سعد سليم
من نيقوصيا - تحالف مصري قبرصي يوناني
من أجل أمن واستقرارالمتوسط
قمة التحديات والآمال الطموحة .. ومصالح الشعوب المشتركة
حفاوة بالغة.. وكرم ضيافة منقطع النظير.. كلمات صادقة ومعبرة من المسئولين القبارصة عكست بوضوح قوة مصر وقيمتها وثقلها الإقليمي والدولي.. وعبَّرت عن احترام كبير وتقدير عميق للرئيس عبدالفتاح السيسي خلال زيارته الرسمية لقبرص. وهي أول زيارة لرئيس مصري لنيقوسيا منذ استقلالها عام 1960
مصر كانت من أول الدول التي سارعت بالاعتراف بالجمهورية القبرصية. وتبادلت العلاقات الدبلوماسية معها.. ومنذ ذلك التاريخ تربط الدولتين علاقات متميزة وتاريخية.. ساعد في تعزيزها القرب الجغرافي والتناغم الحضاري والثقافي بين الشعبين.. إضافة للتنسيق المستمر بينهما سياسياً في إطار الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.. وتطورت هذه العلاقات الطيبة وازدادت قوة وتأثيراً في السنوات الأخيرة. وانضمت إليهما اليونان لتشكل الدول الثلاث إطاراً جديداً لإحياء مبادرة الاتحاد من أجل المتوسط.
زيارة الرئيس السيسي لنيقوسيا ولقاؤه بالرئيس القبرصي نيكول أناستاسيادس عكس بكل المقاييس حجم التطور الهائل في العلاقات الثنائية بين البلدين.. فكلمة الرئيس القبرصي التي ألقاها عقب جولة المباحثات الثنائية عبرت بوضوح عن تقديره وشعبه لمصر وللرئيس السيسي. واتضح ذلك جلياً من عبارات المحبة والإعجاب والثناء وتكراره لكلمة الأخ والصديق.
والرئيس السيسي أكثر من مرة خلال اللقاء.. هذا المشهد وهذه العبارات والكلمات الصادقة من الرئيس نيكول تكررت مرة أخري في منتدي رجال الأعمال الذي عقد علي هامش القمة ونظمته غرفة الصناعة والتجارة القبرصية بالتعاون مع سفارتنا في نيقوسيا.. وتكررت للمرة الثالثة أيضاً خلال القمة الثلاثية والتي انضم إليها رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس.. وظهرت أيضاً بوضوح في كلمة رئيس البرلمان القبرصي ترحيباً بالرئيس عبدالفتاح السيسي خلال حضوره لمقر البرلمان.
أيضاً.. كان تكريم الرئيس القبرصي للرئيس السيسي بمنحه أعلي وسام وقلادة في بلاده.. انعكاساً واضحاً لاحترام وتقدير الرئيس القبرصي لمصر ورئيسها.. مصر التي أصبحت محط أنظار العالم واهتمامه لما تبذله من جهود مخلصة وواضحة للجميع في محاربة الإرهاب والتطرف الذي أصبح يهدد العالم كله وفي مقدمة بلاده منطقة الشرق الأوسط. وما يمثله من مخاطر عدة علي منطقة حوض البحر المتوسط بأكملها.
مصر التي تتحدث عن نفسها وتتبني مساندة وحل مشاكل دول الجوار. مستغلة ثقلها السياسي. ومكانتها التاريخية. وموقعها الجغرافي الفريد.. دون التدخل في شئون الآخرين علي مر التاريخ.. فمثلما كانت مصر دائماً وأبداً هي الداعم الرئيسي للقضية الفلسطينية. وهي خط الدفاع الأول عنها في كل المحافل الدولية. ومازالت حتي هذه اللحظات تبذل قُصَارَي جَهْدها في سبيل إعادة طرح القضية للحل النهائي علي أساس الدولتين. بعد نجاحها في تحقيق المصالحة الداخلية بين الفصائل الفلسطينية.. فإن الرئيس القبرصي اعترف بأن مصر تعتبر داعماً قوياً لجهود التوصل لتسوية شاملة للقضية القبرصية. والعمل علي توحيد شطري الجزيرة وفقاً لقرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية في هذا الشأن بعيداً عن التشدد التركي والإصرار علي المطالب غير المقبولة باستمرار الضمانات والحفاظ علي استمرار الوجود العسكري التركي علي الأراضي القبرصية. وهو ما أدي إلي فشل الجهود الأخيرة في مؤتمر سويسرا تحت رعاية الأمم المتحدة.
أيضاً مصر لا يمكن أن تنكر أبداً دور قبرص في أعقاب ثورة 30 يونيه. والذي أدي إلي إعادة فتح باب الحوارالسياسي مع الاتحاد الأوروبي في إطار الشراكة والمصالح المتبادلة بعد أن تجمد لسنوات.. فمصر تعتبر قبرص بوابة رئيسية لدول الاتحاد الأوروبي. تستطيع أن تصل من خلالها وتنفتح سياسياً واقتصادياً وتجارياً. وتحقق مصالح مشتركة مع دوله.. وفي المقابل وفي إطار الشراكة والمصالح المتبادلة. فإن قبرص تعتبر مصر بموقعها الجغرافي المتميز ووجود قناة السويس علي أراضيها بوابة تستطيع أن تصل من خلالها وتعبر باستثماراتها ومنتجاتها إلي الأسواق العربية والأفريقية.. إذن فتعميق العلاقات الثنائية بين البلدين وتطويرها باستمرار سيحقق المنفعة المتبادلة لشعب البلدين. ومن هنا كان اهتمام الرئيس السيسي بدعم وتطوير هذه العلاقات لتصل إلي أعلي مستوي.
أيضاً لا يَخْفَي علي الجانب القبرصي الجهود الكبيرة التي تبذلها مصر من أجل مكافحة ظاهرتي الهجرة غير الشرعية عبر البحر المتوسط. وكذلك الإتجار في البشر.. وتعمل جاهدة للحد من انتشار هاتين المشكلتين.. واتفق الجانبان علي ضرورة أن يتحمل العالم كله مسئولياته تحقيقاً لهذه الغاية.
مصر تعمل بجد وإخلاص للحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية.. فبعد أن كانت منطقة بركة غليون بمحافظة كفرالشيخ إحدي أهم المناطق التي تعمل في سوق الهجرة غير الشرعية.. حولتها الأيادي المصرية المخلصة إلي أكبر مناطق للاستزراع السمكي.. توفر فرص عمل كثيرة لشباب مصر. الذي كان يبحث عنها في إطار الهجرة غير الشرعية لدول أوروبا. وسقط منهم المئات. وفقد حياته في مياه البحر المتوسط.
وانطلاقاً من هذه المصالح المشتركة والتوجهات الصادقة والاحترام المتبادل بين قيادتي البلدين.. عقد في نهاية اليوم الأول لزيارة الرئيس لقبرص "منتدي رجال الأعمال المصري القبرصي" لعرض فرص الاستثمار الواعدة في مصر علي المستثمرين القبارصة. وفي مقدمتها مشروع تنمية منطقة قناة السويس. والعاصمة الإدارية الجديدة. وغيرها.. في إطار الجهود المصرية الرامية لتعميق العلاقات الاقتصادية بين البلدين. واستشراف آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي المشترك.. وهذا المنتدي يرسل رسالة واضحة لمجتمع الأعمال في البلدين تؤكد الحرص علي دفع العلاقات الاقتصادية والتجارية إلي آفاق أوسع بما يحقق مصالح الشعبين.
فمصر اتخذت من الإجراءات مؤخراً ما يوفر البيئة الملائمة للاستثمار.. وإزالة كافة الأعباء البيروقراطية أمام المستثمرين بعد أن كان الاقتصاد المصري يعاني من مشكلات عديدة.. فقانون الاستثمار الذي صدر أخيراً يعمل علي تحسين بيئة الاستثمار ويقدم حوافز جديدة للمستثمرين.. أيضاً قانون تيسير إجراءات منح التراخيص الاستثمارية وقانون تسوية المنازعات الضريبية وقانون دعم الطاقة. إضافة إلي إجراءات الإصلاح الاقتصادي التي اتخذتها مصر العام الماضي. فضلاً عن ارتفاع الغاز الطبيعي بعد الاكتشافات الجديدة.. كل ذلك سيسهم في زيادة النشاط الاستثماري والصناعي في مصر. ويشجع المستثمرين الأجانب للتواجد علي أرض مصر.
أيضاً خبرات مصر الكبيرة في مجال النفط والغاز ورغبة البلدين في الحفاظ علي ثرواتهما البترولية في مياه البحر المتوسط. وكذلك التعاون في مجال الربط الكهربائي سيساهم بشكل أساسي في تعميق وتطور التعاون المشترك بين مصر وجيرانها في منطقة شرق المتوسط للاستفادة من هذه الثروات. وضمان عدم سطو الآخرين عليها.
كان اليوم الثاني من زيارة الرئيس لقبرص. مبشراً.. فقد انضم رئيس الوزراء اليوناني ألكسيس سيبراس إلي الرئيسين المصري والقبرصي في جولة مباحثات طويلة في إطار القمة الخامسة. وبعد نهاية المباحثات كان حديث كل من الرؤساء الثلاثة يحمل آمالاً كبيرة لمستقبل مشرق يحقق طموحات ومصالح الشعوب الثلاثة في إطار آلية التعاون الثلاثي. أو التحالف الثلاثي من أجل مصالح دول شرق البحر المتوسط. التي تعتبر من مناطق الأحداث الساخنة. وأكثرها تعرضاً للمخاطر.. والتي يستوجب علي دولها التعاون الوثيق والفعال من أجل الحفاظ علي استقرارها وأمنها بقيادة مصر وتعاون دول الجوار.. واتفق الجميع علي أن هذا التعاون يعد نموذجاً للتعاون الإقليمي البناء.
أهم ما أسفرت عنه القمة.. ضرورة التعاون الجاد في مجال الطاقة. والذي يعد أهم المحاور في هذا التحالف الثلاثي. وخاصة بعد اكتشاف الهيدرو كربونات في مياه البحر المتوسط.. واستخراجه واستخدامه سيساهم بشكل كبير في تحقيق أمن واستقرار المنطقة.
أيضاً كان من ثمار القمة الثلاثية الخامسة افتتاح مركز الإبداع التكنولوجي ببرج العرب. عبر الفيديوكونفرانس. الذي يعبر عن هذا التعاون المشترك بين الدول الثلاث. ويهدف إلي تعميق العلاقات في مجال الاتصالات وخدمات الأعمال الرقمية.. وسيكون له دور بارز في المشروعات الحديثة المبتكرة في كل المجالات. خاصة البحث العلمي والابتكار الذي سيساهم في التنمية الاقتصادية الشاملة.
فالدول التي تستثمر في البحث العلمي والابتكار تضمن توفير فرص إضافية للاستقرار والتنمية. فالعقول الناضجة تصنع أفكاراً جديدة تؤدي إلي تحقيق تنمية شاملة.
أيضاً تم توقيع العديد من الاتفاقيات والبرامج ومذكرات التفاهم في مجالات السياحة وصناعة الأدوية وتدوير ومعالجة المخلفات. ومجالات البواخرالسياحية والموانئ. وكذلك في مجال الأمن.
الدولتان أكدتا دعمهما الكامل لرؤية مصر بشأن حل المشكلتين السورية والليبية. علي أساس احترام وحدة الدول ومصلحة شعوبها.
آفاق عديدة ومتنوعة للتعاون المصري القبرصي اليوناني يأتي علي رأسها مجال الطاقة والبترول والربط الكهربائي ومكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار لشعوب منطقة شرق المتوسط.. رؤساء الدول الثلاثة أكدوا علي ضرورة بذل كل جهودهم من أجل تعميق هذا التعاون. ودفعه إلي أعلي مستوياته ليعود بالنفع علي شعوب الدول الثلاث.. علي أن تعقد القمة السادسة في جزيرة كريت باليونان في عام 2018 بإذن اللَّه.