تفوح رائحة الحرب من الصحف والمواقع الإلكترونية بينما الحرب علي الأرض ما زالت «محتملة»، مع أن الأخبار والتطورات في الأيام الأخيرة مزعجة بل ومخيفة بكل تأكيد. الكل تقريبا يكتب عن أن وقوع الحرب في المنطقة داخل لبنان أو انطلاقا منه أو بسببه بات قدرا محتوما لا فكاك منه. واضح أن كثيرين لا يريدون التوقف عند ما يمكن أن يحول بيننا وبين الانزلاق إلي حرب، نعلم جميعا أن العرب سيخسرون فيها لا محالة، حتي وإن كسبوها بالمعني العسكري. إن خسائر أو مساوئ الوضع الراهن لا تبرر ويجب ألا تبرر الذهاب لخسائر أكبر مؤكدة، مع أن الوقوف في وجه السياسة الإيرانية وتدخلاتها في المنطقة والعمل علي بتر أذرعها التي تعبث بحاضر ومستقبل المنطقة أو علي الأقل تقليم أظافر إيران، أمر مطلوب وضروري بل وواجب علي كل القوي العربية والإقليمية.
الحرب ليست الوسيلة الوحيدة لتحقيق الأهداف، بل إنها الوسيلة أو الملجأ الأخير، ويجب أن تكون كذلك مع الاستعداد الجيد لها ولنتائجها. تلك الحقيقة لا أشك أن الجميع في المنطقة وخارجها يدركونها جيدا، ويعلمون أيضا أن المنطقة دفعت أثمانا باهظة، وما زالت تدفع، لحروب، عمل كثيرون من داخل المنطقة ومن خارجها علي اندلاعها أو علي الأقل أسهموا فيها. وتاريخ الحروب في المنطقة من نوعية الحرب المحتملة الآن لا يشير إلا إلي خسائر فادحة. وبكل تأكيد فإن ذلك يمثل حجر الزاوية في السياسة التي تبنتها مصر سواء خلال الحروب والأزمات السابقة أو إزاء الأزمتين السورية واليمنية ومحاولات قرع طبول الحرب مجددا في المنطقة. فسياسة مصر قامت وبشكل ثابت ومستمر علي تبني الحلول السياسية للأزمات، وضرورة تجنيب المنطقة المزيد من أسباب التوتر أو الاستقطاب وعدم الاستقرار، وتسعي الآن لوقف كرة النار التي تتدحرج في المنطقة. وقد أكد الرئيس السيسي ذلك المبدأ في منتدي شباب العالم بقوله: «لست مع حل أي قضية بالحرب ولنا تجربة في الحرب وهي خسائر مادية وبشرية، وتتأثر العلاقات بشكل كبير جراء الحرب ..والحروب دائما تجارب مريرة ولها نتائج صعبة جدا».
وفي هذا السياق جاءت زيارة وزير الخارجية سامح شكري لست دول عربية، حاملا إليها رسائل من الرئيس السيسي تتعلق كلها بضرورة وكيفية تبريد الأوضاع بما يمنع وقوع كارثة الحرب، انطلاقا من مسئوليتها القومية لحفظ الأمن والاستقرار في المنطقة، والتزاما منها بمبدأ أن الأمن القومي العربي والأمن الخليجي في القلب منه خط أحمر وجزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري. ومن ثم فإنها لا تملك ترف البقاء بعيدا في حالة اندلعت حرب يكون أحد طرفيها دولة عربية بحجم وقوة تأثير المملكة العربية السعودية، لذلك أكد سامح شكري أثناء لقائه ولي العهد السعودي إدانة مصر البالغة الاعتداء الذي تعرضت له المملكة من قبل ميليشيات الحوثي بمحاولة استهداف الرياض بصاروخ باليستي، كما خرج اللقاء بتأكيد أن «استقرار ورخاء كل من مصر والسعودية هو صمام الأمان للمنطقة العربية بأسرها، وأن أي ضرر يصيب أي دولة من الدولتين هو ضرر للطرف الآخر، وأي تقدم ورخاء لطرف هو بالتبعية مصلحة عليا وفائدة للشعبين».
التهديد بالحرب أو توقع حدوثها في الشرق الأوسط ليس جديدا، ومراجعة ما كتب خلال السنوات بل والشهور الماضية كافية لتأكيد ذلك. الأمر الذي جعل من تعبير «الشرق الأوسط علي صفيح ساخن» أكثر التعبيرات دقة في وصف حال الشرق الأوسط. ومع ذلك تغلبت الحكمة العربية في كثير من المواقف لتمنع نشوب الحرب. إن اندلاع الحرب في بعض الحالات كان الخيار الذي لم يكن ممكنا تجنبه. الحرب المحتملة الآن وإن كانت مرغوبة من أطرافها المحتملين إلا أنهم مازالوا غير راغبين في خوضها مباشرة أو بأنفسهم، خاصة إيران التي تجيد لعبة الحرب عبر الوكلاء، وهو الأمر الذي يعني أنه ما زالت هناك فرصة لمنع وقوع حرب مدمرة وإن كان لا يعني أن سخونة الصراع ستظل تفرض نفسها علي المنطقة لفترة ليست قصيرة. وأخيرا فإن العامل الأهم الذي يجب أن يأخذه الجميع في الاعتبار هو أن المنطقة ــ كما أكد الرئيس السيسي ــ فيها ما يكفيها من اضطراب وإشكاليات تؤثر علي أمننا واستقرارنا، وأنه لابد من التعامل بحذر شديد حتي لا تضاف إشكاليات أو كوارث أخري في المنطقة.
أوقفوا قرع طبول الحرب، فلا صوت أردأ من صوت تلك الطبول.