المصريون
أمير شفيق حسانين
درس خصوصى.. حين مطلع الفجر!!
لعل من عجائب الأمور أن يطرق معلم باب تلميذته، التى هى بالصف الرابع الابتدائى، في الخامسة والنصف صباحًا، كى يُعطيها درسًا خصوصيًا، ولعل ما أرغمه على ذلك، افتقاره إلى أية أوقات أخرى للحضور لتعليم الطفلة، بعدما انشغلت ساعات نهاره وليلِهْ، بمواعيد دُروسه الخاصة، التى يبدأها منذ باكورة الصباح وتنتهى بحلول ظلام الليل وسكونه!!
وكيف هو شعور أهل البيت عند استيقاظهم، فى ذلك الوقت الحرج، لاستقبال معلم ابنتهم، وماذا هو شعور المعلم نفسه، وهو يزور بيت تلميذته فى ذلك الميقات العجيب، الذى يلى طلوع الفجر بقليل.
وحتمًا أن قدوم المعلم فى ذلك الوقت الباكر من الصباح، يُعد مصدر قلق جسيم لدى أهل البيت جميعهم، وخاصة أن التلميذة، ذات العشرة أعوام، ليست قادرة على إيقاظ نفسها فجرًا، لاستقبال معلمها، دون مساعدة أى من الوالدين.
ولعل تلك الطفلة المسكينة، كانت تستيقظ باكية أو صارخة، وهى تتوسل لوالدتها أن تتركها لكى تنام مزيدًا من الوقت، لتستمتع بدفء الفراش فى جو الشتاء القارس مثل قريناتها، ولكنها ميقات درسها، هو الذي أجبرها لأن تنهض من فراشها، قبل ميعاد درسها، ربما بساعة زمنية كاملة، لكى تغتسل وتفيق من نومها، ثم تتناول فطورها، وترتدى ملابس مدرستها، وتتهيأ للجلوس مع معلمها، لتأخذ درسها، وهى قلقة، خائفة تترقب أن يفوتها ميعاد الذهاب لمدرستها!!
وما حال تلك الطفلة، وهى جالسة فى مقعدها بحجرة الفصل، قليلة التركيز، بعدما حُرِمَتْ من أخذ قسط وافر من النوم، وربما يدفعها ذلك للدخول فى حالة نوم عميق، يعقبه شخير عالى الصوت!!
لم أسأل زميلي المعلم، هل كان يُعاقب تلميذته إذا قصَرتْ في واجباتها، فيُسبب لها آثارًا نفسية ومعنوية سيئة، فتذهب لمَدْرستها، حزينة كارهة للمدرسة والتعليم معًا، رغم استقطاعها من وقت نومها وراحتها، لتُخصصه لأجل درسها، التى يُعقد فى ميعاد غير مألوف، وربما أن زميلى المُعلم قد أحدث انفرادًا أو ابتكارًا لم يسبقه به أحد، بابتداعه لذلك الميعاد القاسى ليُصبح كأى ميعاد لدرس خاص، ويُصبح صديقى مُعلم الأوقات الصعبة!!
وماذا لو نامت الطفلة متأخرًا، فى ليلة ما، فكيف لها أن تستيقظ منتبهة لدرسها، إلا إذا ظلت، وهى فى درسها، تقاوم النوم وتُدلِك عينيها بيديها من حين لآخر حتى لا يغلبها النوم، وماذا لو نام المعلم متأخرًا، فى إحدى الليالى، هل سيقدر على التركيز والشرح بكفاءة، أم سيظل يتثاءب ويبدو وكأنه فى حالة سُكْرْ وشرود ذهني؟!!
كان عجبى لا يُوصَف وأنا أستمع لحديث زميلى، الذى يُحَمِل جسده فوق طاقته، ويُهمِل في صحته عظيم الإهمال، ويُجهد رِجْليه بالذهاب والإياب مرات كثيرة يوميًا، لزيارة أكبر عدد من البيوت، لأجل الدروس المنزلية، ليجمع المال لمواجهة غلاء المعيشة الفاحش.
كان صديقى المُعلم، دائم الشكوى من حالة اللغوب القاتل التى تلازمه، نتيجة الجهد الهائل جدًا، الذي يبذله ليلاً ونهاراً فى دُروسه الخاصة، وكان الحزن دائمًا يرتسم وجهه، وهو يشتكى من أوجاع ظهره وآلام فى رقبته وحاجته لإجراء جلسات علاج طبيعى بأمر الطبيب، مُعترفًا بظُلمُه لنفسه، حزينًا متحسرًا على حالة الخجل التى تفاجئه، إذا أصابه النعاس وهو يُعطى درسًا لتلميذ، فلا يتنبه من نُعاسُه إلا إذا أيقظه التلميذ، وحينها لا يتمنى المُعلم كل أموال الدنيا، وإنما تُصبح أعظم أمانيه، أن يسمح له تلميذه بأن ينام قليلًا ليذهب الصداع الذى يكاد أن يُفجِرْ رأسه، ولكى يرتاح جسده، الذى أصابه الوهن والوجع والمرض، إنه جسد صديقى المعلم الذى لم يبلغ من عُمرِه الثلاثين!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف