الوطن
ناجح ابراهيم
مرصد الأزهر.. والتطلع مجدداً للعالمية
ذهبت إلى إندونيسيا كثيراً فقال لى أحد علمائها: مصر أهملت إندونيسيا وقصرت فى حقها كثيراً.. ولولا ثلاثة لم يكن لمصر ذكر فى إندونيسيا وهم: الرئيس ناصر والشيخ عبدالباسط والأزهر.. وقد مات اثنان ولم يبق إلا الأزهر.

أدركت حينها قيمة الأزهر الذى لا نقدره قدره حتى صار الأزهر بيننا كالأب الذى وهن عظمه وانحنى ظهره فتنكر له أبناؤه وغمطوه حقه.

أما خصومه فأرادوا التخلص منه بالكلية لأنه العقبة الكبرى أمامهم، فهو حصن القرآن والسنة الذى نجح فى صد كل الغزوات ضدهما.. وما أقسى غزوات هؤلاء وما أجهلها وأقبحها.

وإذا بالأب ينفض الغبار عن المارد العظيم بداخله.. ليرى أبناؤه والجميع أن عروق المجد والجد ما زالت تسرى فى عروقه.

لقد كان شيوخ الأزهر قبل د. الطيب محظوظين إذ جاءوا فى ظروف أيسر وأسهل منها.. وجاء هو فى ظروف قاسية وصراعات مدمرة وتفتت للدول من حوله وشيوع التكفير والتفجير والتشيع والقتل بالاسم والمذهب والدين.. ورغم ذلك فلم يجد د. الطيب بداً من تحدى هذه الظروف ولعل «مرصد الأزهر» الذى افتتحه مع نخبة من العلماء والمفكرين شرفت بأن أكون واحداً منهم، يعد نقلة نوعية لإبلاغ رسالة الأزهر الوسطية.

لقد ظل الأزهر الرسمى حبيس الكتب والأوراق والمجلات لا يقترب من أعظم وسيلتين للتواصل مع العالم، ألا وهما القنوات الفضائية وعالم الإنترنت.. فشرع بعد طول انتظار فى تدشين قناته الجديدة التى آمل ألا تكون نمطية أو تقليدية.. وها هو قد افتتح مشروعه المهم وهو «مرصد الأزهر» على صفحات الإنترنت بثمانى لغات حية هى الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية والأوردية والفارسية والصينية.. فضلاً عن اللغات الأفريقية المختلفة وهى الهاوسا والفولانى والسواحلى والأمهرى.

وأوكل مهمة هذا المرصد إلى علماء كبار من أولئك الذين جمعوا التخصص فى الدراسات الإسلامية وأجادوا معها اللغات الأجنبية.. وحصلوا على الدكتوراه فيها.

فرئيس المركز أ.د. أسامة نبيل هو رئيس قسم اللغة الفرنسية فى كلية اللغات والترجمة وأستاذ زائر بجامعة السوربون.. ود. محمد عبدالفضيل، رئيس القسم الألمانى، حاصل على الدكتوراه فى مقارنة الأديان من ألمانيا.

أما د. ريهام عبدالله، رئيسة قسم الأوردو، فولدت ودرست فى باكستان.

أما د. كمال بريقع، المشرف على القسم الإنجليزى، فهو الذى يمثل الأزهر فى المنتديات العالمية وفى الأمم المتحدة.

أما د. سامى مندور، المشرف على القسم الفرنسى، فهو حاصل على الدكتوراه من فرنسا.

أما د. أحمد كمال، رئيس القسم الإسبانى، فهو يجيد الإسبانية كأهلها.. وكلهم تربوا وعاشوا فى الأزهر.

وهؤلاء جميعاً مهمتهم متابعة كل ما ينشر عن الإسلام باللغات الحية ومتابعة الدوريات والصحف والمواقع الإخبارية والمراكز البحثية والرد على كل ما يسىء للإسلام.. أو الأفهام المغلوطة عنه.. وخاصة فى قضايا التكفير والجهاد والمرأة والخلافة والتشيع.

لقد تأخرت مصر طويلاً فى هذا الميدان، وسبقتها إيران التى نشرت أفكار التشيع المتطرف الذى يسىء للصحابة فى معظم بلاد آسيا وأفريقيا واستقطبت الملايين من هذه البلاد.

لقد اكتسحت إيران المنطقة العربية وسخرت المذهب الشيعى لخدمة أهدافها السياسية التى حولتها إلى الدولة الأولى فى التأثير على كل أحداث الشرق الأوسط.

لقد غابت مصر وأزهرها رمز السنة والوسطية والاعتدال وتوقير كل الصحابة والتابعين عن الساحة الداخلية والخارجية.

لقد خرج الأزهر خلال سنوات طويلة ماضية من التأثير المحلى والإقليمى والعالمى.. وها هو يعود تدريجياً إلى مكانه ومكانته.. فأصحاب الوسطية سينتصرون مهما بدا ضعفهم وحلمهم ورفقهم.

لقد وجدت معظم الباحثين فى المركز من الشباب، بعضهم يدرس الماجستير وبعضهم حصل عليه، وبعضهم يدرس الدكتوراه أو حصل عليها.. وكلهم حماس أن يعيد بدوره البسيط بعضاً من مجد الأزهر التليد.

إننى أرجو ألا يخضع هذا المرصد المحترم لغول البيروقراطية المصرية المعروفة الذى أكل كل المؤسسات الجيدة فى بلادنا.. وأن يتسع دولاب العمل به ويتطور سريعاً وأن يجدد نفسه باستمرار.

وقد علمت أن المرصد سينشأ له مواقع للتواصل المباشر مع الشباب على مواقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك وتويتر» والتى نجح داعش والميليشيات الشيعية وأخواتهم فى استخدامها بفعالية.

وعلى المرصد أن يسعى لعقد برتوكول تعاون مع كل المؤسسات التى يمكن أن تستفيد منه لتنشر رسالته بسهولة إلى العالم كله دون تعقيدات من أى جهات أخرى، وعلى رأسها وزارة الخارجية وهيئة الاستعلامات والقنوات الفضائية المتخصصة التى سبق أن أنجزت الكثير فى هذه الملفات.

فمشكلة مصر الأزلية تكمن فى أن مؤسساتها عبارة عن جزر منعزلة لا يتواصل بعضها مع بعض وينافس أو يضر بعضها بعضاً.. أما التكامل والتناغم والتعاون فما زال أمامنا شوط طويل لتحقيقه.

وعلى المرصد أن يعقد برتوكولات مع نظائره فى الدول الإسلامية الأخرى.

إن قوة مصر من قوة الأزهر الذى يعد من أعظم القوى الناعمة لها.. فمن حاول هدمه فهو يهدم جزءاً من قوة مصر.

فتحية لكل من أعان الأزهر على القيام بواجبه.. وتحية لكل عقل ساهم فى إنشاء وتفعيل المرصد.. وتحية للشيخ أحمد الطيب الذى يعمل فى صمت، والذى دشن عمل المرصد منذ عدة أشهر ولم يعلن عنه إلا بعد أن أنجز شيئاً ملموساً على الأرض.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف