محمد الرميحى
ملفات الإصلاح والإعلام فى الخليج
فتحت فى السنوات القليلة الأخيرة مجموعة من الملفات فى الخليج غير مسبوقة من حيث الكم والمستوى، خاصة فى المملكة العربية السعودية، التى يشبه البعض ما يجرى فيها بيقظة المارد ! وقائمة الإصلاح طويلة منها الداخلى والخارجي، الحرب على الفساد والحرب على التشدد، وإطلاق قدرات المرأة التى هى نصف المجتمع،وإقامة المشروعات الاقتصادية العملاقة وتنويع الاقتصاد مصادر الدخل، تلك بعض الملفات الداخلية، أما فى الخارج الوقوف امام الإرهاب أى كان مصدره، والتصدى للمشروع الإيرانى الذى يتمدد فى الأرض العربية سواء فى اليمن أو الشام، وإقامة تحالفات دولية فعالة ومتعددة المستويات. ملفات الإصلاح تلك تقابل بهجوم شرس ، بعضه يبدى التخوف من سرعة السير بالإصلاحات! وبعضه معاد واضح لان بعض او كل الملفات تيسر باتجاه مضادة لمصالحه. الهجوم الإعلامى يأتى من ماكينات إعلامية ضخمة ومتعددة، وعلى شكل استخدام حديث لوسائل التواصل الاجتماعى بأشكالها المختلفة، او استخدام محطات التليفزيون، وخاصة الناطقة بالعربية والتى تبث من دول غربية أو شرقية، تلك الماكينات لها ثلاثة مصادر كبرى، الأولى هى ماكينة جهاز الأخوان المسلمين، وهى ماكينة حديثة ومنظمة تستطيع التعامل مع (العقل) العربى الذى تستهويه نظرية المؤامرة، والماكينة الثانية هى ماكينة حزب الله و اتباعه، فليس بخاف اليوم ان تلك الماكينة التى تمول من إيران، تدرب وتنظم عددا كبيرا من العرب المناصرين لها والمؤمنين بأفكارها من أجل بث ما يعطل او يشكك فى عمليات الإصلاح والتحديث فى دول الخليج. اما الماكينة الثالثة فهى معتنقو الأفكار اليسارية والقومية والتى تسير سيرتها الأولى فى النظر إلى دول الخليج انها دول (رجعية ومتخلفة) وانها دول (ريعية) ما تلبث أن تسقط فى هاوية التفكك أمام (جماهير الثورة) وهى أيضا تستعيد مقولات براقة وأدوات اتصالية حديثة.
ما يزيد على ذلك تلك المحطات التليفزيونية التى تبث من خلال دول غربية أو شرقية، فلم تبق لا إنجلترا و لا أمريكا ولا روسيا الاتحادية و لا الصين ولا المانيا ولا تركيا من بين عدد اكبر من الدول والحكومات الأجنبية التى تستهدف المشاهد العربى وتوجه بثا تليفزيونيا منظما تجاه العقل العربي! معظم ما يقال عن دول الخليج ويبث ليلا ونهارا هو سلسلة من الأدعات والشائعات والتحويرات التى أقل ما يقال عنها أنها غير منصفة. يزيد على ذلك ما يكتبه كثير من المحللين الغربيين، فهم إيما واقعون تحت تأثير معلومات خاطئة، أو تسريبات مريبة أو أهداف خاصة، ولكن المتلقى العربى بعامة، والخليجى ، ينظر إلى تلك التحليلات ويتقبلها على أنها الحقيقة، تلك التحليلات تعض بقسوة على يد طموحات ومسارات الإصلاح فى دول الخليج.
يساعد فى هذه الصورة السلبية عاملان، الأول عدم إشاعة وعى يقظ فى مجتمعات الخليج، من خلال التعليم ذى جودة وباستخدام الأدوات العقلية فى تمحيص ما يبث أو يسمع أو يتداول، وتلك مثلبة عربية ليست مقصورة على دول االخليج ،فبسبب نقص المعلومة وضمور منهج التحليل العقلى تهيئ قطاعات واسعة فى مجتمعاتنا لتقبل (الشائعة على إنها حقيقة) والمعلومة الناقصة على أنها كاملة ،فاللوم هنا يقع على أهمية تبديل الوصاية بالاتصال والتنوير والافصاح بدلا من السرية، وشراكة المواطن بدلا من التبعية. لا جديد فى القول ان الاعلام قوة والاعلام السلبى يضعف الجبهة الداخلية ويعرضها للأذى..اما العامل الثانى المساعد فى هذا تكوين الصورة السلبية، هو عدم اهتمام أو قلة تقدير لما يمكن أن يفعله الاعلام فى تعويق او تطوير مشروعا الإصلاح، فلم يُنتبه بعد فى دول الخليج على الأقل، واعتقد فى كثير من الدول العربية، إلى أهمية تكوين فيالق إعلامية معززة بمعلومات ومدربة مهنيا على مواجهة الاخر والنزال الحقيقى فى ساحة (فن الاقناع) دون الوقوع فى حبائل الدعاية الفجة واو الحديث عن الأشخاص بدلا من المشروعات. هذا النقص يسبب عوارا فى مواجهة الاخر، ويتصدى للمواجهة اليوم بعض من فاقدى القدرة على المواجهة وأصحاب المعلومات غير الدقيقة واللغة الخشبية. آن لكل ذلك أن يُبدل بفرق مدربة على المواجهة ومسلحة بتكتيكات الاقناع وأدوات الحوار العقلاني، وهى مهارات لا تكتسب إلا بالتدريب والمعرفة، ولهذا استخدمت ضد مشروعات الإصلاح فى دول الخليج سلسلة من الأكاذيب التى لا أساس لها، فتغييب المعلومات وضعف الشرح لأى قضية مثارة، وفقر التدريب فى المواجهة أربك عملية الاتصال الواعي، وترك الجمهور الخليجى والعربى أمام سيل من الدعايات والاكاذيب حتى يقتنع الجمهور العام إن تلك الأكاذيب حقائق! علينا أن تتذكر إن الإعلامى العربى العامل فى محطات ووسائل إعلام تابعة لدول، لن يتبرع بقول الحقيقة لصالحنا، إن كانت تتناقض مع مصالح الدولة التى يعمل فى جهازها فحتى الإعلامى (المهني) ان فترضنا وجوده فى تلك المؤسسات، لن يعض بقسوة اليد التى تطعمه!