جمال سلطان
"حماس" مدينة بالاعتذار للشعب السوري
سقطة تاريخية وقعت فيها حركة حماس الفلسطينية أمس عندما علقت على قرار الاجتماع الوزاري العربي في القاهرة والذي صنف تنظيم حزب الله اللبناني كمنظمة إرهابية ، وأعلنت حماس على موقعها وعبر تصريحات بعض قياداتها رفضها للقرار ، ورفض اعتبار حزب الله منظمة إرهابية ، وفي بعض التفاصيل رأت حماس أن هذا القرار هو ضد التحالف مع إيران أساسا وليس ضد حزب الله نفسه ، وبالتالي فالمتوقع أن تصنف حماس نفسها بعد ذلك كمنظمة إرهابية على اعتبار علاقتها مع إيران .
هناك أخطاء في مفارق طرق تاريخية يصعب محو آثارها على مدى سنين طوال ، ومنها هذا الخطأ المروع ، فحماس ترى ما فعله حزب الله الإرهابي في الشعب السوري ، وقتله للأطفال والنساء وتدمير المدن وحصار غيرها والتطهير الطائفي للجغرافيا السورية لتوطين مهاجرين شيعة مكان أهل البلاد ، كل ذلك لحسابات غير لبنانية على الإطلاق ، فقط تنفيذا لمطالب "الولي الفقيه" في إيران بدعم الطاغية المستبد الفاسد بشار الأسد كي لا يسقط تحت ضربات شعبه وتخسر إيران نظاما طائفيا علويا حليفا ، وحزب الله لم يتورط فقط في الحرب السورية ، بل اعترف صراحة في تورطه في الحروب التي نشأت في العراق ، بدعوى مواجهة تنظيم داعش ، باعتبار أن العراق بكتله الشعبية والسياسية الضخمة وميليشياته والدعم الأمريكي ومعه طيران ستين دولة ، كان في انتظار حسن نصر الله لكي يحسم معاركه ، تلك جرائم طائفية محض ، واضحة للعيان ، وانكشف ستار الزيف الذي كان يضلل به حسن نصر الله العرب بأنه حزب مقاوم ، اتضح أن اللعبة كانت تقتضي افتعال مواجهة محدودة مع "إسرائيل" في 2006 لكي تسمح للحزب أن يقدم نفسه كمقاوم لإسرائيل ، ومن بعدها ، اثنا عشر عاما حتى اليوم ، لم يطلق رصاصة واحدة تجاه إسرائيل ، وعمل ـ مثل غيره ـ مجرد خفر حدود يؤمن الحدود الإسرائيلية من جهة لبنان ، ويمنع أي قوة أو شخص من أن يقوم بأي عمل "يزعج" إسرائيل ، وكل حروبه طوال تلك الفترة هي ضد الشعوب العربية في لبنان وسوريا والعراق واليمن .
حزب الله الذي تورط في عمليات إرهابية سابقة في الكويت ، وتورط في عمليات إرهابية أخرى في أمريكا اللاتينية ، وتورط في أعمال تدريب عسكري لخلايا طائفية من البحرين والسعودية ، ما الذي يغري حماس بأن تقارن نفسها به ، حماس حركة تحرر وطني ، وتخوض كل معاركها داخل وطنها ، ولم تلوث بدم عربي ، ولم تتورط في معارك أهلية في أي بلد عربي ، ولا يوجد لها خلافات جوهرية مع أي بلد عربي ، لا مصر ولا الخليج ولا غيره ، مجرد حساسيات عارضة ومرحلية يتم تجاوزها سريعا ، كما حدث في الأزمة مع مصر بعد 30 يونيه 2013 ، فما الذي يقلق حماس من تصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية .
أفهم أن الكثير من الدعم تتلقاه حماس من إيران ، لأن إيران تحرص على أن تسوق نفسها في المنطقة كداعم للمقاومة ، نوع من غسيل السمعة لها في المنطقة وتخفيف حدة الاتهامات لها برعاية المنظمات الشيعية في العراق وسوريا والبحرين واليمن وغيرها ، ولكن كان بوسع حماس أن تلتزم الصمت ، وليس أن تبادر بإعلان رفضها للقرار ، لماذا تستعدي الدول العربية كلها وتتحداها ، ناهيك عن استفزاز الملايين من الشعوب العربية ، من أجل ماذا ؟ من أجل حزب الله ؟ من أجل إيران ؟ ما هذا الضلال السياسي الغريب .
إذا كان حزب الله نفسه يبذل كل جهد إعلامي من أجل تسويق نفسه داخل الحاضنة العربية السنية ، لأنه يعرف أنها "الجسم" الأكبر والأصلب في المنطقة ، فبأي منطق تحاول حماس أن تسوق نفسها في الحاضنة الفارسية الشيعية وتخسر حاضنتها العربية السنية ، أي حساب سياسي عاقل يبرر ذلك ، وهل تتصور حماس أو غير حماس ، أنها بخذلانها للشعب السوري وتضحياته التي وضلت لنصف مليون قتيل ومليون مصاب وثمانية ملايين مشرد في أنحاء العالم ودمار مدن بكاملها ، بسبب تحالف حزب الله وإيران مع الديكتاتور الذي رفض التخلي عن السلطة وإفساح المجال لديمقراطية وكرامة وحرية وتداول سلمي ، هل تعتقد أن الشعب السوري سيغفر لها ذلك ، أو بقية الشعوب العربية الأخرى ، هل تتصور حماس أن الشعوب ستبيع دماء ملايين السوريين وتنساها وتتضامن مرة أخرى مع حماس في أي موقف سياسي أو نضالي ، هل هذا متصور .
إن الشعب الفلسطيني نفسه لم يقتل منه على مدار نصف قرن على يد الصهاينة مثل ما قتل من الشعب السوري على يد الطاغية بشار وحلفائه حزب الله وإيران في خمس سنوات ، والسوريون الذين هجرهم بشار في الشتات خلال خمس سنوات أكثر عددا من الفلسطينيين الذين هجرهم الصهاينة في خمسين عاما ، وبطبيعة الحال ليس هذا تخفيفا من الجرائم "الإسرائيلية" أو تهوينا من أمرها ، فلن ننساها ، ولن نغفرها ، ولكن المقارنة الأخلاقية والإنسانية والعروبية هنا ضرورية لكي تتذكر حماس حجم الجرح الذي سببته بموقفها لدى الشعب السوري والملايين العربية المتعاطفة مع ثورته من المحيط إلى الخليج .
كيف لا يستوعب الأخوة في حماس أن انتصار ثورة الشعب السوري هو دعم معنوي كبير لصمود الشعب الفلسطيني يلهمه بالقدرة على الانتصار والتحرر مهما كانت التضحيات ، وأن انكسار ثورة الشعب السوري هو انكسار لأحلام الشعب الفلسطيني في الانعتاق وتصدير للإحباط من القدرة على تحقيق التحرر ، وتحويل قضيته نفسها بما فيها منظماته ، كحماس وغيرها ، لمجرد ورقة صغيرة على طاولة التنافس بين المشروعين الفارسي والصهيوني على النفوذ في المنطقة .