الأخبار
اسامة السعيد
خارج النص - قانون بلا قلب!
لا أفقه كثيرا في القوانين، لكنني أشعر بمعاناة الأبرياء.
لا أحب كثيرا ألاعيب بعض المحامين، لكن تؤلمني أنات الضحايا.
فوسط زحام الأحداث، وصخب الحياة، جاء تعديل قانون محاكم الأسرة الذي أقره مجلس النواب قبل يومين، ليمر في هدوء، ودونما التفات كبير من معظم قطاعات الرأي العام، والحقيقة أن هذا القانون - رغم أهميته - جاء مخيبا للكثير من الآمال، التي انعقدت علي صدوره، فجاء بلا قلب، رغم أنه رفع شعار الحفاظ علي حقوق الأطفال مجهولي النسب.
سنوات طويلة وأنا أتابع قضية الأطفال مجهولي النسب، منذ أن تفجرت أزمة »الممثل»‬ أحمد الفيشاوي، ورفضه الاعتراف بابنته، ثم أزمة »‬الممثلين» أحمد عز وزينة.. ورغم أن تلك القضايا قد حظيت باهتمام إعلامي واسع، ليس من زاوية القضية الإنسانية التي تثيرها، لكن بسبب شهر أطرافها، إلا أن الإحصاءات القضائية تشير إلي أن هناك ما يزيد علي 15 ألف حالة وربما أكثر بكثير لا تزال في دهاليز المحاكم حتي الآن، وهذه الأعداد مرشحة للتزايد في ظل ارتفاع معدلات الزواج غير الرسمي، وتحايل البعض علي القوانين فيما يتعلق بسن الزواج، وانتشار ما يسمي بـ»الزواج العرفي».
وكان كثير من المتابعين لتلك القضية يأملون أن يخرج تعديل القانون الجديد بمادة تحسم تلك الأزمات، وتنقذ مصير آلاف الأطفال الضحايا الذين لم يرتكبوا ذنبا سوي أنهم أطفال لأب أو لأم معدومي الضمير، بأن يلزم القانون الأب الذي يرفض الاعتراف بنسب الطفل إليه أن يجري بقرار من المحكمة تحليل »‬DNA»، وهو الوسيلة العلمية الأكثر حسما لهذا الجدل، والتي يمكن من خلالها اختصار طويل ومهين من الإجراءات القضائية التي تلزم الأم علي إثبات أن »‬الطفل للفراش» وفق التعبير القانوني والفقهي.
ويبدو أن معدي القانون استكانوا لمقولة أنه »‬لا يجوز إجبار المتهم علي تقديم دليل ضد نفسه»، وتناسوا أنهم بحفاظهم علي حق المتهم، يضيعون حقوقا لأطفال أبرياء، ويضيفون ظلما لزوجة قد لا تملك لاستعادة حقها سوي الشكوي إلي السماء، فضلا عن أن ذلك الأب المتهم لو كان بريئا حقا لما تردد لحظة في أن يطلب أن يجري له تحليل البصمة الوراثية لحسم النزاع، لكن للأسف الشديد فإن تلك المماطلة تمنح المتلاعب فرصة للهرب بجريمته، وتضاعف من معاناة الضحية.
والغريب أيضا أن من يدافعون عن عدم الإلزام بإجراء تحليل »‬DNA» في قضايا إثبات النسب يستندون إلي قاعدة فقهية تقول »‬البينة علي من ادعي واليمين علي من أنكر» ويتجاهلون قاعدة أشمل وأولي بالتطبيق لو أرادوا الحق، وهي »‬أينما تكون مصلحة الناس، فثم شرع الله»، فالنصوص القانونية ليست أبقارا مقدسة، لكنها وسيلة وضعها المجتمع لحماية حقوق ومصالح أبنائه، لكن للأسف تتحول بعض التشريعات من وسيلة لتحقيق العدالة، إلي أداة لظلم بعض الضعفاء ممن لا صوت لهم، وفي مقدمتهم هؤلاء الأطفال الأبرياء.
أتمني أن يعيد البرلمان النظر في مشروع القانون المقدم من الحكومة، قبل إقراره بصورة نهائية، وأن ينقذ الأطفال مجهولي النسب من وصمة العار التي تلاحقهم نتيجة غدر الآباء، وإجحاف القوانين.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف