المساء
خيرية البشلاوى
رنات الإرهابي .. والذاكرة الجماعية
الذاكرة الجماعية تحفظها الوسائط الجماهيرية بالصوت والصورة. لاشيء يضيع في زحمة السنين والأحداث الكبيرة. والحمد لله أن أرشيف التليفزيون والإذاعة المصريين لم يعودا وحدهما يمتلكان الملفات والتسجيلات الحافظة لما ينبغي أن يبقي محفوظاً في الوعي الجمعي للمصريين. هناك الشرائط المصورة علي الإنترنت بإمكانياتها الرهيبة المفتوحة علي صناديق الذاكرة الجماعية للشعوب الأخري.
فلن تخزلك شبكة المعلومات الرقمية عن التذكير بمواقف وأفكار الشخصيات المهمة واللقاءات التي عبَّروا فيها عن مواقفهم في شتي المجالات الاجتماعية والسياسية والدينية التي تهم الملايين. ومثل هذه السجلات تعيدنا إلي إعادة النظر والتقييم الموضوعي لما كان يمثله هؤلاء. وبالذات الذين لعبوا أدواراً مؤثرة سلباً أو إيجاباً.
كثير مما تحفظه الذاكرة يطفو علي السطح أمام موقف أو مناسبة أو قضية مثارة تحرك تيار الوعي. وتوقظ بعض الأسئلة المقلقة.
بعد الحوار الذي انفرد به الإعلامي عماد الدين أديب. مع الإرهابي الليبي الذي شارك في قتل العشرات من أبناء القوات المسلحة والشرطة. يمكننا أن نلتفت إلي التركيبة الأيديولوجية الدينية المضللة والضالة التي جعلت هذا الشاب الغرير يستمرئ القتل بقلب بارد. وهو موقن بأنه يدافع عن الإسلام ضد "الكفرة" وكيف حولت المفاهيم المضللة شاباً صغيراً إلي آلة قتل جهنمية مع جماعات ينتمي إليها وتشاركه نفس التفكير؟!!
تحليل الشخصية من خلال لغتها وثباتها النفسي وما تؤمن به. وأخطر ما فيه أن "دُنياه" تبدأ بعد الموت. ومن ثم فهو لا يهاب النهاية الحتمية لأمثاله.. إنه "كيان" لا ينتمي إلي هذا العصر. وأن آخر ما وصل إليه هو "الدولة العثمانية"!!.. التي يراها من وجهة نظره الملاذ الآمن للإسلام!!
اللقاء يقدم لكُـتَّاب الدراما. الشخصية النموذجية الحية لصورة الإرهابي شديد التخلف. الذي يستخدم أدوات الدولة العصرية العلمانية شديدة التقدم. ويستخدم نفس "العملة" الصعبة لدول مصانع أسلحة الدمار الشامل!!
لقد ألقي هذا الحوار الكاشف أضواء علي الأساس الفكري الذي يحرك النشاط الإرهابي لمثل هذا "الكيان".
وإذا أعمانا التفسير الديني عن كُنه الصراعات الآنية وجوهرها مع الجماعات الإرهابية. ومع القوي الاستعمارية العاتية وصراعات أجهزة المخابرات الدولية وحروب الماء والغذاء. فبماذا نفسر انتصارات "الكفرة" من غير المسلمين وتقدمهم علي شعوب مؤمنة بالإسلام وتعاني من أوبئة الكوليرا وأزمات التخلف والفقر؟!!
إن الذاكرة تحفظ أقوال عُتاة التطرف من أعضاء الجماعات الإرهابية التي تؤمن إيماناً مطلقاً بأن "المسلم" من بلاد الله الواسعة أفضل من المسيحي المصري "الكافر"!!.. والكارثة أن الأساس "التكفيري" الذي نتكئ عليه يعني الهلاك والهزيمة لا محالة.. إنه "الحضَّانة" الاجتماعية التي تضمن وجود واستمرارية هؤلاء "المسلمين" المسلحين بأقوي الأسلحة وبأضعف الأفكار وسلوكيات الجاهلية الأولي.
إن الكوارث تبدأ من "الدماغ" من الأفكار الجاهلة المتخلفة. ومن الأيديولوجيات المضللة والضالة التي تخلط السماوي المقدس بالأرضي الدنيوي الخاضع لشتي التفسيرات ومن خلط الدين بالسياسة. ومصائر الشعوب بأحكام تكفيرية.
إن هذا "المجاهد" الجاهل الممسوح عقله ومنطقه الإنساني. والقاتل مع سبق الإصرار والترصد. لهو الإنتاج الطبيعي لإفرازات "الدماغ".
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف