نشوى الحوفى
«آلاء» فى 57.. و57 فى مصر
ما أبشع إحساسك بالعجز أمام مَن يتألم وأنت تقف أمامه لا تعرف غير البكاء الصامت أو الدعاء الراجى أو إخراج زفرات من هواء يعلن فشلك فى تخفيف الألم. هكذا كان حالى وأنا أحاول تهدئة «آلاء» ابنة الثمانية أعوام الليبية التى تعالج الآن فى مستشفى 57357 لعلاج سرطان الأطفال. لا أعرفها ولم أرَها من قبل ولكن ساقتنى الأقدار لها فى إحدى الزيارات للمستشفى من باب الصدفة. طفلة عربية كبدر منير صامتة فى فراشها تتحمل آلام المرض وعلاجه بصمت فى بعض الأحيان، وتمرد فى أحيان أخرى، وعدم فهم لماذا هى؟ ولمتى يستمر تارات كثيرة؟ يؤلمها شعرها الذى ذهب مع الريح فترينى على هاتف والدتها صورها قبل المرض فى أحد أفراح عائلتها.. أتأمل الصورة وأنظر لها وهى تتحدث أفكر فيما سأقوله لها. أهدى لها قصة أطفال للكاتبة عبير أنور عن طفلة كانت فى مثل حالتها حملت اسم «غداً سيكون لى شعر». أجلس بجوارها أحكى لها القصة فتتابع الرسوم فى صفحات الكتاب بصمت. أنهى القصة بابتسامة «آلاء» التى تخبرنى أنها تفضل السير هكذا دون غطاء رأس ودون شعر مستعار. أخبرها عن نجوم عالميين يدفعون المئات فى قصة شعر مثلها. تضحك ببراءة وأفارقها ولكن سرعان ما تحادثنى والدتها بسوء حالتها النفسية ورفضها تعاطى الدواء إلى حد منحها مهدئاً من قبل الطبيب المعالج. أذهب لها وأخبرها كاذبة أننى لن آتى لها مجدداً إن لم تتناول دواءها. تبتسم وتحاول خداعى ببراءة طفولة تجعلك تتساءل عمّا يدفع الناس للتكالب على الدنيا فى الخارج.. لماذا لا يعيشون فى رضا وبهجة واحترام للآخر؟ ولِمَ لا يذهبون لأى مستشفى إن كانت العبرة فاتتهم وتركتهم وحوشاً فى الحياة؟
وما بين إحساس العجز عن فعل شىء حقيقى لـ«آلاء» ومَن مثلها، وإحساس الدهشة من سلوكيات بشر صار الصراع عنواناً لها، يطغى عليك الأمل بشكل غير طبيعى وأنت فى مستشفى 57 ليبدد ظلام العجز واليأس بقوة. فأنت تسير بين ردهات مستشفى تمنح علاجها بالمجان للأطفال المصريين والعرب والأفارقة على أعلى مستويات النظافة والصحة والمتابعة والتقدم التكنولوجى بإدارة حاسمة لا تعرف سوى ثقافة الحب والعطاء والثواب والعقاب وتغلغل رؤية الإدارة بين جميع العاملين فى المستشفى. تسير داخل مؤسسة علاجية بلغت فيها معدلات الشفاء من مرض فتاك 74.7% حتى فرضت ذاتها بين مراكز العلاج من المرض فى العالم. ترى توسعات لا تتوقف عند الحلم القديم ببناء مستشفى لعلاج سرطان الأطفال فتضيف 60 سريراً فى مبنى إضافى افتتحوه منذ أسابيع قليلة وتلاه افتتاح فرع فى طنطا ليكون مستشفى جديداً فى قلب الدلتا. تسمع عن شراكات مع كبريات الجامعات الأمريكية لإعطاء أطباء مصريين منحاً تبلغ تكلفتها 70 ألف دولار للطبيب الواحد على مدى 24 شهراً فى مصر وستة أشهر فى أمريكا لخلق الطبيب الباحث القادر على استخلاص نتائج جديدة فى علاج المرض دون أن يقتصر على العلاج. ترى خطط بناء أكاديمية تعليمية ومعهد للتمريض يضعنا على طريق صناعة الخدمة وتعلمها على أحدث الأساليب بتبرعاتنا لمواصلة الحلم ريثما تظهر أحلام جديدة.