جمال سلطان
الحريري في باريس .. هل انتهت حدوتة الاختطاف ؟
أخيرا وصل رئيس وزراء لبنان المستقيل سعد الحريري إلى باريس واستقبله الرئيس الفرنسي واحتفى به كثيرا ، وأصر على أن يتعامل معه كرئيس وزراء ، باعتبار أن الاستقالة لم تفعل حتى الآن بتقديمها رسميا إلى رئيس الجمهورية اللبناني ميشال عون ، والحقيقة أن سفر الحريري كان كافيا لكي ينهي "حواديت" اختلقها حزب الله واللوبي الإعلامي الإيراني في المنطقة ، والتي اخترعت قصة أن الحريري محتجز في السعودية وأنه تحت الإقامة الجبرية وأنه أجبر على الاستقالة ونحو ذلك من قصص بالغة الغرابة وتحتاج لخيال سينمائي واسع لتصديقها أو استيعابها ، وأنا شخصيا أستغرب أن ينجح حزب الله في تسويق تلك القصة وإقناع بعض العقول بها ، مستغلا حالة الانقسام والتشظى العربي وضرب الكل في الكل وتصيد الكل للكل .
قصة سعد الحريري ليست وليدة اليوم ، وإنما هي وليدة سنوات مضت من الحصار الذي يفرضه حزب الله عليه وعلى حزبه وعلى لبنان كله ، بقوة سلاحه ، ومنذ اثني عشر عاما لم يخض حزب الله أي معركة مسلحة إلا معركته في بيروت 2008 ضد الشعب اللبناني عندما قرر مجلس الوزراء أن يصادر شبكة اتصالات خاصة بحزب الله ويغير قائد أمن مطار بيروت ، فأراد حسن نصر الله أن يذكر الجميع بمن صاحب القرار في هذا البلد ، فاجتاحت ميليشياته العاصمة بقوة السلاح وسيطرت على المؤسسات ، ورفعت أعلامها لإعلان "السيادة" ، ثم قررت بعد ذلك أن تنسحب من مواقعها بعد أن وصلت الرسالة للجميع ، عن السيد الحقيقي في لبنان ، وصاحب القرار الحقيقي في لبنان ، ثم المعركة الثانية لسلاح حزب الله ضد الشعب السوري ، متحالفا مع أسوأ ديكتاتور دموي عرفه العرب في تاريخهم الحديث ، بشار الأسد ، سعد الحريري الذي عاش مقتل أبيه على يد شخصيات اتهمت وفق تحقيق أممي بصلتها بتنظيم حزب الله ، ويرفض الحزب تسليمها للعدالة حتى الآن ، بينما يبدي خوفه المسرحي على ابنه سعد ، وعاش تلك الفوضى في لبنان ، وتلك الأوضاع المختلة ، وحاول أن يتعايش معها على أمل أن يتعاون مع ميشال عون وحزبه في موازنة الأمور ، لكن وضح أن "عون" كان رهانه على من يملك السلاح والسلطة الحقيقية وليس على "رجل الأعمال" سعد الحريري الذي لا يملك إلا المال ومحطة فضائية وصحيفة ، ووضع الحريري أكثر من مرة تحت وطأة مواقف سياسية ، بوصفه رئيس الحكومة ، خصمت من رصيده عند سنة لبنان أنفسهم الذين يمثلهم ، وتم اتهامه علنا أكثر من مرة بأنه قبل أن يكون "طرطورا" أمام حزب الله ، وفي الأخير تمرد الحريري على وظيفة "الطرطور" وقرر تقديم استقالته والهرب في السعودية نجاة بنفسه من التصفية كما فعلوا مع أبيه .
كانت استقالته بمثابة كشف الغطاء عن الوضع المختل في لبنان ، وعن ابتزاز حزب الله للبنان بجميع طوائفه ، الكل في العراء فجأة ، فاخترع حزب الله قصة أن الحريري لم يستقل وإنما أجبر على الاستقالة ، وأنه مختطف في السعودية ، ثم خاضة معركة كوميدية بوصفه الحريص على الحريري ، كما كان حريصا على أبيه ، وأنه يطالب بتحرير الحريري .
أجرى الحريري حوارا تليفزيونيا على الهواء مباشرة لكشف الخواء الذي يردده حزب الله ، فشككوا في بدلته ، والراجل اللي ظهر وراء المذيعة ، وكانت قصة ، ذهب البطريرك الماروني واجتمع به هناك وعاد ليقول أنه مقتنع بمبررات استقالته ، قالوا أنه "قبض" من السعوديين ، غرد على حسابه بتويتر ، قالوا أن بعضهم كتبها وليس هو ، أخيرا غادر إلى فرنسا ، فقالوا إن بعض أسرته ما زالوا هناك ، باعتبار أنه سيخاف أن يخبر ماكرون وأوربا والعالم بأن أولاده محتجزون في السعودية ، أو أن ماكرون يمكن أن يفكر في التضحية بصفقة سلاح بأربعين مليار دولار مع السعودية من أجل سعد الحريري ، محض هراء وقصة ألف ليلة وليلة لا تنتهي .
حتى لا تضيع بوصلة الوعي ، وحتى لا يبيعنا الإيرانيون وأذرعهم الوهم من جديد ، القصة بوضوح أن حزب الله بسط سيطرته بقوة السلاح على لبنان وينطلق منها لأعمال تخريب وعدوان في مختلف دول المنطقة ، سوريا والعراق واليمن والسعودية وغيرها ، وحتى في مصر هو متهم رسميا أمام القضاء حاليا ، وأصبح الحزب في لبنان صاحب القرار ، ودولة فوق الدولة وليس داخل الدولة ، وإيران أعلنت بوضوح أن القرار لا يصدر في لبنان إلا بالرجوع إلى طهران ، قالوها بكل صفاقة وعلنا أمام الجميع ، وحسن نصر الله قالها علنا أن سلاح حزب الله وماله وتدريبه كله من إيران ، وأن ولاءه للولي الفقيه ، استقالة الحريري أعادت التذكير بهذه الحزمة من الحقائق التي تكشف أن لبنان الآن رهينة في يد حزب الله ، وأن رئيس وزرائها كان مختطفا فعليا في بيروت ، وعاجز حتى عن أن يحمي نفسه ، ولن نسمح لحزب الله وإعلامه أن يستغل الانقسام الخليجي لكي يمرر خرافاته ، أو يقلب الطاولة على الحريري واستقالته ، بغض النظر عن أن يكون المتلقى يعارض السعودية أو يواليها ، تلك مسألة أخرى تماما ، المختطف الآن هو لبنان ، والرهائن هم أحزابه وقواه الوطنية ، ومن قام بالاختطاف هو حزب الله ، والسلاح إيراني ، نقطة ومن أول السطر .