الدستور
خالد عكاشة
ليلة تحدث حسن نصرالله
الكثيرون بالمنطقة وخارجها لم يصدقوا بالطبع ما جاء بخطاب حسن نصر الله، فيما يخص عدم إرسال الحزب الأسلحة المتقدمة إلى البلدان التى تم اتهامه رسميا وإعلاميا، بالانخراط فى النزاعات المسلحة أو بأعمال الخلايا التخريبية بها. رغم أن هذا النفى احتل مساحة معتبرة من خطاب «السيد» وفق التسمية المحببه لأنصاره ومريديه، وأيضا هى بالأساس إحدى الرسائل الرئيسية التى صيغ الخطاب من أجل إنفاذها.
لذلك جاء استخدام «الأداء» الساخر فى تلك النقطة مقصودا لمحاولة افتعال أكبر قدر من الإنكار، خاصة أنه فى هذه الجزئية لديه نوعان من المستقبلين للرسالة، الأول المنصات الإعلامية التى ستبث تصريح نصر الله فى نفيه أن يكون متهما بالجرم المشهود. وهذه يجيد «السيد» التعامل معها، ويفهم آلياتها بالصورة التى تمكنه من استخدامها ببراعة، حتى وهى مجرد ناقلة لتصريحات، فليس دورها هنا التثبت من صدقها أو عدمه. والترويج للإنكار فيما بعد النشر الخبرى الاعتيادى؛ ستتكفل به آلة الإعلام الجبارة الخاصة بمحور الحزب وحوارييه.
المستقبل الثانى لرسالة نصر الله سيكون حتما الأجهزة الأمنية والاستخبارية للدول التى تضع يديها على ما حاول إنكاره، ورجال هذه الأجهزة يتعاملون بالأدلة والمعلومات المثبتة والوقائع التى يقدمون البعض منها للسلطات القضائية، والكثير يرفعونه إلى قياداتهم السياسية التى تصوغ مواقفها ومواقف دولهم وفق ما هو أمام أعينهم وأيديهم. هؤلاء لن يقفوا أمام «الإنكار» الأخير لحزب الله على لسان أمينه العام، إلا من زاوية كونه موقفا يسجله الحزب إعلاميا موجها لجمهوره، وبغرض التشويش وزعزعة الثقة لدى جمهور الطرف الآخر مطلق أو مصدر الاتهام للحزب.
تلك الأجهزة لديها بالكويت مثلا أعضاء «خلية العبدلى» التى ألقى القبض بالفعل على عناصرها أغسطس ٢٠١٧م، وتضم فيما بينهم أعضاء من حزب الله وآخرين حاملين للجنسية الكويتية، والأسلحة والذخائر ومواد صناعة العبوات الناسفة تم ضبطها وهى أحراز لقضية منظورة أمام القضاء الكويتى. ولدى الأمن البحرينى نظير لذلك النسق فى العديد من القضايا المماثلة، وربما تتجاوز فى الحالة البحرينية خطورة مجرد خلية تخريبية، بل هى عدديا ونوعيا تمثل حالة متقدمة مثل عملية الهجوم المسلح على سجن «الجو» فى يناير ٢٠١٧، والتى أسفرت عن مقتل عناصر من الأمن البحرينى وتهريب عدد من السجناء، ما بين موقوفين ومحكوم عليهم فى قضايا إرهابية. وهذا ما دفع المسئولين الأمنيين فى البحرين للإسراع باتهام إيران مؤخرا، بالوقوف وراء عملية تفجير «أنبوب النفط» الواصل ما بين السعودية والبحرين، ولم يتحرجوا من إطلاق هذا الاتهام على وسائل الإعلام الرسمية، كون هذا الفعل وفق كافة التقديرات الاستخبارية، لن يخرج عن منظومة وأذرع الارتباطات الإيرانية من حزب الله أو غيره. وهو إسراع غير عشوائى ولا افتراضى بل هو محصن بما يجعل الدولة تتبنى وتحمل مسئولية إطلاقه، والجزء الذى يكمل الصورة أن حزب الله و«سيده» وأجهزته يعلمون على الجانب المقابل أن أجهزة دولة البحرين تعلم، لذلك يظل فعل الإنكار هو من ألاعيب وأداءات النسق الإعلامى، البعيد عما هو معلوم لدى كافة الأطراف الفاعلين بالمشهد.
لم يكن بالطبع حسن نصر الله ليخرج للحديث إلى الجمهور، فقط، ليعلن إنكاره تهمة إرساله الأسلحة، مع ملاحظة أنه قصر حديثه عمدا على السلاح من دون رجال وخبراء الحزب، رغم أن هؤلاء هم عنوان الأزمة التى تحدث بها سعد الحريرى فى استقالته، بما يمثلون من خرق للسيادة والقرار اللبنانى بتوجههم إلى مناطق الصراع وانخراطهم فيه بإعلان وتكليف رسمى من الحزب، مختزلا ومتجاوزا القرار الرسمى اللبنانى. وهو ما أدخل الدولة فى هذا الموقف الشائك الذى لم يجد فيه رئيس الحكومة بدًا سوى إلقاء استقالته، بعد أن سجل عجزه عن إيقاف هذا الوضع الشاذ بالأخص بعد تأكده من الانحياز الكامل للرئاسة اللبنانية إلى جانب مشروع حزب الله، الذى حمله «السيد» أيضا فى حديثه، وهو ما كان ضروريا لاستكمال صناعة الخلطة الكاملة للجمهور، هو إعلانه عن تحقيق الانتصار فى مدينة «البوكمال» الحدودية ما بين سوريا والعراق، فى دلالة لا تخطئها الآذان؛ إنها إحدى الرسائل الإيرانية التى تحدد لمن ينسب الانتصار، ومن سيكون صاحبه فى المستقبل.
وعن تلك الرسالة الأخيرة؛ والتى تشبه إلى حد كبير ما قام به الحزب منذ شهور فى لبنان، عندما انتزع فى اللحظات الأخيرة حصاد الجهد العسكرى الذى قام به الجيش اللبنانى لاستعادة «جرود عرسال»، من سيطرة تنظيمى «داعش» و«النصرة»، ليعقد الصفقة التى أثارت حينها اللغط ما بينه وبين مقاتلى «داعش»، فضلا عن إرغامه قوات من الجيش السورى على حمايتهم لوصولهم إلى «البوكمال». لينكشف لاحقا أنها كانت تعليمات إيرانية نفذها حسن نصر الله متجاوزا كافة الأطراف الداخلية اللبنانية، حيث ظل هذا المشهد يمثل شوكة فى حلق الحريرى، أرغم على ابتلاعها بضغط من الرئاسة اللبنانية التى تسيطر على الجيش اللبنانى عبر قائده العماد «جوزيف عون»، والأخير هو من ضمن صمت ضباط الجيش على هذا اللطمة التى مثلت أحد الأسباب الرئيسية لاستقالة الحريرى لاحقا.
خجلا ومرتبكا ومبتسما حينا؛ عندما يلحظ «السيد» أنه قد استفاض كعادته فى الحديث عن الانتصار الذى حققه حزب الله على أراضى سوريا والعراق، يعود مجاملا النظامين الرسميين للدولتين فى أنهما حتما سيعلنان الانتصار رسميا على «داعش» لاحقا. لكن يظل طوال الوقت فى إلحاح وإعادة بتنويعات مختلفة، بما يفيد نسبة هذا النصر إلى حزب الله فى سوريا وإلى الحشد الشعبى فى العراق، حتى يظل الأمر إيرانيا يدور فى فلك أذرع الحلف، منزوعا عنه الصفة الوطنية رغم أن كلا النظامين أعضاء فى هذا الحلف. لكن حين يجىء وقت حصاد المغانم، حتى وإن بدت إعلامية، فلابد أن تعود أولًا صاغرة إلى حظيرة المرشد الأعلى.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف