محى السمرى
ناس وناس - الأم .. هي الأم مهما كان الابن سيئاً
خلال الأيام الماضية سمعت حكاية غريبة فعلاً.. ويهيأ لي ان وقائعها جديدة علي مجتمعنا.. وقبل أن أدخل في تفاصيلها أذكر كيف كانت المعاملة للأبناء مع أسرهم.. طبعا قبل دخول الموبايل والمحطات الفضائية.. أيام ان كان الناس ينامون بعد صلاة العشاء حيث لا تليفزيون ولا مسلسلات ولا حكايات غريبة.. كانت الأسر تسهر فقط مع الإذاعة.. وفي يوم الخميس الأول من كل شهر تسهر مع حفل أم كلثوم.
كان الأب في العائلة المصرية يسعد كثيراً عندما يكمل ابنه دراسته وكان المعتاد أن يطلب من هذا الابن المساهمة في مصروفات البيت بعد حصوله علي العمل لا يهم أن تكون المساهمة عالية أو بسيطة.. المهم هو ان يشعر الابن بأنه أصبح رجلاً وهذا شيء يفرح.. صحيح انه في بعض الأحيان كانت الأم من قبيل تدليل ابنها تعطيه بين فترة وأخري نفحة مالية كهدية أو معونة.. ولكن لم يكن جائزا أبدا أن يكون الابن عبئا لا علي الأب أو علي الأم مهما كانت حالتهم المالية حسنة..
من هنا تعجبت كثيرا وأنا استمع إلي سيدة جاوز عمرها السبعين عاما.. وهي تروي حكايتها التي تعيشها ولا تعرف كيف تتصرف!!
هي أرملة علي درجة عالية من التعليم والثقافة.. ظنت انها أدت رسالتها بعد أن كبر أولادها وتخرجوا في الجامعة وتلقوا تعليمهم في الكليات التي اختاروها بأنفسهم وبدون تدخل منها أو من والدهم رحمه الله.. ساهمت مالياً في تزويجهم ومنحت كلاً منهم شقة في عمارتها وأعطت كلاً منهم أيضاً وحدتين سكنيتين قيمة كل وحدة تقترب من المليون جنيه كانت تريد أن تضمن لهم حياة مستقرة ودخلاً إضافياً محترماً.. بحيث لا يحتاجون لأحد أبداً..
تبكي وهي تقول كنت بالنسبة لهم الأب والأم والأخت ومضت الحياة عادية طبيعية إلي أن حدث ما لم يكن علي البال.. جاءها أصغر أبنائها وأعلنها بأنه باع الشقة التي يسكنها حيث قرر أن يشتري سكناً آخر بجوار حماته.. وبرر ذلك بأن بناته الثلاثة سيكونون في رعاية حماته.. كان رد الأم في غاية البساطة "راحتك بالدنيا".
وليت الأمر توقف عند هذا الحد.. ولكن مفاجآت الابن الأصغر هذا والذي يبلغ من العمر الآن 40 عاما لم تتوقف مرة أخري عرفت صدفة انه باع الشقتين اللتين أعطتهما له بدون استشارتها أو استطلاع رأيها أو حتي ابلاغها برغبته والغريب انه لم يبلغها بهذا التصرف إلي أن سألته عن حقيقة هذا البيع.. فاعترف لها بأنه استقال من عمله وقرر القيام بمشروع تجاري وفي حاجة إلي رأس مال.. وكانت صدمة بالنسبة لها.. انفعلت عليه وثارت في وجهه ورد علي انفعالها بانفعال مثلها وثورتها بثورة مثلها.. وكأن لسان حاله يقول "انك لا تفهمين شيئا وأنا أدري بمصلحتي".
وتمضي السيدة في سرد روايتها قائلة انه كان يمتلك ثروة لها قيمتها الفعلية المستقبلية أكثر من قيمتها المالية.. كان يمتلك ما يجعل الحياة بالنسبة له سهلة ميسرة خصوصا ان لديه ثلاث بنات يحملن اسمه ولابد وأن يكملن تعليمهن.. وأيضاً سيحتاج يوما إلي هذه الثروة العقارية التي منحتها الأم له لكي يزوج بناته.. ولكن ماذا تفعل.. ظنت في البداية ان زوجته ربما تكون عونا له إذا احتاج إلي شيء ما.. وظنت أيضاً انها ربما تتمكن الزوجة في أن تدخر بعضا من أمواله.. المهم راحت الأم تبكي علي جهودها التي ضاعت بعدها لم يعد الابن يزور أمه أو يسأل عنها.. وكلما طلبته بالمحمول لا يرد عليها.. وكأن أمه غير موجودة وظل علي هذا الحال عامين أو أكثر.. وظلت تشكو عقوق الابن الذي لا يحدثها ولا يهنئها في عيد الأم أو أي مناسبة أخري لمست العقوق منه بكل صوره.
وفجأة وجدته يوما ما يدق بابها ويلتمس عطفها ويرجو أن تسامحه وتقول.. وهل يمكن لأي أم إلا أن تسامح ولدها مهما فعل معها.. قلب الأم دائماً يغفر والعقل يسامح.. ورحبت الأم بهذه الزيارة غير المتوقعة.. ولم تدرك أي سبب لحضوره بهذه الصورة المفاجئة.
المهم شعرت انه في حاجة إليها ودار في ذهنها انه جاء ليطلب منها مساعدات مالية.. وكان عقلها يحدثها بأنه لو طلب ذلك لرفضت.. وبهدوء شديد قال لقد خسرت كل شيء.. لم يعد معه مال ولا شقق ولا مدخرات ولا شيء.. والأكثر ان زوجته طلبت منه أن يترك البيت.. رغم انه صاحبه ولكن الزوجة ذكرته بأن هذا السكن باسمها أي انها المالكة.. ورفضت اقراضه أي مبالغ رغم ان ما تمتلكه من أمواله.
سرحت الأم قليلاً ثم عادت تقول لقد طلب أن يقيم معها لأنه لا يعرف أي مكان ينام فيه.. ولم تجد الأم إلا أن ترحب به رغم ان الشقة لا يوجد بها إلا حجرة واحدة تنام هي فيها وحجرة الاستقبال.
وفي النهاية تقول الأم: الابن عمره أربعين عاما ولديه ثلاث بنات أعمارهن مختلفة.. وزوجته شاردة عن بيتها منطلقة إلي النادي.. وبناتها أيضاً يفعلن مثلها وهي لا تريده أن يعيش معها ولا تريد أيضاً أن يطلقها!!
هو رجل بلا بيت وفي حاجة إلي زوجة وفي نفس الوقت مازال يمد يده طلباً للمساعدات المالية والأم حائرة لا تعرف ماذا تفعل؟!
** من ناحيتي استطيع القول.. ان ترحيبك بالابن للإقامة المجانية عندك وهو رجل كبير ولديه بنات يحملن اسمه رغم ما أضاعه من أموال ورغم نكران زوجته له ونسيانه لك فترات طويلة وقيامك بتدليله علي هذا النحو الذي ترويه هو أمر غير مقبول.
فهذا الابن الذي تركك عندما كان معه "فلوس" وكنت تبكين لعدم زيارته لك أو السؤال عنك ثم الآن بعد أن طردته زوجته يأتي إليك وأنت ترحبين به.. هل تظنين يا سيدتي ان أي شخص يجد مثل هذه الرعاية يفكر في الصلح مع زوجته وهو أمر ضروري حرصاً علي مستقبل بناته اللائي يحملن اسمه.. ثم إنك تقولين هو لا يريد أن يطلق إلا إذا طلبت هي الطلاق وهي أعلنت انها لا تريد الطلاق.. في الوقت نفسه هو يفكر بل ويبحث جدياً عن زوجة.. وبصراحة أقول من هي الزوجة التي تقبل رجلا بهذه المواصفات ولديه ثلاث بنات وزوجة لم يطلقها ولا توجد لديه شقة أو امكانيات.
وعموماً هذه الحكاية اعرضها علي القراء لعلنا نجد معهم من يعطي حلاً.