الأهرام
عبد الرحمن سعد
حياة سعيدة ببساطة
الإسلام دين البساطة، وأحدث صيحة في علوم التنمية البشرية حاليا الدعوة إلى تبسيط فن العيش، وأن نقضي حياتنا في بساطة، إذ لا تصفو في الدنيا سعادة إلا بفرحة القلب بالله، وجمال العلاقة معه، كما أن كمال التمتع باللذات في دار السلام (الجنة)؛ وقد صان تعالى نعيمها من الزوال، وجعلها دار المستقر، والخلود.
والتبسيط استمتاع حقيقي بالحياة، ويعني الرضا بالحد الأدنى ليعيش المرء بالضروري فقط من العبادة والنوم والعمل والصحة والحياة الاجتماعية.. إلخ، بعيدا عن تعقيدات الحياة، وبالتالي يصبح تفكيره هادئا، ويومه سلسا، وحياته أكثر حبورا، وإنتاجا.

وإنه أمر يسير أن تجعل حياتك معقدة، وأكثر يسرا منه أن تجعلها بسيطة، وحينها ستشعر بنقاء فكري، وصفاء روحي، وعمق إيماني، وفرح أخروي.

قال تعالى لرسوله، صلى الله عليه وسلم: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (الزمر: ٥٣).

وقال يعقوب، عليه السلام، لأبنائه: "يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ". (يوسف: 87).

وقال يوسف، عليه السلام، لأخيه: "إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (69).

وقال شعيب لموسى، عليهما السلام: "لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ." (القصص:25).

وقال محمد، صلى الله عليه وسلم، لأبي بكر، رضي الله عنه: "لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا".

وكي تعيش سعيداً، وتموت حميدا؛ يجب أن تصبر على الطاعات، وعن المحرمات، وعلي الأقدار المؤلمة؛ لتسمع في الجنة قول الملائكة: "سَلَامٌ عَلَيْكُم بما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار".(الرعد:24).

والهدف من تبسيط حياتك هو ألا ترهق نفسك بكثرة التفكير، إذ عند الله التدبير، ولا بد من فرج قريب.

وهذه مريم بنت عمران تمر بموقف عصيب، فيُقال لها: "فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا".(مريم:26).

فقط.. أتعب نفسك في اقتناص الفرصة المتاحة، واكتشفها قبل أن تفلت بلا عودة، متذكرًا قوله تعالى: "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5); إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6); فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7); وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ". (الشرح: 8).

قال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى": "ما رأيت شيئاً يُغذي العقل والروح، ويحفظ الجسم، ويضمن السعادة أكثر من إدامة النظر في كتاب الله تعالى".

ولتحقيق معادلة: "حياة سعيدة بمنتهى البساطة"، لابد من إتباع خطوات أبرزها الإبقاء على الضروريات فقط فيها، والإزالة الشاملة لكل ما لا يحتاجه المرء في بيته وعمله من أثاث، وورق، وملابس.. إلخ، علاوة على تحديد أهداف قليلة، ولتكن ثلاثة أهداف سنويا، بحيث تعود على المرء بأكبر عائد لجوانب حياته كافة.

وفي هاتفك.. ستبقي على أهم ما تحتاج إلى معرفته، وتحذف كل تطبيق زائد، وستقوم بتبسيط إدارة وقتك، عبر تنظيم مهام يومك، فتكتب كل ليلة ماذا ستفعل غدا، وأيضا تبسِّط تفاعلك الاجتماعي، من خلال قائمة تضعها لأهم الأشخاص من أفراد العائلة والأصدقاء وزملاء العمل، وغيرهم من سائر التصنيفات.

وترتب مكتبتك، وتقرأ كتابا كل شهر على الأقل، وكذلك تقوم بتبسيط رفاهيتك، بأن تجعل إجازة نهاية الأسبوع بلا مهام عمل متأخرة، ولا تفكير في انشغالات مقبلة.

وبالنسبة للنوم نم جيدا، وكلما احتجت، أما ملبسك فاجعل ألوانه محددة، ووفر على نفسك عناء التفكير في السؤال: ماذا سأرتدي اليوم؟

عش حياتك ببساطة، وانعم بالهدوء، ولا تفعل إلا ما هو مهم وضروري، وانعم بصحبة عائلتك، وأحبابك.

وبرغم أن ما فعلتَه يتضمن ترتيب عالمك الخارجي فقط، لا الداخلي، إلا أنه يثبت أن التعلق بالأشياء الخارجية قد يعكر صفاء دواخلنا بالفعل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف