ضرب العاصمة الإيرانية طهران- زلزال قوى، وإذا شئنا الدقة هزة أرضية تجاوزت المعتاد بمقياس ريختر (7.2) درجة، ويبدو أن الجيران العرب لم ينتبهوا من كثرة الزلازل الإيرانية السياسية فى المنطقة ليشاطروا الجار أحزانه، أو يسارعوا بالنجدة، وهذا حق للجار، ألومه عليه!
فإيران دولة كبرى فى الشرق الأوسط، ولن تترك المنطقة، ونحن سوف نعيش فيها، ونصبغها بهويتنا العربية، كما نريد، فالعرب المعاصرون غير قابلين للاحتلال مرة أخرى، سواء عبر النفوذ الإقليمى أو العالمى. فلا يمكن فى العالم المعاصر عودة النفوذ الإيرانى باحتلال الإقليم، وفرض نفوذهم بشكل مباشر أو عودة نفوذ الغرب عبر إسرائيل، كما لا يمكن للأتراك أن يعودوا من جديد لمرحلة الخلافة العثمانية التى سقطت، كما أن العرب المعاصرين لا يبحثون عن عودة إمبراطورية عربية جديدة لهم على أراضى الغير.
هذه حقائق العصر الذى نعيشه، وبالرغم من هذه البديهية، فإنها تغيب عن البعض فى ظل الطموحات السياسية غير العاقلة، والتى تستخدم الشعارات الطائفية للتدخل والسيطرة، وقد أجاد الملالى الإيرانيون الذين يحكمون طهران منذ عام 1979 استخدام الطائفة الشيعية العربية الكريمة ومظلوميتها التاريخية إجادة فائقة، لتوظيفها لخدمة مصالحهم السياسية فى الإقليم، وعلى أراضى العرب. ومن أراد أن يكذبنى فأمامه نماذج لا تخطئها العين، ولنتكلم بصراحة كاملة، إذا أردنا وضع حد للتدخلات الإيرانية فى الأراضى والدول العربية، لنقول إن إيران نجحت فى السنوات الماضية فى إنشاء حزب سمته (حزب الله)، وكأننا جميعا (حزب الشيطان)، ولسنا موجودين، وعلى نفس الدين، ونقول لا إله إلا الله محمد رسول الله!
وكانت الورقة الرابحة لإيران، أو الشعار الذى يخلب لب الجماهير هو فلسطين وإسرائيل والمقاومة، واستغلال ووضع الدولة اللبنانية الهش، لإنشاء جيش إيرانى بجنود من شيعة لبنان، تحت إمرة ولى الفقيه أو مندوبه، تستخدمه إيران حيث تشاء فى فرض النفوذ داخل لبنان، ونجح الحزب فى احتلال لبنان مرة بشكل عسكرى ومرات بفرض النفوذ السياسى، حتى وصل إلى حد إلغاء الدولة نفسها، وجعلها تابعة للدويلة، وأصبح ولى الله الصغير فى لبنان يملك نفوذا عربياً ضخماً، وخبرات قتالية فائقة يصدرها خارج لبنان، وكان نصيراً قوياً للدولة فى سوريا لقمع الطوائف الأخرى، بما أدى الأمر فى النهاية إلى أن الطوائف الصغيرة أصبحت بحكم نفوذ حزب الله وإيران قادرة على فرض سيطرتها فى سوريا. ولا يمكن أن تتفق أى قوة فى سوريا الآن على إنهاء الحرب الأهلية التى دمرت سوريا، وشردت السوريين بدون مراعاة النفوذ الإيرانى، ورأى الملالى فى طهران، ونفوذ حزب الله الذى هو يحكم أقوى من الجيش السورى، بل أقوى وأكثر تنظيما وتحكما على الأرض من الروس الذين يتحكمون بسلاح الجو الذى يقصف كل مدن سوريا (عدا دمشق)! وتحكم الأقليات فى الأغلبية سيحول مظلومية الشيعة إلى مظلومية السنة، وبه يتم استغلال المتطرفين لضرب الدولة السورية مرة أخرى، ولن يستطيع أحد أن يوقف هذا التطرف ما دامت مبرراته السياسية موجودة على الأرض. ولا يمكن أن تعود سوريا حرة لأهلها، وهناك مظلوميات خلفتها الحرب الراهنة، والأخطر أنها ستخلق ثأرا يصعب تجاوزه فى المستقبل.
فالتمدد الإيرانى لم يتوقف فى سوريا وحدها، بل انتقل إلى العراق، واستغلت إيران الضعف العربى الناجم عن الاحتلال الأمريكى، وسياسات (صدام حسين) التى ظلمت كل العراقيين فى تكريس المظلومية الشيعية وحق الشيعة فى الحكم، وانتقل النظام الطائفى غير المنطقى، وغير العصرى الموجود فى لبنان إلى العراق، بمعايير أكثر ظلماً للطوائف، بل إن فكرة جيش الطائفة تم انتقالها كما هى، وأسس لها قائد عسكرى إيرانى اشتهر بأنه هو الذى يحكم ويقود تلك الطوائف باسم الحشد الشعبى الذى مارس دوره هذه المرة، ليس لضرب الطوائف فقط بل لضرب الأعراق، ومعركته الأخيرة فى كركوك ضد الأكراد أعطته مكانه سياسية لا يمكن تجاوزها بسهولة. حدث ذلك بإرادة العرب أو بغير إراداتهم، وسيطر الإيرانيون على القرار السياسى فى بغداد ودمشق وبيروت، ليقولوا للأمريكيين والأوروبيين إنه لا يمكن اتخاذ قرار فى هذه البلاد بدون إستشارة طهران وقم، ومن ينكر ذلك فهو لا يريد أن يرى الواقع السياسى الراهن. وهكذا يمكن لكم تحليل استwقالة سعد الحريرى فى لبنان، وتأزم الوضع السورى، وصولا إلى الوضع المهزوز فى العراق والأزمة بين الطوائف، وأوضاع الكرد، وكلها مشكلات يقف وراءها الجانب الإيرانى الغاصب للقرار العربى، والذى استولى عليه ليس فى غفلة من الزمان، ولكن بتخطيط، وعمل مستمر. أما الحرب الدائرة فى اليمن فهى لوقف التدخلات الإيرانية، وهى مواجهة مفروضة، ولأن الطموح الإيرانى بالتوسع مخطط، ويعمل منذ سنوات، فقد استولى على القرار فى قطر وجند الحوثيين، وبقايا جيش صالح فى حرب دامية، ضحيتها كل اليمن، وحتى يكون قادراً على السيطرة على كل دول الخليج. والرؤية واضحة أمامنا، ففى الإمارات يحتل ثلاث جزر، والبحرين تحت تهديد مقيت، والنيران تحت الرماد فى الكويت ، وتنشغل السعودية بحرب اليمن الطاحنة، أما سلطنة عمان فتريد أن تلعب دور الوسيط لعلها تنجو، وهكذا تتحرك النيران من بلد إلى آخر. سألنى سائل: أما آن لحزام الزلازل أن يتوقف؟ فقلت له إن طهران أقيمت على خط الزلازل فى نقطة التقاء خطين منها، وهناك رأى حكيم يطالب بنقل العاصمة لتنجو، ونحن نتمنى لهم أن ينجوا، فالإيرانيون أهل حضارة وثقافة، ونريد لهم أن يعيشوا، ونعيش معهم. ولكننى ..لا أنسى أن أحيى العقل المصرى الذى فكر جيداً، وخطط بوعى، ومنع التداخلات الإيرانية فى الشأن المصرى، وأتذكر أحد رجالات مصر المخلصين، وهو يشرح لى مخطط إيران للتوغل فى مصر عبر استخدام الأضرحة وأهل البيت الكرام، لإنشاء حزام دينى، أو حزب الله آخر، أو ميليشيات حشد شعبى، أو حوثيين، ليهتفوا للملالى فى مصر. وكانوا يخططون ليكونوا ممثلين لطائفتهم فى ميدان التحرير، حينما تحين الساعة، ليقتسموا السلطة، أو يشاركوا فيها، أو فى تقسيم مصر، ولكن الأمن المصرى وأجهزته بخير، وتعمل بمقاييس العصر، واكتشفت خطوط المؤامرة قبل أن تحدث، وألجمتها، وهم أنفسهم الذين يعملون بجد لوأد الفتنة بين غزة والضفة الغربية، وحل مشكلة جنوب السودان، وإفشال المؤامرات على النيل ..وفقهم الله.