جاءنى صوته عبر الهاتف، بائسا رغم أن اسمه سعيد، يشكو عدم قدرته على إجراء أشعة رنين على عموده الفقرى، حتى يكمل علاجه بالتأمين الصحى الذى لا يوفر هذه الخدمة! سألت له أهل الخير حتى تمكن من إجرائها، ولكن يظل غيره الآلاف من المرضى، الذين لا يجدون وسيلة للعلاج، لأن رسوم الأشعة أو التحاليل تفوق قدرتهم المادية، فيستسلمون للمرض ينهش أجسادهم.
وفى هذه الأيام، استبشرنا خيرا، مع طرح مشروع التأمين الصحى الشامل، الذى سيوفر علاج أولئك المحتاجين بالمجان، بعد أن وفرت الدولة 600 مليار جنيه لتطبيقه على مراحل بدءًا بمحافظات القناة وشمال وجنوب سيناء.
وعند مناقشة التفاصيل ـ وكما يقول المثل الإنجليزى «الشيطان يكمن فى التفاصيل» ـ أصابنى الإحباط، خاصة بعد أن كشفت المناقشات، عن تمويل هذا المشروع من جيوب المواطنين، من خلال استقطاع 5% من الدخل الشامل للموظف، وإذا مرض عليه أن يدفع 20% من رسوم التحاليل، و10% من الأشعة، و10% من قيمة الدواء، و7% من تكلفة إقامته بالمستشفى، وتستكمل تكلفة العلاج من جيوب مواطنين آخرين فى شكل رسوم على السجائر والصناعات الملوثة للبيئة ورخص السيارات والعيادات والصيدليات الخاصة! أما المريض غير القادر، فستقوم الدولة بتحديده بموافقة لجنة من وزارتى «المالية والتضامن»، حتى يعالج مجانا، ونسينا حتى الآن أننا لم نصل إلى تعريف القادر وغير القادر! الأهم من هذا، أين تلك المستشفيات المجهزة التى ستقوم بالعلاج، وحال معظمها «لا يسر عدو ولا حبيب»، فضلا عن الأجور المتدنية للأطباء والممرضين، والتى لا تشجع على التعاقد مع التأمين.
نتمنى من البرلمان أن يحسم تلك الثغرات عند مناقشة القانون قبل إقراره، حتى لا يولد «التأمين الصحى» ميتًا.