر صفحاتهم علي مواقع التواصل الاجتماعي شريطة أن يكون مثل هذا الظهور خيارًا ثانويًا بعد استنفاد طاقاتهم وأداء مهماتهم ووظائفهم الأساسية داخل لجان البرلمان وجلساته العامة . ثم إذا ما فاض لديهم وقت أو جهد أو وجهة نظر لم يتمكنوا من مناقشتها تحت القبة فليطرحوها إعلاميًا وفق ضوابط ومعايير لا تجعل الإعلام برلمانًا موازيًا يسحب البساط من تحت أقدام البرلمان الحقيقي أو ينازعه دوره واختصاصه الأصيل . فإنجاز مصالح الناس تشريعيًا وخدميًا ورقابياً ليس له إلا بوابة واحدة هي مجلس النواب الذي هو في كل الدنيا ساحة تمور في جنباتها النقاشات المعمقة والساخنة . ويستخدم النواب تحت سقفه الأدوات الدستورية اللازمة لرقابة الحكومة ومساءلتها وكشف المسكوت عنه للرأي العام الذي ائتمنهم علي صالح المجتمع ومصالحه العليا.. وأسند إليهم ظهره مطمئنًا أنهم يبيتون يحرسون مقدراته ومستقبل أجياله القادمة بأمانة ونزاهة ووطنية وحس سياسي يضع الأمور في نصابها الصحيح.. يتوحدون مع الحكومة ووزرائها ومسئوليها إذا ما كان في ذلك صالح العباد والبلاد ويسائلونها ويحاسبونها إذا ما اقتضت المصلحة العليا ذلك لا عن أغراض شخصية ولا مصالح خاصة بل انطلاقًا من تحقيق الصالح العام وحده ولا شيء سواه.. وهنا تتحقق الحياة البرلمانية والديمقراطية في أزهي صورها وتتجلي الشفافية في أوضح معانيها.. والسؤال الذي يدور الآن ونحن في دور الانعقاد الثالث لهذا المجلس: هل البرلمان دوره المأمول.. هل يستطيع أن يقدم كشف حساب مثلما قرر الرئيس السيسي قبل الترشح لولاية ثانية.. هل يستطيع أن يقدم لنا إحصائية مثلاً بعدد ما قدم من استجوابات أو أسئلة.. وكم مرة طرح الثقة في هذا المسئول أو ذاك.. ماذا قدم لقضايا الوطن الكبري الإرهاب ومعاركه.. الجهل وتداعياته.. غلاء الأسعار وآثارها الوخيمة علي الطبقة الوسطي والفقراء جراء جشع التجار.. الديون وفوائدها.. غذاء المصريين وكيف سنحقق الاكتفاء الذاتي ونكف عن استيراد كل شيء ليعود للميزان التجاري توازنه.. الدواء وتكلفته الرهيبة.. الخدمة الطبية وتدني مستوياتها.. التعليم ورداءة خريجيه في كل المراحل.. فرص العمل والبطالة.. هل تناولت مناقشات الأعضاء هذه القضايا.. وها خرجت تلك المناقشات بحلول ورؤي خلاقة.. والأهم : أهي ملزمة للحكومة.. أم أنها في وادي والنواب ومجلسهم في وادي آخر؟!
لا شك أن عدم بث جلسات المجلس علي الهواء مباشرة حرم المتابعين والمراقبين من بناء تصور موضوعي عن حقيقة أداء البرلمان ومدي نجاحه أو إخفاقه في أداء مهامه.. ولا تكفي الآراء ولا المناقشات التي نراها علي شاشات الفضائيات والصحف والمواقع الإلكترونية بديلاً للحكم ولا سبيلاً للاضطلاع بالدور المنشود للأعضاء.. لأنها في النهاية مجرد آراء لا تعبر إلا عن أصحابها ولن تقدم أو تؤخر مادامت بعيدة عن مداولات اللجان والجلسات العامة.
لا شك أن للبرلمان دوراً عظيم الأثر في إحداث أي تغيير منشود في أي دولة» بحسبانه إرادة الشعب وصوته المعبر عن آلام الوطن وآماله.. ويمكن إذا أحسن توظيف أدواته الدستورية أن يقودنا لتغيير حقيقي في المجتمع عبر إقرار التشريعات اللازمة لتحويل كلمات الدستور ومبادئه إلي واقع يعيشه الناس.. فما أحوجنا إلي عدالة ناجزة وقوانين قادرة علي رتق الثوب التشريعي. وتخليصنا من غابة القوانين المتضاربة أحيانًا . وغير المواكبة كثيرًا للمستجدات الاجتماعية والاقتصادية. وغير القادرة دائماً علي غلق باب الاستثناءات الذي ينفذ منه المتلاعبون بثغرات القانون الذي هو عمل بشري لا يبلغ أبدًا حد الكمال.. وإلا ما رأينا هذا الكم الهائل من قضايا الفساد ثم ينتهي أغلبها بإفلات المجرمين من سيف العدالة ليخرجوا ألسنتهم لها.
ما أحوجنا إلي قوانين تراعي حركة الحياة وتطورها وتحقق العدالة الناجزة فالبطء يزهق روح العدل .
وإذا كنا في انتظار قانون التأمين الصحي الشامل المقرر عرضه قريبًا علي البرلمان فإننا نرجو أن يصدر في أسرع وقت لتحقيق العدالة الصحية وأن تُختصر مدة تنفيذه إلي 7 أو 10 سنوات علي أقصي تقدير بدلاً من 15 عامًا . وأن يطبق في جميع أنحاء الجمهورية وعلي جميع فئات المواطنين فإذا ما نجح المجلس في ذلك فسوف يحسب في ميزان نجاحه بلا شك . وسيكون خطوة مهمة لها ما بعدها في تغيير كثير من القوانين البالية التي ابتليت بها مصر وكانت سببًا في إغراقها في البيروقراطية والفساد .
ويبقي أن جودة الحياة تمر عبر التعليم الجيد . وقبل أن نحكم علي نواب البرلمان فلابد أولاً من تحسين بيئة اختيارهم . بتغيير ثقافة وتعليم المواطنين ووعيهم . فالناخب حين يكون مدركًا لأهمية البرلمان وخطورة دوره في التشريع والرقابة يعرف كيف يختار نائبه . هذا الدور هو الذي يرسم للمجتمع طريقه وللأمة مستقبلها . وهو الذي يمهد المسرح العام لأي تغيير حقيقي ويحصن المجتمع من مطامع البعض وفساده واندفاعاته.. إذا أحسن المواطن ذلك فلن يقع فريسة لأي رشوة انتخابية ولا لأي تضليل إعلامي ولا لشعارات جوفاء تسرق عقله وتغيب وعيه.. فإذا أحسن الناخبون اختيار نوابهم تحت القبة فسوف يقود ذلك تلقائيًا إلي برلمان قوي ينتج تشريعات صالحة قادرة علي إنهاض البلاد وصون مصالحها العليا.. واستيعاب مستجدات العصر ومتغيراته.. برلمان صالح يمارس رقابته علي الحكومة بموضوعية وشفافية» فلا تغريه بعض المكاسب الزائلة ولا يخضع للضغوط والابتزاز ولا يجري أعضاؤه خلف الوزراء للحصول علي توقيعاتهم وتأشيراتهم.. ولا يتعنت ضد الحكومة ردًا علي عدم تنفيذ مطالبه.. بل يشجعها إذا أحسنت ويسائلها ويسحب الثقة منها إذا أساءت وتقاعست أو ضلت سواء السبيل.. وللأسف لم نر هذا ولا ذلك .
البرلمان الجيد يستشعر نبض الشارع ويعكس طموحاته ويجسد أفراحه وأتراحه ويعيد لنسيج الوطن لحمته وتماسكه وانسجامه بما يقره من قوانين وتعديلات تعلي قيم المواطنة والتنوير وتكرس للثقافة المدنية واحترام الدستور وسيادة القانون وتكافؤ الفرص وعدم التمييز .
البرلمان الجيد تطبيق أمين للقانون وفصل تام بين السلطات وسهر دائم علي مقتضيات الأمن القومي ورعاية مخلصة لمصالح المواطنين في الداخل والخارج .
لقد مارس البرلمان الحالي دوره بصورة أو بأخري وسواء رضينا بهذا الأداء أو تحفظنا عليه فإنه لم يرق لطموحات الناس ولا نال استحسانهم . بل رآه البعض مخيبًا للآمال.. وأياما تكن حقيقة موقف الناس منه فإنه وللأمانة كان أقل البرلمانات خرقًا للتقاليد البرلمانية والأعراف وخيانة للأمانة وباستثناء التغيب عن الجلسات والشو الإعلامي وما جري في مسألة التأشيرات من تجاوزات طالبنا وقتها بمحاسبة النواب المتورطين فيها فإن هذا البرلمان لم يشهد ظواهر مخجلة كالتي شهدناها في برلمانات سابقة ضمت نوابا للقروض وآخرين للأراضي والكيف والقمار والنقوط والعلاج وغيرها.. وقد يقول قائل إن هذه الانحرافات قامت بها قلة من نواب البرلمان وهذا صحيح.. لكنها قلة مؤثرة شوهت الأداء النيابي وأساءت لسمعة البرلمان وأفقدته المصداقية والاعتبار الواجبين في حق من ائتمنهم الشعب علي مصالحه العليا وتشريعاته.. فكيف يخرق القانون ويخرج عليه من هو منوط به سنه ومراقبة تطبيقه؟!
لكن من الضروري عن تقييم أداء البرلمان الحالي أن نضع في اعتبارنا قصر المدة وحداثة انخراط كثير من نوابه في العمل النيابي والسياسي وضعف خبرتهم السياسية ورغبتهم المحمومة في كسب رضا الشارع ولو علي حساب اللائحة.
ولا نبعد عن الحقيقية إذا قلنا إن البرلمان الحالي بلا سياسيين حقيقيين في ظل سقف لا حدود له من طموحات الجماهير وهو ما خلق الفجوة الموجودة حاليًا بين الشارع وبرلمانه. ناهيك عن وقوع البعض في سقطات وتجاوزات وتقديم آخرين لمقترحات وقوانين لا تمت لمشاكلنا ومستقبلنا بأي صلة.. كل ذلك ساعد علي تكوين صورة ذهنية سلبية عند الجماهير.. فهل يدرك النواب ذلك.. وهل هم معذورون لافتقادهم تلك الخبرة.. وهل لديهم الإرادة والرغبة لتغيير تلك الصورة المأخوذة عليهم؟!
الناس لا يهمها الجدل السياسي ولا الشو الإعلامي بل يعنيها الأحوال المعيشية التي باتت قاسية دون أن يتحرك النواب لتحسينها ويبقي أن يقترب النواب من هموم الناس أكثر و أكثر لتبديد سحب الإحباط والتشاؤم وتقديم ما يثبت أنهم مهمومون بالمواطن أكثر من اهتمامهم بالمنصب أو المركز السياسي أو أي مغانم أخري.