جمال سلطان
الاجتماع الوزاري العربي يفضح "سيادة" لبنان !
كان اليوم ، السبت ، هو موعد انعقاد الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب في القاهرة ، بدعوة من السعودية ، وذلك لمناقشة التدخلات الإيرانية التي تهدد المنطقة ، في سوريا والعراق ولبنان واليمن والخليج ، وقد حضر الجميع لمناقشة الأمر والخروج بتوصيات ، إلا وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل ، صهر الرئيس ميشيل عون ، وحليف تنظيم حزب الله الإرهابي ، اعتذر عن الحضور ، رغم أنه زرع الأرض سفرا هذا الأسبوع من روسيا لفرنسا لألمانيا ، بدعوى الدفاع عن سيادة لبنان التي يرى أنها انتهكت لأن رئيس الوزراء سعد الحريري قدم استقالته من السعودية وأقام فيها ، حيث روج باسيل وصهره عون أنه محتجز في الرياض ، و"نقحت" السيادة على سيادته فصال وجال .
اليوم اعتذر باسيل عن حضور اجتماع وزراء الخارجية العرب ، لكي يهرب من المناقشة ولكي لا يلتزم بأي قرار أو توصية تدين إيران أو حزب الله ، في إشارة شديدة الوضوح على عمق الأزمة التي يعيشها لبنان حاليا تحت سيطرة حزب الله وسطوة ميليشياته ، لا توجد دولة حقيقية ذات سيادة ، توجد هياكل دولة وديكورات دولة لا تملك من أمرها شيئا ، فلا رئيس الوزراء يملك أن يتخذ قرارا ، ولا وزير الخارجية يستطيع أن يتخذ موقفا ، ورئيس الجمهورية يختبئ هناك متحاشيا سطوة حزب الله ويدين له بالولاء التام كما يدين له بالفضل في تنصيبه في منصبه الذي طالما حلم وكان عنه بعيدا .
وزير خارجية لبنان هرب من موقف عربي خشية أن يدين حزب الله أو يدين إيران ، ثم يحدثنا عن السيادة واستقلالية القرار وأن أحدا لا يمكنه فرض قراره على لبنان ، جعجعة بلا طحن كما تقول العرب ، والحقيقة أن ما حدث من جبران باسيل كاف لكي يدرك من كانوا مترددين ، مبررات استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري ، فالرجل في النهاية اكتشف أن المطلوب منه أن يكون "طرطورا" بمرتبة رئيس وزراء ، وخادما في بلاط حزب الله ، يستخدمه كستارة أو حامل أختام يمرر من ورائها إرادته السياسية كأنها إرادة لبنان وإرادة اللبنانيين وإرادة الحكومة اللبنانية ، وهي في الحقيقة إرادة الولي الفقيه وذيله في لبنان حسن نصر الله .
والمصيبة الآن أنك إن فضحت هذا "الغزو" الإيراني لأربعة عواصم عربية ، والاستيلاء على القرار فيها ، بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء ، وجرائم إيران وحزب الله ضد الشعب السوري ، فإن البعض يأخذك إلى الموقف من السعودية ، دون قدرة على استيعاب أن الوضع أخطر كثيرا من حسابات السعودية وحتى الخليج كله ، اختلف مع السعودية كيفما شئت ، ولكن انظر إلى الواقع الخطير الذي يتشكل الآن في الشام وفي لبنان وفي العراق وفي جنوب الجزيرة العربية ، هناك احتلال إيراني حقيقي يتم الآن ، وهناك في الشام تحديدا وصل إلى عمليات تغيير ديمغرافية المدن ، على أسس طائفية ، حيث يتم إخلاء محيط العاصمة السورية دمشق على سبيل المثال من سكانها العرب السنة ، وإحلال شيعة فرس وعراقيين ومن جنسيات أخرى فيها ، هذا هوس طائفي خطير ، ناهيك عن كونه احتلالا استيطانيا لعاصمة عربية كبرى ، ويمكن أن يعيد تشكيل خريطة المشرق العربي لمئات السنين المقبلة .
تاجر الإيرانيون طويلا بحكاية المقاومة والممانعة ، وكسبوا بالفعل ، وخدعوا ملايين العرب بوعود فتح القدس وفيلق القدس وتحرير الأقصى ، بينما كان مخططهم الحقيقي والذي نجحوا فيه مع الأسف فتح بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء ، ناهيك عن عشرات المدن الأخرى في حواضر العرب ، ولم يطلقوا طلقة واحدة تجاه إسرائيل ، وحتى ذيلهم في لبنان "حزب الله" بعد أن خاض معركته المحدودة والمهندسة بدقة في 2006 ، لم يطلق طلقة واحدة من يومها تجاه قوات الاحتلال ، ورغم أن "إسرائيل" هاجمته مرارا وتكرارا وقصفت واستباحت الأجواء في لبنان وسوريا ، إلا أنه على مدار اثني عشر عاما ظل الحارس الأمين على حدود لبنان معها ، ويمنع أي "مقاوم" حقيقي من أن يقترب من تلك الحدود وقام بغزو العاصمة بيروت واجتياحها بقوة السلاح بعدها مع رفع أعلامه على مؤسسات الدولة لكي يخضعها ويعلن عن نفسه كصاحب القرار والأمر والنهي ، خدعونا طويلا بحكاية المقاومة والممانعة ، وآن أن تنتهي تلك الخدعة ، وتتعرى .